واجه مشروع مسرح النهار منذ انطلاقه، علامات استفهام عديدة، ثم هجوما مباغتا من البعض، دون استناد، على معلومات ملموسة، ودون متابعة أومشاهدة للمحتوى المسرحى المقدم، وكان ذلك لمجرد طرح صناعه لفكرة الدخول، فى حلبة الصراع والمنافسة، مع تجربتى مسرح مصر، التى بدأها الفنان أشرف عبد الباقي، ثم تياترو مصر، والتى كانت نسخة مشوهة من التجربة الأخيرة، بينما رأى البعض فى تجربة النهار، نسخة مكررة ومحاولة جديدة، من ضمن محاولات التقليد الأعمى، خاصة بعد النجاح الجماهيري، الذى شهدته تجربة الفنان أشرف عبد الباقي، وأخرين رأوا أنه مشروع جديد للانحدار، بالذوق العام للجمهور، ولنشر منطق القطاع الخاص الرخيص، كما حدث فى حقبة زمنية ماضية، مع العلم أن هؤلاء أيضا، من أشد معارضى مشروع مسرح مصر..!! لكن إذا تناولنا الأمر بنظرة أعمق وأوسع، من النظرات السابقة، والتى اقتصرت نظرة أصحابها، على تفضيل نوع معين من المسرح وهو المسرح الهادف، الذى يحمل رسالة، وعمق فكرى وأدبي، متجاهلين أن صناعة البهجة هدف فى حد ذاته، ومن ضمن الأهداف السامية أيضا، فليس شرطا أن يقدم المخرج مسرحية تحمل محتوى فكرى معقد، للمتلقى حتى يثبت أنه صاحب رسالة، ومن هنا يجب أن نتوقف، ثم يأتى التقييم، تقييم خطوط رسم هذا الضحك، واعتباره أيضا رسالة، ثم كيفية صياغة هذه الرسالة فى عمل مسرحى جيد. بدأ الفنان أشرف عبد الباقى بمفرده، فى صنع هذه الرسالة، ورسخ لها بعروضه البسيطة، والتى كانت تشوبها عيبا أساسيا، هو عدم وجود نص متماسك، وهيكل درامى واضح للمسرحيات، بل كانت أغلبها أشبه بمواقف كوميدية مرتجلة عن طريقه، أومن خلال مجموعة العمل معه، لكن لا يمكن إنكار أن هذه التجربة، نجحت فى نشر ثقافة الفرجة المسرحية، وأثبتت بالدليل العملى أن الجمهور، متعطش للضحك، حتى ولو لم يكن هناك عرض مسرحى مكتمل العناصر، ولعب عبد الباقى على حب الجمهور له كنجم، ثم على موهبته، وحضور كل من على ربيع ومحمد عبد الرحمن، أسس، ويزو، محمد أنور، ومصطفى خاطر، وقدرتهم على الارتجال، وخلق مواقف مسرحية خفيفية الظل، نجحت فى صناعة جماهيرتهم، واستحواذهم على الجمهور دون غيرهم، حتى أنهم تربعوا على عرش هذا النوع، من المسرح التليفزوني، وأصبح الجمهور يسعى سعيا حثيثا، ليس فقط لمتابعتهم، على شاشة التليفزيون، لكن أيضا للبحث عن تذاكر والذهاب، إلى المسرح لمشاهدة العرض، وهو نجاح كبير يحسب لصناع هذه التجربة، وإن كانت غير مكتملة العناصر الفنية، كما ذكرنا من قبل، لكنها مؤشر خطير على الاحتياج، والتعطش للبهجة، بعد سنوات متواصلة من متابعة أخبار عنف وقتل، منذ اندلاع ثورة 25 يناير، فإذا أردنا أن ندرس هذه الظاهرة الفنية، وهى الإقبال الجماهيرى الشديد، على هذا النوع من المسرح، لابد من دراسة الأوضاع السياسية والاجتماعية السيئة، التى عاشها ولا يزال يعيشها الشعب المصري، حتى اليوم.. فكأنها نوع من أنواع الهروب، من الأخبار المفزعة، بأى وجبة خفيفة، حتى ولو لم تكن كاملة..!! تأتى هنا أهمية اتساع الأفق فى استيعاب، تجربة مسرح النهار، والتى لم تتشابه مع تجربة مسرح مصر، سوى فى كيفية صناعة البهجة والضحك، وعمل قاعدة جماهيرية كبيرة، لمجموعة جديدة من شباب المسرحيين، ومن متابعة بعض الأعمال التى قدمت الفترة الماضية، مثل «أمبليه»، «فضفضة»، «الطيار»، «بوجى وضمضم»، «الحب فى قلب هضبة الهرم»، لم تكن العروض بهذا السوء الفني، الذى أشيع عنها مؤخرا، ويروج له البعض، كما أنها لم تكن بنفس خفة ظل عروض عبد الباقي، لكن اهتم صناع هذه الأعمال بعمل صورة مسرحية جيدة، من خلال الإضاءة والديكور، وكذلك بعمل إطار درامى بسيط، تدور حوله الأحداث، بينما عاب بعضها اللجوء إلى «الاستظراف»، وبذل أبطالها جهدا مضاعفا، لانتزاع الضحك من الجمهور، إلى جانب أن الاستعانة بعمرو رمزى وأحمد فلوكس، كعناصر جذب جماهيرية، كان اختيارا فى غير محله، لسببين، الأول أن الاثنين لا يمتلكان حضورا، على خشبة المسرح، والثانى لانهما ليسا كوميدينان، فأصبحت العروض أشبه بمسلسلات الست الكوم «السخيفة» التى سبق وشارك فيها كلاهما، والتى