نجحت القوات الجوية خلال حرب أكتوبر فى فتح الطريق للنصر بالتخطيط الجيد والتنفيذ المميز للمهام التى أوكلت إليهم، وكان نسور مصر ينقضون على أهدافهم بجرأة جعلت العدو يعترف بقدرتهم المتميزة على القتال. ■ ماذا عن بداية رحلتك بالقوات الجوية؟ تخرجت فى يناير 1965 من الكلية الجوية المصرية، ثم التحقت بأسراب مقاتلات «الميج 21»، وأتممت جميع تدريبات الطيران فى هذا السرب، وأصبحت طيارًا مقاتلاً. ■ حدثنا عن وضع القوات الجوية يوم 5 يونيو 1967 «كشاهد عيان»؟ ما حدث هو دخول الطائرات الإسرائيلية من البحر المتوسط، بدلاً من الاتجاه الشرقى من سيناء، وكانت على ارتفاعات منخفضة فلم تسجلها الرادارات الأرضية، وبدأت بضرب المطارات وممرات الإقلاع، لتشل حركة الطيارين وتمنعهم من الطيران، ثم جاءت الموجة الثانية وقصفت الطائرات بدون إنذار، وقد أصيبت طائرتى ولكنى لم أصب وقتها، وهذا هو الذى تسبب فى تكبدنا خسائر كبيرة.. وكانت هناك بطولات فردية حاول فيها عدد من الطيارين عمل المستحيل وأسقطوا طائرات إسرائيلية، مثل الطيار نبيل شكرى والمقدم سامى فؤاد الذى أسقط طائرة واستشهد يومها، وغيرهما فى المطارات المختلفة، ورغم عدم إصابتى يومها فإن هذا اليوم ولد بداخلى رغبة الانتقام من العدو، الذى باغتنا فى غفلة من الزمن، واحتل جزءًا غاليًا من أرضنا، ورغم تدميره للطائرات أو المطارات لم يتمكن العدو من تحقيق هدفه بالنصر على القوات الجوية، فيومها ضرب الطائرات ولم يضرب الطيارين الذين سرعان ما استعدوا للثأر. ■ كيف استعادت القوات الجوية قوتها بعد تدمير الطائرات والمطارات؟ فى اليوم الثانى للنكسة ذهبنا، بناء على اتصال من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إلى الرئيس الجزائرى «هوارى بومدين» فى الجزائر، الذى أمدنا بأسطول من طائرات «الميج 21»، بالإضافة إلى الجسر الجوى الذى فتحه لنا الاتحاد السوفيتى، وأرسل لنا طائرات مفككة، قمنا بتجميعها فى مصانعنا، وبدأنا نلملم شتاتنا، وكنا نحو 60 طيارًا فقط هم من تبقى، والباقى أصيب أو استشهد، وقمنا بتكوين مجموعتين فى أنشاص والمنصورة، وبعد 40 يومًا فقط من الهزيمة خططنا للقيام بعملية موجعة فى قلب إسرائيل، وقمنا بعمل هجوم يومى 14 و15 يوليو 1967 داخل سيناء، وقصفنا احتياطات العدو الإسرائيلى من الذخيرة والجنود والمعدات، وذلك صدم العدو لأن القوات الجوية المصرية التى ادعوا القضاء عليها، قامت من كبوتها وضربتهم فى العمق وتسببت فى خسائر لم يكونوا يحلمون أن تحدث لهم، وكأنهم فى كابوس منذ ذلك الوقت حتى حرب أكتوبر 1973.. وهذا العمل رفع الروح المعنوية لدى شباب الطيارين ورجال القوات المسلحة، وفتح الباب لعمليات إقلاع وإبرار لقوات الصاعقة خلف خطوط العدو، للقيام بعمليات ضد الأهداف ومخازن السلاح وتجمعات القوات الإسرائيلية فى الشرق. ■ ما هى أهم البطولات التى قمت بها فى حرب الاستنزاف؟ لا أنسى أول اشتباك مع طائرات الفانتوم الإسرائيلية، التى كانت تعد أحدث طائرة فى العالم وقتها، هذا اليوم كان فى سبتمبر 1969 كنت أنا والطيار سمير عزيز نطير على ارتفاع منخفض قرب قناة السويس، وخرجت طائرة فانتوم لاعتراضنا فتسابقنا أنا وسمير لضربها، وسبقنى هو بضربها بصاروخ فوقعت وضربتها أنا بصاروخ آخر فهوت فى بحيرة قارون، واختفت تمامًا من على شاشات الرادار، وعندما عدنا إلى المطار أنكر الروس الواقعة، لأنها كانت أول اشتباك بين طائرات «الميج 21» والفانتوم الشبح، ولم يكن هناك دليل على سقوطها، وظللنا نبحث عنها فى البحيرة لمدة أيام، ولم نجد لها أثرًا، وهذا جعل الروس يصرون على عدم سقوطها، وبعد 20 يومًا من الواقعة المد والجزر أظهر جزءًا من ذيل الطائرة وشاهدها بعض الصيادين، وأبلغوا عن مشاهدتهم شيئًا غريبًا، وعلى الفور ذهبنا أنا وسمير عزيز مع فريق البحث، واستخرجنا حطام الفانتوم. ■ ما هى المهام التى كلفت بها فى حرب أكتوبر1973؟ فى بداية عام 1973 تمت ترقيتى إلى «قائد ثان» فى السرب 49 مقاتلات، وكانت مهمة السرب حماية الطائرات المقاتلة والقاذفة، واشتركنا فى الضربة الجوية الأولى التى حققت أهدافها، قامت بضرب المطارات والمقرات الإدارية والنقط الحصينة وتدمير مواقع الصواريخ «السكاى هوك»، ومخازن السلاح ومحطات الوقود ومراكز الملاحظة، وبعد الضربة الجوية قمنا بحماية القوات الأرضية للجيش الثالث خلال العبور، واعتراض أى طائرة للعدو الإسرائيلى ومنعها من الاقتراب لشاطئ قناة السويس أو الموجات الأولى للعبور وعندما حدثت الثغرة أسقط السرب 49 وحدة، 12 طائرة للعدو الإسرائيلى، واستشهد منا 3 طيارين. ■ ما أهم البطولات التى قام بها نسور القوات المسلحة المصرية فى أكتوبر 1973ولم تنس؟ أثناء حرب الاستنزاف اشتبك الطيار إسماعيل إمام مع إحدى طائرات «الميراج» الإسرائيلية، وبالفعل قام إسماعيل بضربها، وانفجرت طائرته، وقفز هو والطيار الإسرائيلى كل من طائرته، ثم استشهد فى طلعة أخرى أثناء الحرب، ومن البطولات الخالدة لطيارينا أيضًا الطيار الشهيد سليمان ضيف الله، أثناء الثغرة قام بحماية الطائرات القاذفة، ورغم إصابة طائرته رفض تركهم حتى قاموا بمهمتهم فى الاشتباك، وعادوا سالمين واستشهد عقب اطمئنانه عليهم واكتمال مهمته فى حمايتهم. أما التضحية الحقيقية والتى لا تُنسى أبدًا فهى للفتيات الصغيرات من قرى الشرقية وأبوحماد والسنبلاوين هذه القرى كان أغلب رجالها فى الخدمة بالقوات المسلحة، وعندما بدأنا فى بناء دشم الطائرات ومواقع الصواريخ كان يحضر للموقع يوميًا عشرات الفتيات، أعمارهن تتراوح بين 16 و21 عامًا يحملن القصعة ويرفعن مواد البناء وراء العمال وأثناء قصف إسرائيل لهذه المواقع كانت تسقط البنات شهداء جنبًا إلى جنب مع العمال من الرجال، فالحرب لم تفرق بين أحد منهم، ورغم سقوط العشرات منهن نجد أنهن فى اليوم الثانى يحضرن لاستكمال العمل، وكن عبارة عن خلية نحل فى منتهى الحيوية والنشاط،، هناك العديد من البطولات لا تسعها مئات الكتب وموضوعات الصحف عن قصص وروايات سطرها الجيش والشعب المصرى لتحقيق النصر فى أكتوبر 1973.