حالة من الاستياء والدهشة سيطرت علي عدد كبير من المسرحيين بعد تصريحات السيد محمد علي رئيس البيت الفني للمسرح الأخيرة في المؤتمر الصحفي الذي عقده الأربعاء الماضي في مسرح السلام للإعلان عن خطته الجديدة والتي أكد فيها ضرورة فرض رقابة أخلاقية علي الأعمال المسرحية المقدمة واستشهد في ذلك بعرض «دعاء الكروان» للمخرجة كريمة بدير، و«كلام في سري» للمخرجة ريهام عبد الرازق، وقال إن هذه العروض تحتوي علي أشياء خادشة للحياء لا يصح عرضها علي مسرح الدولة، ليس هذا فحسب بل قرر أن يقرأ بنفسه جميع الأعمال التي ستعرض بمسارح الدولة حتي بعد عرضها علي لجان القراءة المنوط بها ذلك.. تصريحات رئيس البيت الفني كانت صادمة للجميع. .لدرجة أن البعض اعتبرها عودة إلي الوراء، وأن ثورة 25 يناير لم تصل بعد إلي المسرح. في البداية يتساءل الناقد المسرحي د. حسن عطية: أليست مصادفة غريبة أن تكون هذه التصريحات متزامنة مع تصريحات سامي الشريف رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون التي أكد فيها أيضاً حذف المشاهد الحميمية من الأعمال السينمائية المصرية والأجنبية المعروضة علي شاشة التليفزيون المصري ويضيف: هذه التوجهات تعتبر ردة علي المستوي الثقافي في مصر ويبدو أن الجالسين علي المقاعد حالياً يخشون من هجمة سلفية فيتسابقون من البداية علي مصادرة الفن بادعاء الأخلاق حفاظاً علي كراسيهم!! ويقول: الأعمال الفنية خاصة بعد ثورة 25 يناير لابد أن تدعو إلي تحرير المواطن وعقله ووجدانه ويجب ألا تخضع لأي سلطة كانت بما فيها سلطة الأخلاق وهذا لا يعني أن تكون الأعمال المقدمة منافية لكن يجب ألا نخلط بين الأخلاق والفن، بمعني ألا نصادر حرية الفن باسم الأخلاق كما أن المثال الذي استخدمه رئيس البيت الفني وهو عرض «كلام في سري» هذا العرض تم تقديمه في المهرجان القومي للمسرح وحصل علي جائزة وتم في المهرجان التجريبي وحصل أيضاً علي جائزة وحالياً يستعد للسفر إلي الأردن للمشاركة في مهرجان المسرح الحر ممثلاً لمصر فهو عرض قوي ولا يقل جرأة عن فيلم «سهر الليالي». ويقول: وليس من حق أي فرد أياً كان أو كانت قيمته وفكره أن يصادر علي حق الآخرين في الإبداع والحوار مع المجتمع، ومسألة قراءة رئيس البيت الفني للنصوص بنفسه وحضوره لبروفات الأعمال المقدمة أعتقد أن هذا جهد أكبر من إمكانياته الإنسانية والفكرية بجانب أن رئيس البيت الفني ليس من مهامه أن يضع بصمته علي كل عرض فلابد أن يترك الحرية لكل فرقة ومديرها في اختيار وتقديم العروض، كما أنه ليس من حق النقاد توجيه المخرجين أثناء عملهم، الناقد مهمته أن يري العمل بعد عرضه علي خشبة المسرح وينتقده فقط، لكن ما يحدث هو نوع من محاكم التفتيش علي المسرحيين وتوجيه ابداعهم فإذا كنا نتبع هذا الأسلوب مع المسرح الجامعي والمدرسي فكيف نستخدمه مع المحترفين؟! كما أبدت الناقدة الدكتورة نهاد صليحة استياءها الشديد قائلة: دائماً كنت ضد فرض الرقابة، لأنه