تتضمن مواقف كوميدية مفتعلة وإفيهات ملفقة، لذلك كان من الأولى بذل جهد أكبر فى النص المسرحى المكتوب، لهذه العروض بجانب الاستعانة بأبطال أكثر حضورا، وأخف ظلا، وليس شرطا أن يكون هؤلاء الأبطال، من نجوم الصف الأول أو الثانى، فلكى تكون هذه العروض على مستوى المنافسة، كان عليها أن تتمتع، بنفس قدر خفة ظل من سبقهم بهذه التجربة، وهذا أبرز عيوب مسرح النهار، بينما من مميزاته، والتى يجب أن نشير إليها، أن بعض العروض، احتفظت بالحد الأدنى من الاحترام، وبالتالى يحسب لصناعها، حرصهم على الإبتعاد، عن مستوى فنى متدني، فى صناعة أغلب عروضهم، لإنتزاع الضحك بالإكراه. كان من بين مميزات مسرح النهار أيضا، تجربة «الشقة» التى قدمها مؤخرا المخرج محمد جبر، والتى تجاوز فيها أزمة التلفيق الدرامى والاستظراف، ونجا بها من عيوب مسرح الفضائيات، وتعد من النماذج الجيدة القادرة، على المنافسة وبقوة، بل قد يغير بها جبر الفترة المقبلة، منطق صناعة مسرح الفضائيات بشكل عام، حيث إعتمد على عنصرين أساسين، أدى إلى نجاح تجربته، بل وتفوقها على نظيرتها، من العروض السابقة، العنصر الأول هو محمد عز المؤلف، الذى كتب نصا كوميديا بسيطا ومتماسكا، ومناسبا للحالة الفنية، التى أراد أن يصنعها أصحاب هذا المشروع، تناول من خلاله قصة شاب، اكتشف أن شقته ممتلئة بالأشباح يوم زواجه، ومن خلال مواقف كوميدية مختلفة، نفاجىء أنه تحول هو وعروسه، إلى شبح مثلهم مع نهاية العرض، قدم هنا عز، نموذجا مسرحيا محترفا للضحك من أجل الضحك، لأن النص لا يحمل رسالة درامية عميقة، ولا هو من نصوص المسرح الملحمية، بل هو نص مسرحى بسيط وممتع، كتب بحرفية ودقة عالية، أما العنصر الثاني، كان بطل العرض محمد على رزق، الذى اعتمد عليه المخرج بشكل رئيسي، وكتب على بهذا العمل، شهادة ميلاده ككوميديان، قادر على تحمل عبء مسرحية كاملة بمفرده، من البداية وحتى النهاية، وصنع نموذجا حقيقيا للكوميديان المحنك والمحترف، الذى لا يفتعل مواقف من أجل الضحك، برغم أنه لم يغيب لحظة عن خشبة المسرح، لكنه احتفظ باتزانه فى أدائه بين زملاؤه، ولم يطمع بالإستئثار فى إلقاء الإفيهات بمفرده، بل على العكس، كان حريصا على إظهار من معه، والدفع بهم، فظهرت طاقات الجميع بالعرض، واكتشفنا من خلال هذا العمل عددا لا حصر له، من المواهب الكوميدية الشابة، منهم ولاء شريف بطلة العرض، وإيمان الشريف، ومروة عيد فى دور الاختين، وأحمد رفاعى فى دور الضابط، ورامى رمزى، محمد نصر، محمود سليمان، محمد زكى، محمد عمر، محمد فايز، محمد سمير، بينما كان أقرب إلى الاستظراف المبالغ فيه، مجدى البحيرى فى دور وحيد سيف، أما مصطفى عبد السلام، فكان من مفاجآت العرض بلعبه، لشخصية أحد الأشباح «سليم بيه»، وكان أشبه فى أدائه بأشباح، الأفلام الأمريكية، كما أنه ابتعد كل البعد عن الشخصية، التى سبق أن قدمها مؤخرا بعرض «جميلة» إخراج مروة رضوان، على مسرح الغد، وكان ظهوره وحضوره على المسرح بالشقة مختلف وممتعا، وهكذا رسم محمد جبر خطا فنيا جديدا وأنيقا، لعروض مسرح الفضائيات، المتهمة عادة بالسذاجة والسطحية، وخلوها من مضمون يذكر، لكنه نجح مع صناع العمل فى كسر، هذه القاعدة، بل ورسخ فكرة أن المخرج الجيد يستطيع تقديم، كل ألوان المسرح مع الاحتفاظ بمستواه الفني، فى كل العروض، ودون أن يهبط بنفسه إلى الهاوية، ففى «الشقة» لم يهبط جبر بمستواه أو بمستوى ممثليه، فهو من أخرج «1980 وانت طالع»، والذى كان من بين أنجح عروض عام 2015، ثم «ظل الحمار» لفرديدريك دورينمات بمسرح الشباب، و«الطيار»، ثم «الشقة»، وبالرغم من صعوبة، تقديم أكثر من لون مسرحي، إلا أن جبر استطاع أن يثبت نفسه وبجدارة، فى كل ما قدم من ألوان مختلفة، بل ووضع من خلال «الشقة» قاعدة جديدة للمنافسة، بهذا النوع من المسرح على وجه التحديد، فاستطاع تصحيح مساره بصناعة عمل مسرحي، مبهج وبسيط، تمت صياغته بمهارة واحتراف فى قالب فنى متماسك، دون الاستعانة بنجم أول أو ثاني..وبالتالى إذا احتفظت عروض النهار، بنفس المستوى الفنى «للشقة» ستنافس على الساحة وبقوة.