رغم أن ثورة "25يناير" تمثل حدثا تاريخيا مهما، فإنه إلي الآن من الصعب رصده وتحليله، فهي ليست كثورة يوليو 1952، لها وثائق محددة ومصادر وواضحة يمكن رصدها وتتبعها، وكذلك كتابة تاريخ هذه الثورة بالشكل التقليدي المعروف، كما أنها ليست لها نقطة بداية محددة ولم تنته بعد! علي الرغم من ذلك، هناك عدة جهات الآن تقوم بمشروع توثيق لثورة "25يناير"، يأتي في مقدمتها مشروع دار الكتب والوثائق القومية لتوثيق الثورة، برئاسة الدكتور خالد فهمي أستاذ ورئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، الذي تحاورنا معه حول كيفية التوثيق للثورة. كمؤرخ كيف تري إمكانية كتابة تاريخ ثورة 25 يناير وتتعامل معها خاصة أنها لا توجد لها وثائق بالفعل؟ كمؤرخ لم يبدأ عملي بعد، لأن الأحداث متلاحقة جدا وسريعة ويصعب أن يتم تحديدها الآن إلا بعد مسافة زمنية متوازنة، تماما كالصحفي وهو الأسرع من المؤرخ في ملاحقة الأحداث، لكن ما ذكرتيه من سرد هو رواية واحدة لشخص واحد والتي قد يختلف البعض معك فيها، مستشهدا برواية أخري، بالتالي هذه السجالات وتعدد الروايات هي ظاهرة صحية لأنها روايات مشروعة، كما أنني وبشكل شخصي شاركت بالثورة منذ أول يوم، ومتابع لها باستمرار بالتالي حالتي تتغير من وقت لآخر ويتضح ذلك في مقالاتي ومحاضراتي حسب مجريات الأمور، أحيانا متفائل وأحيانا منزعج، ممكن قلق وغيرها من المشاعر المختلفة تبعا للحالة العامة التي لم تستقر بعد، فأنا في حالة استيعاب للحالة، فالحدث ككل معقد، لكن من الممكن أن يكون لدي تحليلات لتفاصيل معينة، كدور الجيش ، الشباب، الفيس بوك وهكذا. كرئيس للجنة التوثيق اعتقد أنك تتعامل مع الأحداث بمفهوم الرصد؟ نعم، فهذه هي مرحلة الرصد وليس التحليل أو الرؤية، فلقد عانينا من اللجان السابقة التي قدمت تحليلات ورؤي، مثلما فعلت لجنة ثورة يوليو 1952 التي كان يرأسها حسني مبارك حينما كان نائبا للسادات، صحيح أنها لم تقدم شيئا، لكن حتي لو كانت قدمت تقريرا لكان واجه انتقادات بأنها لجنة رسمية يقصد منها السادات تشويه صورة عبد الناصر وغيرها من الانتقادات اللاذعة، فكتابة التاريخ عملية سياسية، فهذه اللجنة مهمتها الرصد، وكل ما سيتم رصده سينشر علي موقع خاص باللجنة علي الإنترنت، بحيث يكون متاحا للجميع وللباحثين والمحللين فيما بعد. هل تقصد بمسألة الرصد أنك ستقدم الأسباب التي أدت لقيام الثورة؟ لا، لأنني في هذه الحالة طالما تطرقت للأسباب المؤدية للثورة إذن أنا هنا أقوم بعملية تحليل، لكنني أرصد فقط الأحداث. ماذا عن ميزانية المشروع هل تراها مناسبة لمدي أهميته؟ الحقيقة لا يوجد ميزانية، لأن كلنا -أعضاء اللجنة- متطوعون، فنحن نعمل بحماس شديد في خدمة المشروع نفسه. ماذا كانت معاييرك لاختيار أعضاء اللجنة؟ أولا اهتممت بوجود مؤرخ آخر وهو: الدكتور شريف يونس أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، بالإضافة إلي الدكتور نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور إيمان فرج أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور عبد الواحد النبوي مدير دارالوثائق القومية، والأستاذ محمود فودة رئيس إدارة الجمع بالدار، وهو مقرر اللجنة وأحمد غربية خبير المعلوماتية والحاسوب، فهي بادرة مهمة حاليا. ألا تري أن المدرسة التاريخية المصرية أدواتها وطبيعتها لا تتناسب ومعطيات ثورة "25يناير"؟ أختلف معك في هذا الرأي، لأن المدرسة التاريخية المصرية رغم عيوبها العديدة، إلا أن لديها عنصرا قويا جدا مرتبطا بهذا الحدث، وهو أنها تأسست علي الوثائق، لأن أول جيل من المؤرخين الأكاديميين المصريين في أواخر عشرينيات القرن الماضي، والذي أسسه الأستاذ محمد شفيق غربال عقب عودته من بعثته بإنجلترا، التي درس فيها علي يد "توينبي"، وتوينبي يعني وثائق! وكانوا وقتها يحاولون إثبات التميز كمؤرخين، بمعني أنهم ليسوا ساسة ولا صحفيين، أي أن عملهم وتناولهم للأحداث مختلف عن الآخرين، فكانوا في بداية تشكيل الوعي بمهنة المؤرخ، ففي رأيي أن هذا عنصر قوة رغم أن البعض الآخر يراها عنصر ضعف بمنطق أن المؤرخ أصبح أسير الوثيقة. ما قصدته أن هناك عدة نقاط مقيدة مثل: أن الثورة ليست لها وثائق بالمعني التقليدي، كما أن المدرسة التاريخية الكلاسيكية مبدأها "التاريخ يكتب حين تنتهي السياسة" بالإضافة إلي أن قانون الإفراج عن الوثائق بعد 30 أو 50 عاما! دعيني أتوقف قليلا عن قانون الإفراج عن الوثائق لأنه يشكل نقطة حساسة، فهذا القانون لأسباب عديدة غير مفعل، إنما بغض النظر عن القانون، دار الوثائق ليس لديها حصيلة وثائقية قوية عن الخمسين أو الستين عاما الماضية، ليس فقط ثورة يوليو 1952 لكن من قبلها أيضا!..فمنذ أوائل حكم الثلاثينيات لا توجد لدينا مادة بالدار بالمقارنة بحصيلة وثائق القرن التاسع عشر، وهذه مشكلة كبيرة تواجهنا نحن المؤرخين في حال تتبع سياسات معينة في تلك الفترة كالري مثلا أو مشكلة القاهرة التي نعاني منها الآن، فنحن لا نعلم متي انهارت القاهرة ولماذا وكيف؟! فهناك أبحاث بالفعل علي مشاكل القاهرة في هذا المجال، لكنها ليست لمؤرخين إنما لمعماريين أو باحثين تخطيط عمراني أو علوم اجتماعية، لكن لا يوجد مؤرخون أكاديميون يعملون علي تاريخ القاهرة منذ 1920!..وهذه مأساة كبيرة، وأضيفي إلي ذلك مجلس قيادة الثورة والثورة وانتصار أكتوبر..الخ. ما أسباب توقف دار الوثائق عند هذا الزمن؟ هذا سؤال مهم، لكنني لا أملك الإجابة الكاملة عنه، رغم أن هناك بعض الدوائر التي أكدت وجود وثائقها لديها والتي لم تنقل بعد للدار، تماما كما قال اللواء العيسوي وزير الداخلية أن الوزارة تحتفظ بوثائق البوليس السياسي منذ عام 1915 ويريد تسليمها للدار. من المعروف أن كل مصلحة حكومية لها الأرشيف الخاص بها.. وهذه هي أكبر مشكلة تواجهنا، أكبر من ضعف الإمكانيات والميزانيات وكل المشاكل، فبخبرتي الأرشيف هو الأزمة الحقيقية! فلا توجد إدارة أرشيف وموظف أرشيف يستطيع القيام بدوره كما يجب، فعملية حفظ الأوراق والمستندات ومحاضر الاجتماعات والقرارات ليست صحيحة أو مفيدة بالقدر الكافي وغير منظمة، فرغم وجود الإمكانيات البشرية بمصر لكنها غير مدربة! فلن أقول إننا تخلفنا عن الدول الأوروبية أو أمريكا، لكننا تخلفنا عن مصر!..فمصر 2011 متخلفة عن مصر 1860! فلقد كانوا يعملون بشكل جاد وباعتزاز شديد بأنفسهم وبعملهم، فمن الخط الذي كتبت به الوثيقة نستشف أن من كتبها معتز بذاته ويثق في نفسه، لكن مصر اليوم للأسف عكس ذلك تماما. ما نقطة البداية التي تعمل عليها اللجنة الآن؟ أول شيء بدأناه هو تحديد المادة التي سيتم تجميعها وبالتالي تصنيفها، فقررنا العمل بالشكل الآتي: المادة البصرية المتمثلة في الصور التي يملكها الناس، الفيديو، المادة الشفاهية وهي شهادات شهود العيان، أيضا الصحافة، وهناك مؤسسات مهم تتبعها كالمؤسسات الدينية والمصالح الحكومية وتقارير منظمات حقوق الإنسان عن الانتهاكات التي تعرض لها الثوار، وثائق أمن الدولة وهي سؤال كبير جدا، يتم ذلك من خلال فرق عمل، كل فريق مختص بجزئية أو جهة معينة. هل كل الفرق تعمل بالتوازي الآن أم أن هناك فرقًا لم تبدأ عملها بعد؟ لأكون صريحا، هناك فرق أنشط من الأخري، لكن ليس بدافع التقصير إنما لأننا كلجنة مركزية مركزون حاليا في تدريب فريق العمل المختص بجمع الشهادات الشفاهية من الجمهور. كيف ستصلون لأصحاب الشهادات خاصة أن من شارك في الثورة كثيرون وغير معروفين؟ هذا ما نعمل عليه فعليا، وهو إيجاد وسيلة مناسبة وصحيحة للوصول لهؤلاء الأشخاص، وهو ما يتدرب عليه المتطوعون حاليا، حيث سننزل في أماكن مختلفة ومتعددة نبدأها في القاهرة الآن وسيتم الإعلان عن هذه الأماكن أو استقبالهم بالدار، لاستقبال الناس الذين يريدون الإدلاء بشهاداتهم، ويقوم الشاهد بالإمضاء علي ورقة تفيد أنه يريد أن يهبنا شهادته، وشرطه بخصوص موعد الإفراج عنها، فقد يدلي البعض بشهادة قد تضره لو أعلنت الآن، لذلك فمن حقه تحديد توقيت الإفراج عنها. ما هي الجهات المتعاونة مع المشروع؟ طبعا في المقدمة دار الكتب والوثائق القومية، منظمات المجتمع المدني والعنصر المهم جدا هو حماس الجمهور والمشاركين. هل ستتم فهرسة وتصنيف المادة التي تم جمعها؟ بالتأكيد، وهذا ما يميز مشروعنا عن المشاريع الأخري التي توثق للثورة، فحين رفع هذه المعلومات علي الموقع الإليكتروني سيستطيع المواطن العادي والباحث الاستفادة منه واستخدام خاصية البحث بكلمات مفتاحية. بالنسبة للصحافة هل ستهتم بتوثيق الصحف التي كانت ضد الثورة والمقالات والآراء المضادة؟ بالتأكيد، وبالفعل نسقنا مع بعض الصحف القومية للحصول علي "السبعينة" لضمان جودة الطباعة، أيضا وضعنا في الاعتبار المقالات التي تم منعها من النشر او ما يطلق عليها " المسكوت عنها"، سيتم إحضارها من اصحابها، فنحن مهمتنا وضع كل الاتجاهات أمام الجمهور، في محاولة للوصول إلي الموضوعية. ماذا عن الاستعانة بالمواقع الإليكترونية والشبكات الاجتماعية خاصة أنها كانت هي الفاعل الحقيقي في توثيق الثورة؟ الحقيقة أن الأستاذ أحمد غربية هو من يقوم بهذه المسئولية، وهو خبير في مجال التكنولوجيا والمعلوماتية ومعه فريق يعمل أيضا علي الفيس بوك، والتويتر، واليوتيوب والمدونات، وهم في غاية الأهمية. ماذا عن شهادات الفاعلين بالأحداث كاللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق وغيرهما من الشخصيات؟ بالفعل هذا في الخطة وسيكون هناك لجنة هي "لجنة الفاعلين" أو "اللاعبين" مثل الشخصيات التي ذكرتيها، وشباب الثورة الذين حشدوا لها. ما التاريخ الذي بدأتم منه الرصد والتوثيق؟ الحقيقة اتفقنا بعد مناقشات علي أن نبدأ من يوم تنحي بن علي في تونس، علي اعتبار أنه كان الشرارة الأولي لبدء الثورة المصرية، أما نقطة التوقف فستكون عند يوم احتجاز مبارك.