77 شمعة يطفئها اليوم الفنان الكبير صلاح السعدنى، النجم الاستثنائى صاحب الكاريزما، الفنان المثقف السياسى السباح الماهر فى بحر السياسة حتى أنه ظل هاويا تاريخا طويلا مليئا بالأعمال الفنية قدم خلالها أدوار لن نستطيع ان نرى فيها سوى صلاح السعدنى، فقد صنع أسطورته بنفسه على مدار 60 عاما ولم يكن غريبا على فنان خرج من عباءة كاتب كبير مثل محمود السعدنى الذى لعب دورا كبيرا فى تشكيل فكره كأب وأخ وقدوة، وفى عالم محمود السعدنى اقترب صلاح من نجوم هذا العالم نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وعبدالرحمن الخميسى ومأمون الشناوى وكامل الشناوى ونعمان عاشور والفريد فرج وغيرهم من رموز الفكر الذين أثروا خبراته وهذا انعكس على شخصيته كفنان، وقد استطاع السعدنى التنقل بسلاسة بين الأدوار التراجيدية والكوميدية الصعيدى والفلاحى والقاهرى المثقف والفلاح والعامل ووكيل النيابة والمراكبى وعالم الذرة والموظف ومدرس التاريخ وتاجر المخدرات وغيرها من الأدوار فى السينما والمسرح والتليفزيون. عمدة الفن
لو تحدثنا عن فنه نحتاج مجلدات لنتحدث عن عشرات الأدوار والتفاصيل الخاصة التى وضعها فى كل شخصية ارتدى عباءتها وأصبحت تحمل توقيع المدرسة السعدنية منذ أن خطى أول خطواته وعمره 17 عاما وقدم أول أدواره فى مسلسل «الرحيل» عام 1960 حتى آخر أعماله وهو مسلسل «القاصرات» قبل أن يختار الحياة الهادئة لكن أتوقف عند ثلاثية تليفزيونية من ضمن 200 عمل قدمها العمدة ربما لأنها كانت نقلة فى حياته وأصبحوا من كلاسيكيات الدراما العربية البداية مع العمل الأسطورة وهو مسلسل ليالى الحلمية الذى كان بمثابة ميلاد جديد للسعدنى وشخصية العمدة سليمان غانم، والتى قدمها بأدائه الخاص وربما يكون أغلق بعده على شخصية العمدة والصدفة وحدها هى التى لعبت دورا كبيرا لتكون هذه الشخصية من نصيب السعدنى بعد أن اعتذر عنها صديقه الفنان الراحل سعيد صالح. هذا العمل الذى قدمه مع العباقرة أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ تناول جزءا مهما من تاريخ مصر وكون من خلاله «دويتوهات» فنية مع نازك هانم السلحدار وسليم البدرى. أما النقلة الثانية وهى شخصية حسن النعمانى فى «أرابيسك» هذا العمل الذى تناول التغيرات التى طرأت على المجتمع المصرى ومحاولة طمس الهوية المصرية وطوفان الثقافات الدخيلة ورغم أن شخصية العمدة التى قدمها السعدنى فى الحلمية كانت من الشخصيات الطاغية فى مشواره لكن تنافسها بقوة شخصية حسن أرابيسك الذى يمثل الأصالة المصرية والتمسك بالمبادئ، أما العمل الثالث فهو «حلم الجنوبى» الذى قدم خلاله السعدنى واحدا من أحلى الأدوار الصعيدية التى أجادها وقدمها مع ملك الدراما الصعيدية محمد صفاء عامر وفى أحد حواراته الصحفية كشف صلاح السعدنى عن أنه استوحى روح شخصية نصر وهدان القط هذه الشخصية الصعيدية المثقفة من شاعرنا الكبير عبدالرحمن الأبنودى فقد أراد هذا العمل أن يغير نمطا تقليديا قدم عن الشخصية الصعيدية.
معجون بمية السياسة
فى أحد لقاءاته الصحفية عندما سئل صلاح السعدنى عن السياسة والفن قال: الفن هو شاغلى الأول لكن السياسة حرفتى وهوايتي»، ليس غريبا حب عمدة الفن للسياسة وهو شقيق الكاتب الساخر محمود السعدنى وخريج كلية الزراعة التى كان يطلق عليها كلية السياسة لأنها خرج منها أقطاب فى العمل السياسى مثل المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب الأسبق، وخرج منها أيضاً نجوم فن كبار مثل محمود عبدالعزيز وسمير غانم والمنتصر بالله وعادل إمام، الذى كان زميل دراسة للعمدة أيضا، حبه للرئيس عبدالناصر رسخ بداخله حبه للسياسة لدرجة أنه لو لم يكن فنانا لأصبح سياسياً، ودائما كان يقول: «لولا عادل إمام لكنت زعيما سياسيا»، وفى مرحلة من حياته دفع العمدة ثمن آرائه السياسية بإبعاده عن الفن فى عهد الرئيس السادات، وهناك واقعة شهيرة فى السبعينيات عندما تم فصله من هيئة المسرح مع كيانات ثقافية مهمة بسبب آرائه السياسية والغضب من شقيقه الكاتب الكبير محمود السعدنى وظل سنوات بعيداً عن الفن وبرغم ذلك مارس صلاح السعدنى السياسة لكن من خلال أعماله فى السينما والتليفزيون والمسرح.
أهلاوى متعصب
تزعم العمدة صلاح السعدنى قائمة النجوم العاشقين للقلعة الحمراء ونادى القرن النادى الأهلي، فحبه لهذا الفريق لا يقل فى تعصبه عن حبه للرئيس عبدالناصر، ويشاركه فى قائمة النجوم المشجعين للأهلى نجوم مثل وحش الشاشة فريد شوقى والزعيم عادل إمام وعزت العلايلى وأحمد بدير، وقد أورث العمدة حبه وعشقه للنادى الأهلى لعائلته وعلى رأسهم نجله أحمد السعدنى حتى عندما قرر العمدة الابتعاد واختيار الحياة الهادئة ظل حبه للأهلى ومتابعة مبارياته جزءا لا يتجزأ من طقوس يومه.