لا يصح أن نمنح لأحد سلطة فرض قيود علي إبداع المؤلفين والمخرجين في التعامل مع المشاكل الحيوية، بالمجتمع المصري فلابد من المصارحة في كل ما يدور حولنا من مشاكل مهما كانت صادمة، لأن الفن ليس مجرد ترفيه فقط بل لابد أن يعمل علي إثارة التفكير لدي المشاهد والفنان الحقيقي يغوص دائماً في قضايا المجتمع حتي يقدم لنا رؤية شافية فليس هناك سقف للابداع، وفرض هذه الحدود يعتبر انهياراً حقيقياً للمسرح وعودة للوراء وتحويله إلي مجرد سلعة ترفيهية وتضيف: هل وظيفة السيد محمد علي رئيس للبيت الفني للمسرح أم رقيب علي الأعمال المسرحية؟!! علي الجانب الآخر، أصيب المسرحيون الشباب بحالة احتقان شديدة وكان علي رأسهم المخرج الشاب هاني عفيفي الذي قال: زمن الوصاية انتهي وما يحدث عودة للوراء، كما أنني غير مرحب بفكرة أن نكتب عبارة «للكبار فقط» علي الأعمال المسرحية لأن هذه العبارة تعطي إيحاء غريباً بأن هناك شيئاً غير لائق بالعمل وهذا غير صحيح، كما أنه لا توجد عروض مبتذلة من الأساس ولكن يبدو أنها أزمة مفتعلة ونؤكد: كنت أتمني أن أسمع منه كرئيس للبيت الفني كيفية تطوير المسرح المصري من ناحية الجوانب الفنية والتقنية وعلي سبيل المثال ضرورة إعادة إرسال بعثات للخارج واستضافة خبراء مسرحيين أجانب لمصر، لكن للأسف أقواله وأفعاله أسوأ مما كان عليه الوضع قبل الثورة. ويتساءل عفيفي: ماذا يعني إشرافه علي البروفات وقراءته للنصوص المسرحية فهل هو نصب نفسه راعي الكتاب والنقاد في العالم، أم يفترض فيه أنه شيكسبير الكتابة في مصر؟!!، مع احترامي له ولشخصه أنا نفسي لا أعرفه وكل ما أعرفه له هو عرض «الشطار» الذي سبق وعرض منذ فترة علي مسرح الغد. وتقول رشا عبدالمنعم مؤلفة عرض «دعاء الكروان»: كلمة الآداب العامة كلمة فضفاضة ولا يصح أن تكون معياراً لأي شيء، فلا يمكن الحكم علي الفن بمعايير الأخلاق والدين، وما علق عليه في «دعاء الكروان» كان مشهداً راقصاً عادياً جدًا ويعبر عن معني ما حدث في الرواية بين هنادي والمهندس في قصة معروفة، ولا يقارن المشهد المسرحي بالشكل الذي تناول به الفيلم القضية لأن الفيلم كان يحمل مشاهد معبرة أكثر، فهل نلقي بالفيلم في سلة القمامة؟! وتضيف كريمة بدير مخرجة العرض: كيف لعرض شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ولاقي استحساناً شديداً من كبار المسرحيين أن يلقي هذا الهجوم لهذا السبب فأعتقد أن ما قاله رئيس البيت الفني للمسرح مع احترامي له ليس إهانة لي، بل هي إهانة لكل المسرحيين الذين أشادوا بجودته، كما أنه عندما رأي العمل ووجد شيئًا منافيا للآداب لماذا لم يعترض وقتها ولماذا شاهد العمل كاملا، وتقول: قدمت عملاً فنيا محترمًا حاز إعجاب واحترام الجميع وما قاله السيد محمد علي مجرد إدعاء. المخرج المسرحي سمير العصفوري لخص اعتراضه قائلاً: أعتقد أن الفترة القادمة سوف نشاهد عروض المسرح في دار مناسبات «عمر مكرم» أو دار مناسبات «مصر الجديدة»!!