عشت في المملكة العربية السعودية 17 شهرا في مطلع شبابي.. كل ما كان يدور حولي، كان يدهشني إلي حد الذهول.. فهناك – في مدينة الدمام – شارع يحمل اسم «شارع الحب»!!.. وعرفت أن هذا الاسم, أطلقه عليه الشباب السعودي.. لأنهم كانوا يرتادونه لتبادل أرقام التليفونات مع الفتيات المنقبات -علي الطريقة الوهابية الشهيرة – وكنت كلما شاهدت واحدا من هذه اللوحات الإنسانية العجيبة.. أندهش وأهتف صامتا «تحيا مصر».. وقد كانت مصر في مطلع الثمانينات مجتمعا مدنيا لا يعرف الكذب أو النفاق علي هذا النحو.. وكم كان مدهشا بالنسبة لي.. أن بعض زملائي ينسجون علاقة صداقة قوية مع من يقال عنهم رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وسر دهشتي أنهم كانوا لا يكفون عن تدخين الحشيش.. وعرفت منهم أنهم يشترون هذا الحشيش من بعض أولئك الرجال المنوط بهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!! تمضي السنون ويسمح المخلوع لرجال الإسلام السياسي, بأن يتغلغلوا في المجتمع تدريجيا حتي سيطروا عليه.. كان المهم عنده ألا يحاولوا ممارسة السياسة، بغير القدر الذي يسمح لهم به.. فهم كان مسموحا لهم بنسبة يحددها مع أمن الدولة داخل البرلمان.. وغيرهم من الذين أطلق يدهم للسيطرة علي المساجد والزوايا الصغيرة، كانوا يدعون له في كل صلاة.. مقابل أن يمرحوا بالتكسب من الدين.. وسمح لهم بامتلاك فضائيات يمارسون خلالها الدعوة – حسب فهمهم – ويكسبون الملايين وفق هذا الاتفاق غير المكتوب.. وفيما يبدو أن المخلوع وعصابته, كانوا يعرفون كيف يروضون أولئك. جاءت ثورة 25 يناير.. ذهب المخلوع.. ظهر علي السطح نجوم الإسلام السياسي وكتائبهم المنظمة.. ولأن كل هذا كان يدور في الكواليس, لم يعرف «الشعب المصري الشقيق» عنه شيئا.. لكن الحقائق ستتكشف أمامهم بمرور الوقت.. سيعرفون الذي يدعي أنه شيخ وأقسم بالله العظيم علي شاشة إحدي الفضائيات أنه لا يتقاضي جنيها واحدا مقابل برامجه.. وعندما راجعه مدير القناة بعد الحلقة وقال له مذهولا: «كيف تكذب؟!».. فإذا بالشيخ نجم نجوم السلفية يرد عليه متسائلا: «فيم كذبت؟».. فأوضح له مدير القناة أنك أقسمت بالله العظيم أنك لم تتقاض جنيها واحدا مقابل ما تقدم.. فضحك الشيخ النجم وقال: «هذا حقيقي فأنا أتقاضي بالدولار»!! نموذج هذا النجم السلفي تم تصنيعه وتغليفه وتعبئته ثم إعادة تصديره في المملكة العربية السعودية.. فهذه المملكة شديدة الثراء.. يعيش أمراؤها في القصور ويملكون المليارات.. بينما ملايين من الشعب السعودي يعانون الفقر.. وملكها وأمراؤها مع أثريائها، يظهرون أمامنا ليخرقوا عيوننا مرتدين الحرير وخواتم الماس.. وهذا ما لا يعرفه الرجل المسلم البسيط.. فتعاليم الدين تحضنا علي عدم فعل ذلك.. وإذا كان المجتمع السعودي لا يجرؤ فيه أحد علي الكلام.. ففي مجتمعنا نملك أن نقول.. لكن نجوم السلفية وتيارات الإسلام السياسي لا ينطقون بكلمة واحدة حول تأثيم او تحريم ذلك.. وهم يعلمون أن المجتمع الذي أعيد تصديرهم لنا منه، يحترم المرأة شكلا لأبعد الحدود.. فلو أن امرأة سحلها رجال الشرطة علي النحو الذي حدث في ميدان التحرير قبل أيام.. يمكن أن تحترق الدولة بأسرها.. فهناك يحرصون علي الدين شكلا, ويحترمون المرأة أيضا شكلا.. أما عندنا فالدين يتأصل في أعماقنا، ونحترم المرأة بما يجب أن تستحق من احترام.. لذلك عندما سحلت فتاة التحرير بالصورة التي أذهلت الدنيا.. انتفض المجتمع بأسره.. ولم يتحرك أحد من تجار السياسة باسم الدين.. فالمشهد لم يهز شعرة من رأس جماعة الإخوان المسلمين وأحزابها المفقوسة عنها.. ولم ترمش له عين أحد من حزب النور السلفي.. بل إنهم تجرأوا علي القول بما أذهلنا عندما سمعناه – لن أكرر كلامهم السخيف والمؤثم دينا وخلقا – وجاءت ثورة الغضب من المجتمع المصري باستثناء الذين يحصدون ثقته لتلفحهم بعباءة الدين. هذا هو عنوان المستقبل الذي نذهب إليه بقيادة أغلبية إخوانية وسلفية.. والبقية ستأتي.. أي أننا سيأتي علينا يوم نتمني فيه أن تسودنا أخلاق مجتمع وهابي – مع كل الأسف – وأتمني لو تداركوا الأمر فأصدروا بيانا يتناسب مع تلك الكارثة لاستعادة ثقة من أودعوهم ثقتهم.. ومالم يحدث سيأتي اليوم الذي يدفعون فيه الثمن فادحا.. وإن غدا لناظره قريب.