البداية التي لم نفهمها.. كانت يوم إعلان لجنة تعديل الدستور، عقب نجاح ثورة 25 يناير في خلع «مبارك».. اللجنة كان واضحاً بالضرورة أنها تميل تجاه تيار الإخوان المسلمين.. اقلية قليلة منا تلك التي فهمت ما يحدث، وصرخت بأعلي الصوت.. لكن أغلبيتنا – كنت منهم – انصرفنا عن تلك الأصوات التي نندم اليوم علي أننا لم نسمعها.. ثم دارت عجلة الأحداث.. استفتاء.. معارك هامشية ووهمية علي هامش النتائج.. إعلان دستوري ألغي إرادة من قالوا نعم، ولم يحترم الذين قالوا لا.. الذين قالوا نعم قبلوا بالإعلان الدستوري.. ظني أنهم كانوا يعرفون بالأوراق المتداولة «تحت الترابيزة».. بل قل إنهم كانوا شركاء في لعبها! ثم كانت اللجنة العليا للانتخابات، وصدرت بصددها قوانين تنظيم العملية الانتخابية.. بمراجعة تلك القوانين نجد انها نموذجية ومثالية.. وعشنا جدل الدستور أولاً أم الانتخابات أولا.. كان الثوار مشغولين بالحلم.. الخبثاء انشغلوا بتنفيذ سيناريو فيلم الواقع.. قبلنا الذهاب إلي الانتخابات أولاً، وسط حالة انفلات أمني رهيبة.. فقد كانت حكومة الدكتور «عصام شرف» مهمتها أن تلعب دور السحابة السوداء في سماء الثورة.. اختنقت الأمة وطلبت الانتهاء من هذا الكابوس.. دارت عجلة الانتخابات.. وبدأنا نتعرف علي المستشار «عبد المعز إبراهيم» رئيس اللجنة العليا للانتخابات.. أتحدث عنه كرئيس للجنة العليا وليس كقاض.. طلعة الرجل كانت توحي بالصرامة، وكلماته تقطر تشدداً تجاه كل من يحاول أن يعتدي علي القانون.. وما أن خرج الشعب مقتنعاً – مخدوعاً وستثبت الأيام – ليؤكد احترامه ورغبته في الديمقراطية.. فإذا بنا نكتشف أن القانون يتم تجاوزه، علي طريقة سائقي سيارات السرفيس وأوتوبيسات هيئة النقل العام.. ومعلوم بالضرورة أن لدينا قانون ينظم المرور.. لكن أولئك يستمتعون بكسر رقبة القانون ليلاً ونهاراً.. وهذا ما حدث في الجولة الأولي للمرحلة الاولي من الانتخابات.. علي خلفية هذه الجولة كان الشهداء يتساقطون في شارع «محمد محمود» ثم مجلس الوزراء.. والمئات تضربهم يد الغدر فيسقطون مصابين.. تم إعلان النتائج وظهر العنوان.. عرفنا أن التجاوزات والخروقات للقانون فادحة.. عرضها الصحفيون علي رئيس اللجنة العليا للانتخابات.. ظهر عليه الضجر والرفض للأسئلة.. قد يكون هذا شأنه، لكنه لا يملك إطلاقا الحق في إهانة من كانت وظيفته طرح الأسئلة علي «جنابه». هكذا فعل الرجل مع الصحفيين. تكرر المشهد عدة مرات.. كان الضجر والضيق والغضب من الصحفيين والإعلاميين يتصاعد.. فالمستشار «عبد المعز إبراهيم» أصدر قوانيناً لم يحترمها المرشحون كلهم – مع استثناءات بسيطة جداً – ورغم ذلك كان سيادة المستشار ينظر للامر باستخفاف ويعتبر مصير الأمة تجارب تستوجب التصحيح خلال سير العملية الانتخابية.. حتي كانت الطامة الكبري.. فمن الاستخفاف بالصحفيين، وصل إلي حد الإهانة للزميل «هشام المياني».. لعله حدث نفسه، لماذا لا أحاكي سيادة اللواء عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة في مؤتمر صحفي.. فقد فعلها اللواء زاجرا زميلة صحفية كأنه «خوجة» في مدرسة بواحدة من القري البعيدة عن العاصمة! يحدث ذلك دون أدني رد فعل من نقابة الصحفيين أو المؤسسات الإعلامية الكبري في الوطن.. وعند هذا الحد لا أستطيع أن أسأل نقيب الصحفيين ومجلس النقابة، عما فعلوه تجاه تلك الإهانة.. فقد كان النقيب مشغولا بالبحث عن زيادة المعاشات وبدل التكنولوجيا لدي رئيس الوزراء.. وبما أن الفم قد تم إطعامه، فقد استحت عين النقيب ومجلس نقابة الصحفيين.. بل إن الأمر وصل إلي حد تغاضي نقابة الصحفيين عن الحملة الشرسة التي يتعرض لها الإعلام بصفة عامة، والصحافة علي وجه الخصوص.. فالذين يستهدفون الإعلام هم المجلس الأعلي للقوات المسلحة والأحزاب المفقوسة عن جماعة الإخوان وما يسمي بالتيار السلفي.. وتلك مقدمة لما سنشهده مستقبلاً.. فعلي الصحفيين وجميع الإعلاميين، تجهيز أنفسهم للذبح والسلخ.. ما أن تنتهي عملية تنفيذ سيناريو خدعنا جميعاً، باعتبارنا سذج لم نفهم الفيلم في أوله! المستشار «عبد المعز إبراهيم» رئيس اللجنة العليا للانتخابات لم يقو علي تنفيذ القانون تجاه التجاوزات والخروقات الانتخابية.. وسيادة اللواء في المجلس الأعلي للقوات المسلحة، لم يستطع محاسبة الذين اعتدوا علي شباب وفتيات مصر.. وكذلك أحزاب الإسلام السياسي لم تقدر علي نظام المخلوع.. وكما كان يفعل المخلوع مستهدفاً الصحافة والإعلام.. فقد اتفقوا جميعا علي ردع عين الوطن وعقله – أقصد الإعلام – لذلك لا تندهشوا إذا جاء يوم يتم فيه تأميم الصحافة ووسائل الإعلام بأبشع مما حدث في العهد الناصري.. فهذا هو قدرنا أن نتعامل مع المتصارعين علي السلطة.. وشاءت أقدارنا أننا كلما بحثنا عن الديمقراطية، وكلما اقتربنا منها نكتشف أن الذي أمامنا هو السراب العسكري أو الإسلام السياسي!