تسعى الدول الصغير الساعية فى طريق التنمية نحو التطور والتقدم إلى إيجاد البيئة الملائمة لتنفيذ خطط التنمية التى تسعى إلى تحقيقها، وإذا كانت تلك الدول تستطيع تهيئة الظروف الداخلية بما تحققه من تشريعات وبنية أساسية وعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، فإن الظروف الخارجية تحتاج إلى تعاون مع دول الجوار، وغيرها من أجل تهيئة الظروف التى لا تستطيع الدولة تحقيقها بمفردها، لذلك نلاحظ من تجارب الدول التى حققت تقدما ملحوظاً فى طريق التنمية فى العالم، نجد أن الدول التى استطاعت تحقيق تنمية شاملة كانت ضمن منظومة من الدول سواء فى شكل اتحاد أو رابطة أو تحالف، وبقدر ما تكون عليه تلك العلاقات من تعاون وتقارب، بقدر ما تكون الظروف أكثر ملاءمة للاسراع فى تنفيذ خطط التنمية بكل جوانبها. أطلقت الدول العشر الأعضاء فى رابطة جنوب شرق آسيا للتعاون الاقتصادى «آسيان» حزمة من الاجراءات الاقتصادية التى من شأنها أن تؤدى إلى تسريع وتحرير عملية التعاون بين الدول الأعضاء من القيود فى حركة رؤوس الأموال والأفراد والسلع، والاتفاق على حزمة من المعايير المشتركة، ومن ثم قيام سوق موحدة على غرار الاتحاد الأوروبى، الأمر الذى من شأنه أن يساهم بفاعلية كبيرة فى النمو الإقليمي، ويوفر فرص تنمية لجميع الدول الأعضاء. تشكل رابطة «آسيان» سوقاً ضخمة تضم نحو 600 مليون نسمة، وتضم دولاً متنوعة فى البنية الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم يسمح ذلك التنوع بزيادة فرص تبادل المنافع والمصالح بين الدول الأعضاء، ورغم الصعوبات التى تواجهها نتيجة للتباين فى كثير من القيم والتقاليد، بالإضافة الضغوط الخارجية التى تتعرض لها للحد من نموها وتطورها، إلا أنها تصر على مواجهة كل التحديات وتجاوز كل العقبات والصعب التى تعترض طريقها نحو تشكيل كيان موحد يحقق لها أهداف التنمية التى تسعى إليها. وقعت دول الرابطة فى 22 نوفمبر 2015، مذكرة إطلاق تجمع اقتصادى موحد، بدأ العمل به مع بداية يناير 2016، والتى جاءت تتويجا للتعاون السياسى والثقافى والاقتصادى للدول الأعضاء، حيث تعمل على تطوير التعاون فيما بينها، باعتبار ذلك إحدى الخطوات المستمرة فى إطار التكامل الذى تسعى إليه دول الرابطة، فقد تمت إزالة الحواجز الجمركية، وتيسير شروط التأشيرة بين بعض الدول الأعضاء فى إطار المنظمة. الأمر الذى يشجع الدول الأعضاء فى رابطة آسيان على السعى الدؤوب فى مسيرة التكامل والوحدة مع جميع الأعضاء فى الرابطة هو الشعور بالأمان من خلال ما تحقق من انجازات داخل دول صغيرة ما كان أن يتحقق لها ذلك بمفردها، فعلى سبيل المثال استطاعت كمبوديا أن تحقق نمواً بلغ 7.7% خلال عام 2015، بحسب ما ذكره رئيس وزرائها خلال المنتدى الاقتصادى العالمى حول آسيان والذى عقد فى كوالالمبور فى بداية يونيو 2016، مؤكداً أن بلاده بفضل التعاون مع آسيان استطاعت تخفيض الفقر كل عام بنسبة 1% رغم ما تتعرض له البلاد من كوارث طبيعية بصفة شبه دورية. أما ماليزيا التى تطمح إلى وصول حجم التجارة الخارجية إلى 30% بين الدول الأعضاء بحلول عام 2020، فقد بلغ حجم التجارة الخارجية لماليزيا حالياً 27%، بينما تعمل نحو ثلاثة آلاف شركة ماليزية فى الدول التسع الأخرى بالرابطة، بحسب ما صدر عن رئيس الوزراء الماليزى نجيب عبد الرزاق فى المنتدى الاقتصادى العالمى حول آسيان. ساعد الاستقرار السياسى والأمنى على جعل منطقة آسيان من أكثر المناطق فى العالم جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وتعتبر الصين أكبر شريك تجارى لرابطة آسيان، ثم الولاياتالمتحدة وروسيا واليابان والهند واستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي، حيث توفر دول الرابطة للمستثمرين حوافز ومزايا استثمارية فى قطاعات البنية التحتية والمقتنيات الحديثة، وذلك بهدف إقامة بنية اقتصادية قوية، يتم من خلالها تحسين المناخ الاقتصادى والاجتماعي، ونقل الخبرات والتقنيات الأجنبية الحديثة إلى بلدان الرابطة. تعمل رابطة آسيان حالياً على تطوير حزمة أخرى من علاقات التعاون من خلال تسريع التوقيع على اتفاقيات الاعتراف المتبادل بشأن تبادل العمالة المحترفة، واعتماد الشهادات العلمية، وتشكيل سلطة تتجاوز الحدود الوطنية، وتعزيز الاصلاحات الاقتصادية، وتسوية مشكلة المساواة الاجتماعية، وارتفاع مستوى الدخل وتوزيع الثروات، والتى تعبر عن خطوات متسارعة نحو الوحدة المتكاملة بين الدول الأعضاء. وهذا ما غاب عن العالم العربى الذى كان له السبق فى تقدير قيمة التعاون والوحدة بين الدول العربية وعلاقة ذلك بالتقدم والازدهار، وخاصة أن العالم العربى يمتلك الكثير من العوامل فى مقدمتها اللغة والدين والعادات والتقاليد، التى تختصر كثيراً فى طريق تلك الوحدة الغائبة عن عالمنا العربى بسبب غياب الإرداة، فحرمت الشعوب العربية من ثمار هذا التقارب بين الأشقاء، فى الوقت الذى تسارعت فيه الكثير من الدول التى تفتقد تلك العوامل إلى التغلب على ما يعترضها من عقبات من أجل تحقيق التعاون الذى يكفل لها مزيداً ليس التقدم والرفاهية والازدهار وحسب، بل الأمن والسلام والاستقرار أيضًا.