أيام قليلة وتفتتح مصر أحد أبرز المنشآت التاريخية على أرضها، لتنهى سنوات من الغموض الذى أحاط به، والجمود الذى أصاب الرغبة فى صيانته، حيث أنه لم يشهد أي أعمال ترميم منذ قرابة ال100 عام.. أنه قصر البارون الذى تسارع وزارة السياحة والآثار الجهود لافتتاحه قريباً جداً، حيث انتهت من ترميمه تماماً بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وتتبقى أعمال بسيطة جدا فى اللاند سكيب والموقع العام. وربما تكون حكاية القصر معروفة، إلا أن هذه الحكاية تتضمن تفاصيل جديدة تتكشف كل يوم، وهو ما تحقق فى حوارنا مع الدكتور جمال عبدالرحيم أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار وعضو لجنة سيناريو العرض للمتاحف والقصور التاريخية، والذى كشف لروز اليوسف تفاصيل مثيرة عن القصر وصاحبه وسر وصيته بدفنه فى الأرض التى أحبها.. إلى الحوار.. 4 سنوات بناء قال إن قصر البارون بات موضوع الساعة من قرب افتتاحه، حيث بدأ بناء القصر 1907 وانتهى فى 1911، وهو يواكب فترة الخديو عباس حلمى الثانى الرجل الذى أطلق عليه أبوترميم الآثار الإسلامية من كثرة اهتمامه بصيانة وترميم الآثار خاصةً الإسلامية، وهو ابن الخديو توفيق وجده الخديو إسماعيل والذى أسس مصر الحديثة استكمالًا لأعمال جده الأكبر محمد على باشا. أما البارون صاحب القصر فهو جوزيف إداوارد إمبان وقد ولد عام 1852 وتوفى عام 1927 ، وهو من أصل بلجيكى ويطلق عليه فى كل المراجع العربية والأجنبية أنه رجل الصناعة الأول فى العالم، فقد كان خريج هندسة وتعلمها فى أكبر الجامعات بباريس. وكان جوالًا رحالًا سافر الهند التى أحبها وتأثر بها بل صارت الهند معشوقته، ثم سافر إلى الكونغو والبلاد الإفريقية والعواصم الأوروبية، ثم بدأ فى استثمار أمواله فى الصناعة، وجاء إلى مصر وصار من المشاركين الأساسيين فى صناعة وسائل المواصلات فيها، فهو كان من المؤسسين لمترو باريس، وأصبح من أكبر المشاركين فى هذه التكنولوجا بالقرن ال19، ولقب بلقب البارون من ملك فرنسا بعد انتهاء هذا المشروع. وركب البارون باخرته من الهند التى عاش فيها كثيرًا وجاء إلى مصر عام 1904، وانبهر بالقاهرة الخديوية التى بناها عاشق مصر الإسلامية الخديو إسماعيل وقد عاصر البارون حكمه، وعندما وصل البارون تأمل شمال القاهرة بعد الريدانية والعباسية، ووجدها منطقة صحراوية خالية والمعروفة الآن بمصر الجديدة، وأطلق عليها «هليوبوليس»، والمشتقة من معبد الشمس القديم. واحة عين الشمس وقرر البارون أن يشترى مساحة تقدر بحوالى 25 كم متر أى ما يقارب من 6 أفدنة، وكان الفدان ثمنه 1 جنيه، وبدأ فى تأسيس مدينة سكنية، وقبل بدء التأسيس بدأ فى بناء البنية التحتية لهذه المدينة من كهرباء ومياه وصرف صحى، واطلق على المدينة «واحة عين شمس»، وعلى أطراف هذه المدينة شرع فى بناء قصره، وربط بين مدينته والقاهرة بواسطة المترو الكهربائى. وبنى كنيسة فى هذه المدينة والمعروفة بكنيسة البازيليك ولا تزال موجودة إلى وقتنا هذا، وكانت هذه الكنيسة فى الأصل مطلية باللون الأحمر، وكان الأهالى يطلقون عليها الكنيسة الحمراء، وتخطيط المدينة متضمنا بناء القصر استغرق من 1907 إلى 1911، كما قام ببناء ناد ضخم «نادى هليوبوليس» وقصر هليوبوليس» الاتحادية وبنى ناد للخيل وناد للبليار شروق الشمس دائماً والقصر تم اختيار تصميمه من خلال معرض معمارى فى باريس كان يحضره البارون، وقد اشتراه والذى كان من تصميم وصاحب الفكرة المهندس ألكسندر مارسيل، فيما كان الفنان لويس كلود صاحب الزخارف، وكان تصميم القصر نقلًا لفكرة المعابد الهندوسية والكمبودية إلى مصر، والمعبد الذى تم اشتقاق شكل القصر منه هو معبد انكروات الكمبودى ومن معبد أوريستا الهندوسى، وبدأ يظهر الشكل المميز لقصر البارون، ويمثل شكله من أعلى شكل الزهرة المتفتحة، فى حين يظهر على القصر من الداخل التأثر بالفنون المصرية وكان من شروط البارون للمهندس مارسيل أن تشرق الشمس وتغرب وتتعامد على القصر فى كل الأوقات من جميع الجوانب، وقد تحقق ذلك بالفعل رغم أن القصر ثابت ولا يلف ولا يدور كما ادعى البعض، لكن ما حدث ببساطة أن القصر مبنى على مساحة 6 أفدنة ونصف بالحديقة، وقد كانت مساحات شاسعة حوله خالية تماما من المبانى أو أى منشآت، مما جعل الشمس بالفعل تدخله من جميع الجوانب منذ الشروق حتى الغروب. والقصر كله من الخرسانة وحديقته كبيرة للغاية، وكانت به مجموعة كبيرة من التماثيل لكن المتبقى منها عدد قليل للغاية، وقد ترك البارون مصر فى أواخر حياته وأوصى بعد وفاته أن يدفن فى مصر، وبالفعل بعد وفاته دفن فى كنيسة البازيليك التى بناها مواجهة للقصر، وكان من أبرز حضور إفتتاح القصر الملك ألبرت الأول والملكة إليزابيث زوجته شهدا افتتاح القصر، وأقاما بعض الوقت فيه حيث استمتعا بهواء مصر العليل، وكان الشارع المطل عليه القصر المسمى الآن بشارع صلاح سالم اسمه شارع القصر، ثم سمى بشارع المطار، خاصة أنه فى عام 1923 صمم البارون مطارا فى مصر الجديدة وهو حاليًا مطار ألماظة، وذلك تنشيطًا للسياحة حيث يقع بالقرب منه معبد المطرية الأثرى. وفى عام 1962 انتقلت ملكية القصر من حكومة بلجيكا إلى الحكومة المصرية، ثم هجر القصر لفترة كما تم استخدامه لأغراض متعددة منها تحوله إلى مقر لإقامة الأفراح، كما أنه أثناء إهماله اتخذ مقرا ومركزًا من بعض المهاويس الذين عرفوا بعبدة الشيطان، وهى القضية التى نالت شهرة كبيرة فى تسعينيات القرن الماضي، ورغم أن البارون لم يتزوج ولم ينجب، إلا أنه وبعد أن أصبحت ملكية القصر للحكومة المصرية، فقد ظهر من ادعى انه ابن البارون ودارت معركة قضائية بين عدة أطراف آل بعدها القصر فى النهاية للحكومة المصرية.