"هذا العمل الأدبي تنبأ بالثورة"، كلمة تقال هنا وهناك، فلا تكاد اليوم ندوة أدبية أو موضوع صحفي يخلو من تلك المقولة التي يصفون بها عمل ما صدر قبيل الثورة، بل إن الأمر يصل أحيانا بالكاتب صاحب العمل إلي تأكيد ذلك بنفسه، أو يدفع الأمر دار النشر التي صدر عنها العمل لتكتب علي غلافه الخارجي " الرواية التي تنبأت بالثورة"، كما حدث مع رواية محمد سلماوي "أجنحة الفراشة". نعرض هنا لرأي بعض المبدعين في تلك "الظاهرة" إن صح التعبير، هل هي من قبيل "ركوب الموجة" والسعي نحو مزيد من الشهرة والتسويق، أم أنها "فرحة" بالثورة كما قال الروائي إبراهيم عبد المجيد؟، وهل يجب أن نفترض فيها سوء النية أم حسنها؟ الروائي محمود الورداني وصف إطلاق مقولة "العمل الذي تنبأ بالثورة" علي بعض الأعمال الأدبية بالأمر غير الأخلاقي، وأوضح: بعض هؤلاء الكتاب الذين يدعون بأن أعمالهم تنبأت بالثورة، كانوا من قبل يستفيدون من النظام القديم بشكل "الله ينور". وقال الورداني: في حدود ما قرأته، أري أن تلك الأعمال لا تتنبأ بشيء، بل إنها تجافي الواقع، لسبب بسيط أن أي كاتب جيد صاحب كتابة جادة وصادقة ومحترمة سنجده يستشرف المستقبل لا أن يتنبأ به، وفي هذا الإطار سنجد أن رواية محمد البساطي الأخيرة "وسريرهما أخضر"، التي لم يذكرها أحد كانت تستشرف المستقبل بدون أن تقول أن هناك ثورة قادمة، بل إننا لو تأملنا أعمال نجيب محفوظ نفسها سنجدها تستشرف المستقبل. استبعد الروائي إبراهيم عبد المجيد أن يكون إطلاق مقولة "العمل الذي تنبأ بالثورة" هدفه استغلال الثورة، ويفضل أن يضعه في سياق كون المؤلفين "فرحانين" لأن أعمالهم استبشرت مستقبلاً أفضل، وفي هذا السياق يري عبد المجيد أن ما كتبوه ليس تنبؤا وإلا كانت روايته "في كل أسبوع يوم جمعة" بمثابة تنبؤ، ولكنه كما يراه نوعا من الكتابة التي ترغب في مستقبل مختلف. أما الروائي حمدي أبو جليل فيؤكد أنه لا يستطيع أن ينازع أحدًا يعتقد ويؤمن أنه تنبأ بالثورة، وقال : حديث التنبؤ لا يدور حول الأعمال الأدبية وحدها ولكنه يتصل بالمناضلين والسياسيين وغيرهم ممن يعتبرون أنفسهم قد تنبأوا بالثورة ومنهم السياسي عبد الحليم قنديل، وهنا يصعب منازعتهم في مثل هذا الادعاء، خاصة أن رواية مثل "أجنحة الفراشة" لمحمد سلماوي قد تحدثت عن ميدان التحرير بالفعل وإن اختلف ما حدث في الثورة عما ذكره في الرواية". وقسّم الناقد الدكتور هيثم الحاج علي الأعمال التي تحدثت عن مشاكل مصر أو تلك التي يقال أنها تنبأت بالثورة إلي ثلاثة أنواع، الأول أن هناك أعمالاً ركزت علي فكرة وصول أزمة مصر إلي ذروتها دون أن تحدد شكل هذه الذروة ويري أن ذلك متمثل في أعمال علاء الأسواني والشباب: محمد عبد النبي ومحمد صلاح العزب وطارق إمام وغيرهم. النوع الثاني هو ذلك الذي تنبأ بشكل حقيقي بالثورة وتحدث عنها باعتبارها النهاية الحتمية مثل رواية محمد سلماوي الأخيرة والشهادة الروائية التي أصدرها الناقد حامد أبو أحمد بعنوان "الشهاب"، والنوع الثالث الذي يرصده الحاج علي هو وجود كتّاب حاولوا أن يلووا ذراع ما كتبوه ليقولوا عليه أنه تنبأ بالثورة وذلك بغرض ركوب الحالة العامة ولتسويق تلك الأعمال بشكل أكبر، ويؤكد الحاج علي أن ذلك النوع ليس هو الغالب. ويجمل الحاج علي حديثه قائلا: شيء طبيعي أن يتنبأ المبدع الحقيقي بالأحداث الجسام لكن ليس بالضرورة كما هي، هذا حدث خلال تاريخ الإبداع، والكل في مصر لم يكن راضيا عن الوضع القائم قبل الثورة وكانوا يرون أننا وصلنا للحضيض وأنه لابد من حدوث شيء دون أن نعلم ماهيته".