بعد التغييرات الجوهرية التي حدثت مؤخرًا بالبيت الفني للمسرح خاصة عقب الثورة فيما يتعلق بتغيير رئيس البيت الفني ومديري المسارح، وإصدار قرار وزاري بإنشاء مكاتب فنية بالانتخاب في كل مسرح تكون مهمتها اختيار العروض المقدمة رغم كل ذلك إلا أن هذه المكاتب يبدو أنها أخفقت في اختياراتها للعروض وهو ما ظهر واضحًا في إنتاج عدد من العروض الرديئة، فلم يقدم عرض مسرحي واحد علي المستوي الفني المطلوب، باستثناء عروض مسرح الشباب التي احتفظت بمستواها الفني قبل وبعد الثورة، وأرجع النقاد هذه الأزمة إلي أسباب متعددة من ضمنها رأي يقول إن فكرة تعيين مكتب فني بالانتخاب كانت فاشلة من الأساس. وأن هذه المكاتب غير موجودة وهي مجرد لعبة فقط، ذلك ما قاله د. حسن عطية الذي أضاف: لست واثقًا من وجود هذه المكاتب كما أنه ليس هناك محددات لهذه المكاتب وإذا كانت غير موجودة فبالتالي ليس هناك خطة واضحة لعملها بدليل أنه لم يقدم إلي الآن عمل فني قوي، فقد أعلنوا مثلا عن وجود لجنة برئاسة الناقد أحمد خميس ثم لم تجد له دورًا، إضافة إلي قولهم إنهم سيتفقون مع عدد من النقاد، ولم يحدث وبذلك أصبحت المكاتب مكونة من عناصر داخل وخارج الفرقة وهو ما يعد أزمة لأن البعض تكون له مصالح شخصية داخل اللجنة يريد تنفيذها مثل إخراج أو تمثيل أو تصميم ديكور.. ويضيف عطية: بالطبع هذا الوضع يشكل أزمة كبيرة، فمن المفترض أن يكون أعضاء هذا المكتب ليس لديهم أي مصلحة شخصية في اختيار الأعمال المقدمة، وفي رأيي إنه مع تعيين الفنان توفيق عبدالحميد رئيسًا لقطاع الإنتاج الثقافي، سيكون هناك اختلاف إذا تدخل عبدالحميد في إعادة البيت الفني لمساره السليم حتي علي سبيل المثال نعلم الفرق بين المسرح القومي والحديث والطليعة والشباب والغد وبالتالي سوف يرتبط الجمهور بمسرحه. واتفق معه في الرأي الناقد المسرحي جرجس شكري قائلاً: أن الانتخابات التي أقيمت بالمكاتب الفنية وفكرة تطبيق التجربة الديمقراطية علي مديري المسارح وأعضاء المكتب الفني هي حق يراد به باطل. لأننا للأسف أمام إنتاج سيئ للغاية والعروض المسرحية أصبحت شبيهة بالتحقيقات الصحفية المنشورة فليس هناك عرض مسرحي درامي متماسك فهي مجرد مسخ مشوه، إلي جانب أن نفس المخرجين الذين كانوا مستبعدين قبل الثورة هم أيضًا من يتم استبعادهم من الحياة المسرحية بعد الثورة، مثل المخرج سمير العصفوري الذي تم الاتفاق معه علي أكثر من عمل ولم ينفذ إلي الآن أي منها وكذلك محسن حلمي، فأين التغيير الجوهري الذي حدث بعد عهد فاروق حسني؟ لا يوجد تغيير بل تطورت الأوضاع للأسوأ لأن الانتخابات في المسارح اعتمدت علي الأهواء الشخصية، فالانتخابات مكانها المجالس المحلية. أما سامح مهران المخرج والمؤلف المسرحي فقال: فكرة المكاتب الفنية بالطبع فكرة حيوية للغاية لكن كيفية إدارتها هي الفيصل في المسألة، فهي للأسف ممكن أن تتحول إلي مجرد شبكة علاقات ومصالح وتصفية حسابات مما يجعلها تحيد عن مهمتها الرئيسية وهي اختيار نصوص مسرحية تتناسب مع طبيعة المسرح التي تقدم عليه ليكون الحارس الأمين علي المسرح. وأعتقد أننا في مصر لم نمتلك هذه الخبرة، رغم أن الفكرة معمول بها في العالم كله وهي السبب في النجاح الذي وصل إليه المسرح بكل دول العالم.. المؤلف محمود الطوخي كان أشد قسوة في تقييم وضع المسرح بعد الثورة حيث قال: أنا حزين للغاية لما وصل إليه حال المسرح وأعتقد أنه سيستمر بهذا المستوي لمدة عامين كاملين لأن من يديرون الحياة المسرحية مجرد مجموعة منتفعين ليس أكثر من ذلك وكان لي ثلاثة نصوص مسرحية بالمسرح الكوميدي قدمت ما طلبا بسحب نصوصي خشية من تقديمها في هذه الفترة الغريبة، فماذا يحدث حاليًا بالمسرح؟! وأين المسرحيون الكبار؟!!، فهذه الفترة لابد أن يطلق عليها فترة إنتاج: السيئ محمد علي وليس السيد محمد علي. ومن جانبه نفي السيد محمد علي وجود مشكلة كما ذكر النقاد ونفي أيضًا التشكيك في هذه المكاتب وقال: المكاتب موجودة وتعمل يوميًا وإذا ما ذهب أي شخص فجأة لأي مسرح سيجد مدير المسرح في اجتماعات مستمرة مع أعضاء المكاتب الفنية، وكان لابد في هذه الفترة أن أقدم نصوصًا لها علاقة بالأحداث الجارية وبالثورة ولم تكن هناك نصوص عن الثورة بالبيت الفني، لذلك كنا نبحث جاهدين عن نصوص جديدة، لأن كل النصوص القديمة تتناول أحداث ما قبل الثورة لذلك كان من الصعب تقديمها. ويضيف السيد أن مسألة انتخاب مكاتب فنية هي تجربة ديمقراطية لتأييد حرية الاختيار، الفكري، لذلك أري أننا لابد أن نعيش هذه التجربة بشكل متكامل، ونتركها حتي تأتي بثمارها، فمن الصعب أن نحكم عليها بهذه السرعة، فعلي سبيل المثال لابد أن نحكم بعد الموسم الشتوي القادم، وفي النهاية المكاتب الفنية عمرها سنة واحدة فقط، وبعدها تخضع للتغيير، وأؤكد بأن هذه المكاتب خالصة تمامًا من أي مصلحة شخصية!