بقلم: د. ناجح إبراهيم البعض يظن أن أى تشدد أيديولوجى سيحكم مصر فى المستقبل سينقلها إلى التشدد الأيديولوجى فى أى ناحية.. وأنا أقول إن مصر وسطية على الدوام.. ولا يستطيع أحد أن يفرض عليها أى نوع من التشدد أو الإفراط أو الغلو. فالتاريخ يقول إن كل من جاء إلى مصر ترك الغلو وعمد إلى الوسطية.. وإلا زال فكره وملكه أيضاً. فالحاكم بأمر الله كان شيعياً متطرفاً.. ولكنه لم يؤثر على الشعب المصرى على الإطلاق.. فأخذ الشعب منه الأشياء الطيبة وتركوا له الشطط والغلو. وجاءت الشيوعية والاشتراكية العلمية إلى كل البلاد.. ولكنها لم تستطع أن تستقطب الشعب المصرى ولا أن يقتنع بها أو يركن إليها . وجاءت الرأسمالية المتطرفة فرفضها الشعب المصرى كذلك.. وكانت سبباً رئيسياً فى زوال ملك الرئيس السابق مبارك. وجاء التكفير وفكره إلى مصر وانتشر عدة سنوات ثم انتهى إلى غير رجعة. وجاءت فكرة استخدام الإسلاميين للعنف ضد النظم الحاكمة.. ولكن هذه الفكرة رفضها الشعب المصرى بفطرته ولم يقبلها ولم تجد لها رواجاً فى مصر.. رغم بغى وظلم الرئيس مبارك ضد الإسلاميين.. ولكن الشعب المصرى لم يستحسن أو يشجع الإسلاميين على مواجهته بالعنف والسلاح. وجاءت أفكار كثيرة مغالية أو مقصرة.. فيها إفراط أو تفريط فتحطمت على صخرة الوسطية المصرية. والذين يخافون من التشدد الفقهى لبعض التيارات الإسلامية إذا وصلت للحكم أو البرلمان عليهم أن يعلموا أن هذه التيارات كلها ستنتقل من التشدد إلى الوسطية.. ومن المثالية إلى الواقعية.. ومن النظر لمصلحة جماعاتها إلى النظر لمصلحة مصر.. ومن الاهتمام بالمسلمين فحسب إلى الاهتمام بكل أطياف مصر كلها. فمصر أقوى من أن يقهرها فصيل على التشدد أو التطرف الفقهى أو الأيديولوجى أو السياسى .. لأنها دوما رمز الوسطية فى كل شىء.. بما حبا الله شعبها من الرفق مع الصلابة.. والود مع القوة.. والليونة مع العزة.. والغريب أن المصريين يضعون عادة كل صفة من هذه الثنائية فى مكانها الصائب. ولعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) أخبره الوحى الكريم بصفات الشعب المصرى فأوصى بأهلها خيراً.. وقال «اتخذوا من أهلها جنداً كثيفاً». وقال عن شعبها «إنهم خير أجناد الأرض».. وذلك كله قبل أن تفتح مصر ودون أن يذهب الرسول (صلى الله عليه سلم) إلى مصر مرة واحدة إن المسئولية تلقى بالمسئول الصالح فى أتون الواقعية والوسطية ليخرج منها منصهراً بهذه المعانى الدقيقة فيصلح عقله وفكره ويصلح به الآخرين. كما أن مصر ليس فيها سوى عرق واحد خرج منه المسلمون والمسيحيون معاً. وليست بها أديان كثيرة فهما دينان فحسب الإسلام والمسيحية. كما أن مصر ليس بها اختلافات مذهبية مثل السنة والشيعة فى العراق. كما أن كل أطيافها السياسية يحبون الإسلام ورسوله ويحترمون ثوابت الإسلام ويحرصون على عدم الاصطدام بها.. سواء كانوا ليبراليين أو اشتراكيين أو يساريين.. فأنا أعرف يساريين واشتراكيين زوجاتهم وبناتهم محجبات.. وهم يواظبون على الصلاة والصيام وقراءة القرآن فلا تعرف مصر العلمانى الذى يجحد الإسلام وأحكامه أو يطعن فى أحكامه إلا استثناء قليلاً جداً لا يكاد يذكر.. أما مثل هذه النوعيات قد تجدها فى تركيا أو ألبانيا أو غيرهما. كما أن نصارى مصر من أكثر المسيحيين فى الشرق عقلاً وحكمة ورغبة فى العيش المشترك مع إخوانهم المسلمين.. ومن أكثر الطوائف المسيحية حباً لبلادها وحدباً عليها. كما أن مصر فيها الأزهر رمز الوسطية الإسلامية والحامى والناشر الأساسى للدعوة إلى الله وعلوم الإسلام. ولذلك كله فلا تخشو على مصر.. لأنها أقدر على ترويض الأسود.. فضلاً عن أى حاكم أو برلمانى يريد أن يسوقها إلى التشدد أو الغلو المذموم.