خلقت الحالة الداعشية الإرهابية الدموية منذ ظهورها عمليًا فى 2014م نموذجًا مغايرًا ومتمايزًا عن كل التقاطعات السلفية الجهادية السابقة لها، حيث شكل إعلان التنظيم ل«الخلافة» ذروة التطرف غير المألوف للتنظيمات الجهادية الإرهابية حول العالم ، لتشكل خلال السنوات الخمس الماضية أبعادًا فكرية ومادية غير تقليدية استفادت منها داعش فى التسويق لأفكارها المُتطرفة الدموية التى استباحت الدماء والحُرمات والأوطان والحدود. ولكن سرعان ما شكل انهيار جغرافيا التنظيم بشكل كامل وخسارته لآخر معاقله فى بلدة الباغوز السورية فى مارس 2019، بداية لفقدان التنظيم قدرته على التكيف وإعادة تجميع صفوفه بعد السقوط الفعليّ لخلافته المزعومة، مع تنامى التداعيات السلبية للانهيار على هياكله التنظيمية وهو الأمر الذى ربما يدفع إلى فقدان التنظيم لتماسكه وبالتالى فقدان قدرته على الاستمرار . لذلك فإن التنبؤ بمستقبل داعش أمر بالغ الصعوبة والتعقيد، فبجانب وجود العديد من الدلالات، التى تؤكد الانهيار والتشتت التنظيمى على الجانب الآخر هناك مؤشرات واضحة على إعادة التنظيم لإنتاج وجوده وتنويع مواقع انتشاره فى العديد من المناطق الجغرافية الجديدة ، وهو ما يعدد سيناريوهات مستقبله فى عام 2020. السيناريو الأول: الانهيار وانحسار الحواضن ويقوم هذا السيناريو على إمكانية الانهيار التنظيمى لداعش خاصة بعد مقتل زعيمه «أبوبكر البغدادى» فى غارة أمريكية يوم 27 أكتوبر 2019 فى إدلب بشمال غرب سوريا، وتسرع التنظيم فى إعلان خليفة جديدة له يدعى «أبى إبراهيم الهاشمى القرشى» فى تسجيل صوتى فى 31 أكتوبر 2019 وهو الأمر الذى ربما يشكل تداعيات سلبية على هياكله التنظيمية وفقدان التنظيم لتماسكه وبالتالى فقدان قدرته على الاستمرار . كما أن التسرع فى تشكيل قيادة جديدة ربما يدفع بعض عناصره فى سوريا والعراق وباقى فروعه الخارجية إلى عدم الاعتراف بها ، خاصة مع كثافة الضغط عليها وتزايد الضربات والمواجهات العسكرية لها من جانب القوى الدولية والإقليمية مما سيؤدى فى النهاية إلى انهيارداعش تنظيميًا. السيناريو الثانى: إعادة الانتشار والتمدد يقوم هذا السيناريو على المرونة الكبيرة التى أكتسبها داعش قبل انهيار جغرافيته، وقدرته على الإستمرار فى المناورة من أجل البقاء، سيظل مصدرًا لإعادة الوجود والتموضع لفترات طويلة فى المستقبل، كما أن يسمح للتنظيم بالاستمرار فى دعوة أنصاره للاستنفار والنفير إلى أرض الخلافة الكاذبة والوهمية مع تحفيزعناصره على مواصلة أنشطتهم استنادًا إلى إمكانية تحقيق الخلافة المزعومة ماديًا مجددًا. ويساعد على ذلك وجود العديد من دلالات إعادة الإنتاج المستحدثة التى أوجدها التنظيم لنفسه من خلال قدرته التى لم تستنفز بشكل كامل على المناورة رغم فقدان معاقله واحدًا تلو الآخر خلال الأعوام الماضية من خلال تنفيذه للعديد من العمليات والهجمات المتعاقبة، ونفوذه داخل ساحات قتال متنوعة كالحروب الأهلية والنزاعات الطائفية والعرقية وتكوين ملاذات آمنة بديلة، فى جغرافيا جديدة فى بليبيا، وأفغانستان، وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وهو ما يضعه دائما فى بؤرة التهديد المستمر للاستقرار داخل دول الغرب عامة ودول الشرق الأوسط خاصة. كما أن أسباب التمدد التى سمحت بتنامى جغرافية التنظيم لازالت قائمة فى سوريا والعراق ودول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ومنها الطائفية والطبيعة الجغرافية والحدود التى يسهل اختراقها، التى تسمح بتدفق المقاتلين الأجانب؛ وكلها ظروف عند تضافرها وتزامنها معًا تساعد على تواجد التنظيم ومن ثم أنتشاره وتمدده ثم شن هجماته بشكل أكثر خطورة وتهديداً من ذى قبل مما يشتت من جهود مكافحته وإنهاء وجوده . السيناريو الثالث: البقاء المحدود وفقدان الفاعلية ويقوم هذا السيناريو على تجفيف منابع تمويل تنظيم داعش نهائيا وتطويق خلاياه وتضييق الخناق على عناصره وتصفية قياداته وتفكيك شبكة تحالفاته، وهو الأمر الذى سيؤدى فى النهاية إلى فقدان فاعلية عملياته وانحسار مناطق نفوذه وبالتالى تحول وجوده إلى وجود رمزى غير فاعل كما هو الحال مع مجموعات تنظيم القاعدة. وهو الامر الذى يجب أن تسانده مؤسسات الدول التى تواجه التنظيم الداعشى الدموى بوقف الصراع الداخلى داخلها ومنع إنتشار الأسباب المساعدة على إنتاج التنظيم وتخليق وجوده مجدداً واستحداثه لمناطق تموضع جديدة لن تشكل فقط خطورة على مستقبل الدول العربية والإسلامية بالشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وإنما على العالم بأسره.