مع دخول شهر ربيع الأول من كل عام تزداد داعوت المتشددين برفض الاحتفال بالمولد النبوى الشريف متعللين بكونها بدعة، ولم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يذكرها القرآن الكريم فى حين يؤكد علماء الأزهر والمتخصصون أن الاحتفال بالمولد النبوى من القربات، والطاعات، ولا تعد معصية. وتعد أشهر فتاوى الضلال فى رفض الاحتفال بالمولد النبوى تلك التى تصدر عن التيار السلفى، ومنها فتوى للشيخ سعيد عبدالعظيم- أحد قيادات الدعوة السلفية- يحرِّم فيها الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، واعتباره من البدع والضلالات، قائلاً: «إنَّ عمل المولد محدَثٌ لم يقع فى عهد الصَّحابة -رضى الله عنهم- ولا الَّذين يلونهم ولا الَّذين يلونهم، فانخرمت القرونُ الفاضلة ولم يقع فيها الاحتفالُ بميلاد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإذا عُلِم أنَّه محدَثٌ فهو بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة كما صحَّت بذلك الأخبارُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم»، مضيفًا أن العلماء اختلفوا فى تحديد يوم ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم، حيث ذكر أن بعضهم قال: إنه ولد فى رجب وليس فى ربيع الأول، وهذا أدل على حرمة الاحتفال بميلاد النبى صلى الله عليه وسلم هذه الأيام. وفتوى أخرى أطلقتها التنظيمات الإرهابية لرفض الاحتفال بالمولد النبوى وهى فتوى داعشية تؤكد أن حلوى المولد أصنام، وبدعة وحرام ولا يجوز للمسلم أن يأكل منها، ولا أن يشارك فى شرائها ولا فى إهدائها ولا فى الأكل منها. بينما ترى دار الإفتاء المصرية, أن الاحتفال بذكرى مولد سيد الكونَين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبى الرحمة وغوث الأمة سيدنا محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- جائز شرعًا، بل هو من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبى- صلى الله عليه وآله وسلم- ومحبة النبى- صلى الله عليه وآله وسلم- أصل من أصول الإيمان، وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رواه البخارى. وأكدتْ فى رد مفصل على فتاوى السلفيين ببدعة الاحتفال بالمولد النبوى, أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلّم هو من قبيل الاحتفاء به، والاحتفاءُ به صلى الله عليه وآله وسلّم أمرٌ مقطوع بمشروعيته؛ لأنه أصل الأصول ودعامته الأولى، فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فَعَرَّفَ الوجودَ بأسره، وباسمه وبمَبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكونُ كله فى سرور دائم وفرحٍ مُطلق بنور الله، وفَرَجِه ونِعمته على العالمين وحجَّته. ولفتت إلى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتفل بميلاده الشريف، وسنَّ لنا بنفسه الشريفة الشكرَ لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صحَّ عنه أنه كان يصوم يوم الاثنين ويقول: «ذلك يومٌ ولدتُ فيه» رواه مسلم من حديث أبى قتادة رضى الله عنه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمة بذاته الشريفة. ويؤكد الدكتور شوقى علام ،مفتى الجمهورية، أن الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف والفرح بها من أفضل الأعمال وأعظم القربات، ويندب إحياء هذه الذكرى بكل مظاهر الفرح والسرور، وبكل طاعة يُتقرب بها إلى الله عز وجل، ويَدخُل فى ذلك ما اعتاده الناسُ من شراء الحَلوى والتهادى بها فى المولد الشريف؛ فرحًا منهم بمولده صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبةً منهم لما كان يحبه. واستدل المفتى بما جاء عَنْ السيدة عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ العَسَلَ» رواه البخارى وأصحاب السنن وأحمد، فكان هذا الصنيعُ منهم سُنةً حسنة، كما أن التهادى أمر مطلوب فى ذاته، لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «تَهَادوْا تَحَابوْا» رواه الإمام مالك فى «الموطأ»، ولم يَقُمْ دليلٌ على المنع من القيام بهذا العمل أو إباحَتِه فى وقت دون وقت، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخُرى؛ كَإدْخَالِ السُّرورِ على أهلِ البيت وصِلة الأرحامِ فإنه يُصبح مستحبًّا مندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولدِ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشَدَّ مشروعيةً وندبًا واستحبابًا؛ لأنَّ «للوسائل أحكام المقاصد». وقال مفتى الجمهورية : لقد نص العلماء على استحباب إظهار السرور والفرح بشتى مظاهره وأساليبه المشروعة فى الذكرى العطرة لمولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقول الحافظ السيوطى فى «حسن المقصد فى عمل المولد» المطبوع ضمن «الحاوى للفتاوى»: [فيستحب لنا أيضًا إظهارُ الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات. وأضاف مفتى الجمهورية: وأما الزعم بأن شراء الحلوى فى المولد أنها أصنام، وأنها بدعة وحرام، وأنه لا يجوز الأكل منها، ولا إهداؤها: فهو كلام باطل يدل على جهل قائليه بالشرع الشريف، وضحالة فهمهم لمقاصده وأحكامه؛ فإنها أقوال مبتدعة مرذولة لم يَقُلْها أحدٌ من علماء المسلمين فى قديم الدهر ولا حديثه، ولم يُسبَق أصحابُها إليها، ولا يجوز العملُ بها ولا التعويل عليها؛ إذ فيها تشبيه للمسلمين المحبين لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالمشركين العاكفين على الأصنام، وهذا مسلك الخوارج الذين يعمدون إلى النصوص التى جاءت فى المشركين فيحملونها على المسلمين، والله سبحانه وتعالى يقول منكرًا على أصحاب هذا المنهج: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ وأكد مفتى الجمهورية أن المسلمين عبر القرون يُهدون ويفرحون بالتوسعة على الفقراء والعيال فى ذكرى المولد الشريف، من غير نكير، فرحًا بمولد الهادى البشير صلى الله عليه وآله وسلم، والنفوس مجبولة على الفرح بمن تحب، والنبى صلى الله عليه وآله وسلم هو أعظم من يُحَبُّ، وأَوْلَى من يُفرَح به، وهذه الدعوى الفاسدة تستلزم تضليل الأمة وتجهيل علمائها عبر الأمصار والأعصار. فيما أوضح د.مجدى عاشور المستشار العلمى أن القرآن تضمن إشارات عن سيدنا النبى والاحتفال بيوم مولده، مضيفا أن من يرفض الاحتفال بميلاد الرسول بحجة أن ذلك لم يذكر فى القرآن صراحة، فنرد عليه: أنه ليس كل شيء يذكر فى القرآن حيث إن ركعات الصلاة لم تذكر فى القرآن. ولفت عاشور، إلى أن أبولهب يخفف عنه العذاب فى النار كل يوم اثنين لاحتفائه بمولد الرسول يوم ميلاده، وإعتاقه جاريته ثويبة التى بشرته، وورد أن أبوجهل جاء فى رؤية المنام وأخبر أن حاله سيئ بسبب مفارقة من كان يعيش معهم ومنهم الرسول رغم تكذيبه له، ما يعنى أن مجاورة الرسول حتى لمن يكفرون به رحمة. د.إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق يرى أن القول بالجواز فى الاحتفال بالمولد النبوى هو الأعلى لقوة أدلتها، وأن من أجازوا ردوا على القول بأنه بدعة بأن البدع نوعان، محمودة ومذمومة, فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم، والمحدثات ضربان: ما أُحدث يخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا، فهذه بدعة الضلالة، وما أحدث من الخير لايخالف شيئًا من ذلك فهى محدثة غير مذمومة. أضاف أن الصحابة رضى الله عنهم كانوا يحتفلون, فقد روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ماهدانا للإسلام ومنّ به علينا. قال: آالله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إنى لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتانى جبريل فأخبرنى أن الله عز وجل يباهى بكم الملائكة). ولفت إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) والحديث لم يحدد شكل المحبة.مشيرًا إلى أن القاعدة المقررة فى الأصول أن الترك ليس دليل المنع. من جهته يشير الشيخ عويضة عثمان مدير الفتوى الشفوية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إلى أن الاحتفال بالمولد النبوى يحقق الأمان للناس، مضيفًا أن الاحتفال بالرسول بكثرة الصلاة عليه، وأنه يستحب للمسلم أن يحيى ليلة ميلاد النبى وأن يحتفل به، وذلك بالصلاة شكرا لله على هذه النعمة، وأن يكثر من الصلاة على النبى، وأن يتصدق وأن يقيم الليل والقرب من نهج وهدى الرسول والتعهد بالتمسك بسيرة النبى حيث تكون لهذه الليلة بركات كثير. وقال عثمان: بعض الشباب الملحد مال إلى الفكر المتطرف بسبب عدم قراءة سيرة النبى، لافتًا إلى أن عدم قراءة سيرة النبى تؤدى إلى التطرف والإلحاد وللتشدد، وإذا سألت متطرفًا هل قرأت سيرة النبى فسيقول لك لم أقرأها، مطالباً بثورة معلومات لقراءة سيرة النبى يوم ميلاده على الإنترنت.