كتب :هاني عزيز تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 14 نوفمبر من كل عام بعيد تنصيب قداسة البابا شنودة بطريركا علي كرسي مارمرقس كاروز الديار المصرية ويعد قداسته البطريرك ال 117 علي الكرسي البابوي. والحقيقة أن العيد الأربعين لتنصيب قداسة البابا بطريركا عيد لكل المصريين، عيد لرمز من رموز الوطنية الخالصة، وهو ما ظهر جلياً في عظة قداسته يوم الأربعاء الماضي، فحسبما أدركت وأدرك كل المتابعون معي، لم تكن عظة قداسته هذا الأسبوع لشعبه مجرد كلمة روحية أو دينية أو اجتماعية بل تعدت هذه الأبعاد بكثير لظرفها الزماني ومحتواها السياسي، فعظة هذا الأسبوع جاءت ونحن علي أعتاب الاحتفال بالذكري الأربعين لجلوس قداسته علي كرسي مار مرقس الرسول وتأتي مع بشائر موافقة الكنيسة القبطية الارثوذكسية علي معظم ما ورد بمشروع قانون دور العبادة الموحد، كما تأتي ونحن علي أعتاب انتخابات المجالس التشريعية التي تعد أول انتخابات تجري في ظل الحرية التي أطلقت لها العنان ثورة يناير البيضاء. ومن كل هذه المضامين جاءت عظة قداسته لتكون في محتواها درساً في الوطنية يعلي قيم الوطن والمواطنة، ويسقط أمامها أي اعتبارات قد تنازع أمن الوطن وأمانه، لقد وجه قداسة البابا رسالة إلي شعبه بالمشاركة الايجابية والفعالة في العملية الانتخابية تأكيداً لهوية مسيحيي مصر الوطنية وشدد علي أن من بين إخوتنا المسلمين من هم أشد حرصاً علي مصالح المسيحيين منهم أنفسهم، وهو تعبير يجب أن نقف أمامه ملياً لأنه يسقط حجة كثير من معادي المسيحية والمتربصين بها في مصر. وليس ببعيد عن هذا السياق ما سبق أن ذكرت به بشأن موافقة الكنيسة القبطية الارثوذكسية علي معظم ما ورد بمشروع قانون دور العبادة، لقد ضرب قداسة البابا مثلاً في الوطنية بهذا الموقف حتي يقطع الطريق علي كل من يحاول أن يفت في وحدة كيان هذا الوطن مستغلاً ذريعة بناء دور العبادة المسيحية لإثارة مشاعر الحمية والغيرة الدينية وإن كنت شخصياً قد سبق أن أدليت برأي أكثر قبولاً وأيسر تنفيذاً في هذا الشأن مفاده أن تضاف مادة منفصلة للقانون 119 تتعلق بتنظيم عملية بناء الكنائس وتستند في تقنينها لتصاريح البناء لمعطيات التطبيقات العلمية الحديثة مثل بطاقة الرقم القومي والسجل العيني المميكن اللذين من شأنهما تحديد الكثافات السكانية المسيحية في مختلف أنحاء الجمهورية ومن ثم تحديد عدد الكنائس المطلوبة وفق توزيع جغرافي ثابت يضمن االعدالة والشفافية والمساواة ولرأب الصدع الذي ترتب علي حالة الالتباس التي سادت هذا الأمر طويلاً، فإنني أري ضرورة تقنيين أوضاع الكنائس التي سبق إقامة الصلاة والطقوس وذلك لتعذر الحصول علي تصاريح لها لأسباب يعلمها الجميع. أعزائي القراء، أعود وأقول، لقد قدمت عظة هذا الأسبوع منظور مصرياً خالصاً للحالة القبطية في مصر التي تبشر بوجود مصريين مسلمين كانوا أم مسيحيين حريصين علي مصلحة هذا الوطن دون تفرقة لجنس أو دين أو لون وهؤلاء يجب أن يكونوا فرس الرهان في الانتخابات الذي يتوجه إليه كل مصري يتطلع لوطن مدني ديمقراطي حر. كل عام وكل الشعب المصري بخير بمناسبة عيد جلوس قداسة البابا شنودة علي كرسي مار مرقس الرسول، ودام قداسته لمصر بمسلميها ومسيحييها سنين عديدة، فمصر تحتاج لمواقف حكمائها وهي تمر بهذا المفترق التاريخي في مسيرتها وليس هناك من هو أرجح فكراً من بابا العرب كي يمد لها يده ومعه أيادي كل شعبه من المصريين الذين يذوبون معه عشقاً لهذا الوطن.