«جبر الخواطر» جملة نسمعها كثيرا فى حياتنا اليومية ولكننا لا نركز كثيرا مع معناها، عبادة منسية فى زمن طغت فيه المادة على كل مفاصل الحياة، ف«جبر الخواطر على الله» وهو عبادة منسية وسلوك إنسانى راق يفتقده الكثير. إننا لن نسعد الناس بأموالنا فالمال أغلى من الولد والزوجة عند البعض، ولكن يكفى المحتاج منك كلمة حانية أو نظرة رقيقة، فإن لم تعطِ فلا تتهكم، وإن لم تعِن فلا تذم. جبر خاطر المساكين عبادة نتقرب بها إلى الله سبحانه، ولقد حث الإسلام على هذا فى سورةٍ كاملة تحمل معناه »سورة الماعون« أَرَأَيْتَ الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)» سورة الماعون، فقوله: (يَدُعُّ الْيَتِيمَ): يدفعه، وقوله: (وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) أى لا يحثّ غيره على إطعام المحتاج من الطعام، وقوله: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) يقول: ويمنعون الناس منافع ما عندهم، وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته، وفى قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} سورة الضحى9-10، أجمل تطييب للخاطر وأرقى صورة للتعامل. قال ابن قدامه -رحمه الله-: “وكان من توجيهات ربنا -سبحانه وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم، فكما كنت يتيماً يا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بل: طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك، فنهى الله عن نهر السائل وتقريعه، بل: أمر بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل النهر مع ذل السؤال”. ومن النماذج المشرقة فى حياة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم جبره لخواطر الفقراء فلقد أتوا رسول الله «وقالوا : يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: “أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِى أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِى حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِى الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» رواه مسلم. إن مراعاة أحوال الناس ونفوسهم وجبر خواطرهم يدل على السلوك المتحضر والخلق الحسن، فما يمنع الإنسان من الشراء من إنسان عفيف يتجول فى حر الشمس بحثا عن لقمة عيش حلال، ما أروع أن تشترى منه وإن كانت بضاعته لاتعجبك أجبر بخاطره لو عرض عليك واجعلها صدقة. ما المانع أن يركب معك فى سيارتك أحد الناس ممن أكل الزمن جسده وعقله، ولن يكلفك هذا الأمر الكثير؟ ما يمنع الإنسان أن يرفع يده بالدعاء لمريض فى مستشفى يراه عاجزاً ضعيفاً، وكان المفترض أن تساعده ولكن ما معك شيء. أجبروا خواطر من يقفون على أبوابكم ويسألونكم، أقضوا لهم ما يريدون، فإن لم تقدروا على هذا فكلمة رقيقة ووعد مقرون بمشيئة الله أن تحاول. وقديماً قالوا: “من سَارَ بينَ النَّاسِ جابرًا للخَواطرِ أدركَه اللهُ فى جَوفِ المَخاطرِ”. وغداً يأتى على الإنسان يوم يرى أثر دعوة له من فقيرأو أرملة.. جبر الله خاطركل من جبر خاطر الناس، وقضى لكل محتاج حاجته ورحم عباداً وأسوا الفقراء والمساكين.