منذ أن بدأت العلاقة الحميمة بين القارئ وجريدة روزاليوسف في النصف الأول من القرن الماضي.. وما زالت هذه الجريدة قادرة علي إثارة الدهشة.. وخلق جسور التواصل بينها وبين جمهور القراء.. وعلي هذه الصفحة تدشن جريدة روزاليوسف اليومية تجربتها الوليدة في ارتياد فضاءات جديدة للخلق والإبداع.. وهنا الباقة الأولي من قصائد الفصحي والعامية جنبًا إلي جنب مع القصص القصيرة لكتاب وشعراء قد تكون «مساحة للإبداع» هي إحدي نوافذ الأمل لنشر الأعمال الإبداعية في الصحف اليومية وروزاليوسف ترحب بكل الأعمال الإبداعية الجديدة والواعدة علي البريد الإلكتروني للجريدة. ..... محمد بغدادى قصة : هدى عمرا ن (1) حدثته عن أحلام البراح والنوم فوق السطح الخرب، وصناعة الطائرات الملونة، عن الرغبة في الرقي، وفي البنت السمراء ذات العيون الخضراء والتي تراودني ولن أقبل من الحياة أن تدفعني دفعا للتخلي عنها قال: "القناعة كنزٌ لا يفني" ولكن لماذا يقول ذلك وقد أعطتنا الحياة نفسها بكل بساطة، هل لأنه لا يحب الحياة أم لأنه خائف ، كلامه عن زعامته الطفولية وعن شبابه المبهر لا يقول ذلك، أهو القلق الذي بدأ يراوده بعد ذلك أم أن اختفاءهم أصابه بالضيق لم يصبني سوي بالفزع، ثم اعتدت، ثم فرحت، يكفيني أن الأرض كلها لي، أجري في ميدان التحرير بملابس نومي ولا أحد يرقبني، أو يتلصص علي، آدم وحواء من جديد كيف اختفوا؟ لا أعرف ولا أريد أن أعرف، له من يحبهم هناك ، ولكني أحبه هنا، فهل يرضي؟!، القناعة كنز لا يفني... أنت من تقول ولكنه خرج وتركني وحدي، رحل ليتحسس جدران بيته القديم وعاد فرحان، يحكي عن الخبز الساخن وأمه التي كانت تضع رأسه علي حجرها وتغني له قلت له "أنا أمك"، فسكت، وفي الصبح رحل اليهم وفاتني، لو تعرف ما سببته غيبتك عني ما رحلت، لم أنكش شعري أو أجري كالمجنونة، صمتُّ، لم تكن لدي الفرصة مثل الأساطير أن ألملم أشلاءك من النهر، كنت أجري وراء مصير أنت تعرفه جيدا، وانا أنتظره، لا أعرف هل مؤلم أم قاسٍ أم ماذا؟! انتظرته في صبر وهدوء، لم تأتني في الأحلام، لم تطمئنني، ولكني انتظرت، لم أشعر بشيء سوي هذا الاحساس بالفراغ في صدري، ورؤية أسراب الذباب تحلق فوق أكوام كثيرة من القمامة ورجل بدين يجر عربة ويزعق "روبابيكيا" (2) الكل هنا يحفر في أكوام القمامة حتي يعيش، وهذا الرجل البدين هو سيد المنطقة هنا، يقولون إنه لا تفوته فائتة، الكل هنا ذاهل، يسير بلا هدف سوي هذه الأكوام ومن يتحرك بعيدا عن هذا الهدف يختفي، يكون في المنطقة الوسطي بين هنا وهناك، عندما رآني برقت عيناه فسرت في طريقي نحو جبل من القمامة أمام منزل متهدم تعلو بقاياه كلمة محفورة علي الطوب الأحمر "ما شاء..."، ثم الباقي مهدوم كانوا بجانبي يحفرون ، أعرفهم ولا أعرفهم، لم نتكلم ولم أسألهم عنه، أعرف أنه في منطقة نائية وأن عناده جعله يختفي من هنا أيضا يحفرون بهمة وذهول مخيف جعلهم أشبه بآكلي لحوم البشر في الأفلام الأمريكية، خوفي جعلني أتوقف ليس كثيرا لأن مطرقة نزلت من أعلي دكتني علي الأرض، وجعلتني أحفر بسرعة وأنا أبكي من الرهبة والألم، ولكنها دكتني مرة أخري دكة عجزت بعدها عن البكاء، فحفرت وعيني هناك علي البنت السمراء ذات العيون الخضراء والتي دفعتني الحياة دفعا للتخلي عنها، لم أرَ سواها ، كانت تقفز بفستانها الأبيض وبيدها حبل تضعه خلف ظهرها ثم تلقيه أمامها. كانت تبتسم في بهاء كأنها نور الشمس، ولكني حفرت بكل عزيمتي وفي أول يوم هنا وجدت «صندل» لبنت صغيرة، وفستاناً أزرق تعلوه نقاط بيضاء، وورود ذبلت وخرج منها الدود، وبرواز مشروخ به صورة يبدو أنها قديمة، ولكن الرجل البدين آخذ كل هذه الأشياء بدون كلمة، كان كل يوم يأخذ كل الأشياء بدون كلمة ويسير بها بعربته خلف أكوام القمامة والبيوت المتهدمة ببطء شديد، ويسير حتي يختفي ولكننا كنا نسمع صوته وهو يزعق "روبابيكيا"، يومها وهذه كانت المرة الأولي والأخيرة التفتُّ نحو العربة، فكان البرواز المشروخ ملقي بإهمال فوق الأشياء التي جمعها الرجل، وكانت البنت السمراء ذات العيون الخضراء تلبس صندلها الأبيض وفستانها الأزرق، وكانت يدها الممسكة بالورود متدلية جانبها وهي تبتسم للكاميرا في بهاء، وتلوح لي بيدها الأخري.