يبدأ الأقباط، اليوم الاثنين، الصوم الكبير، الذى يمتد ل55 يوما ينتهى بعيد القيامة، وهو مناسبة مهمة تستغلها شركات السياحة لتنظيم رحلات للقدس وقد بدأت هذه الشركات مبكرا فى الإعلان عن الرحلات فى تحد واضح لقرار الكنيسة بمنع الأقباط من زيارة القدس.. فكيف يرى المفكرون نتائج هذا القرار بعد مرور هذه السنوات على اتخاذه. فى البداية يقول الدكتور ماجد عزت، أستاذ التاريخ: تعد مدينة القدس من المدن ذات الشهرة العالمية لأنها موطن المسيح والمسيحية من الديانات التى يدين بها نحو 5 مليارات من سكان العالم، كما توجد بها كنيسة القيامة، لذلك فى كل عام قبل أحد الشعانين يزداد عدد الزائرين إليها لمتابعة نور القبر المقدس يوم سبت النور والتبارك من كل شارع ومكان مر به المسيح، والتى سميت عدة مسميات على مر الدهور تبعا للأمم والشعوب التى استوطنتها ومنها «يبوس» نسبة لليبوسيين، وأسماها الكنعانيون «أورسالم» أى مدينة السلام، وعرفها الفراعنة بهذا الاسم، وغيرها الكثير. ويضيف ماجد: على أية حال منذ إصدار قرار البابا شنودة الثالث 1971 – 2012 وهناك إجماع من قادة الكنيسة على تحريم الزيارات والتشديد والعقاب والحرمان من التناول من الأسرار المقدسة، قائلا: «من الآخر الكلام دا لا ينتمى من قريب أو بعيد للمسيحية التى عرفناها عبر تاريخها العريق، ولابد من أن تقوم الكنيسة بمراجعة قراراتها والمحرمات لا توجد محرمات بالكنيسة حتى لا نقع فى أخطاء نحن فى غنى عنها». وتابع: فنحن نرى للكنيسة الخير بالبعد عن السياسية وموضوع زيارة القدس، هناك كثيرون يريدون زيارات المواقع والشوارع التى مشى بها وتألم المسيح، لذلك نرى على الكنيسة ذاتها تشجيع ذلك لتنشيط رابطة القدس، وزيادة التواصل بين أقباط فلسطين ومصر، فضلا عن تنمية موارد الكنيسة القبطية بفلسطين، وتنشيط السياحة الدينية التى تقارب خيوط المحبة والمعرفة بين الأقباط والطوائف المسيحية الأخرى. قنوات الكنيسة تنقل الاحتفالات يقول عيد سعد، باحث: «لا حل ولا بركة» هو قانون الإرهاب والطوارئ لدى سلطة الكنيسة، وهو تعبير سائد على ألسنة رجالات الكهنوت فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتختلط فيه عدة مفاهيم بين الحل من الخطية والتأديب الكنسى والحرمانية، بينما تظل الأسئلة العالقة دون إجابات ما هى هذه «البركة» الممنوعة؟، هل زيارة القدس تعد بركة ممنوعة؟، وكيف تكون ممنوعة زيارة مكان ولادة المسيح «كنيسة المهد»، وأيضا أماكن الصلب وقبر المسيح؟، وإذا كانت الزيارة ممنوعة كيف تتناقل وسائل الاعلام المملوكة للكنيسة النور المقدس؟، ونجد أن هناك حجاجًا من الأقباط ولهم مكان؟، أم أنها مشكلة سياسية وأيضا مشكلة تبناها وظهرت فى عصر البابا شنودة الثالث لوجود خلاف مع الإخوة الأحباش حول دير السلطان المملوك الآن تحت سيطرة الكنيسة الإثيوبية؟. وتساءل: لماذا يذهب أصحاب السلطة الكهنوتية للقدس ونحن لنا مطران هناك الأنبا إبراهام؟، وكيف يعطى البابا شنودة مثل هذا القرار ويسمح لبعض المقربين بالتناول وممارسة الأسرار الكنسية؟، بينما هناك من يطبق القانون حرفى ويتم الحرمان وهناك أيضا بعض الكنائس يتم خروج رحلات منها للقدس، وكان فى السابق كنيسة رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس والتى أنشأت فى 1944، وكانت تعمل علي حفظ تراث الأقباط فى القدس ومساعدة اللاجئين منهم، فضلا عن أنها كانت تيسير إجراءات الزيارة للقدس، والمساهمة المادية فى تدعيم الكنائس والأديرة. ونوه سعد إلى أن بعض الأديرة تجرى قرعة سنوية بين الأعضاء لاختيار من يفوز بالقرعة ويذهب مجانًا إلى القدس، وتستمر حتى الآن هذه القرعة، وتعلن الربطة نتيجة القرعة على أن يذهب هؤلاء إلى القدس بعد رفع الحظر والحصار المفروض، لكن السؤال متى يرفع هذا الحصار عن الاقباط لزيارة المقدسات التى هى حق لهم فى زيارتها؟. خلط دينى سياسى يقول الكاتب باهر عادل، إن زيارة القدس من عدمه أمر يخص كل فرد على حدة، ويجب ألا تتدخل أى سلطة دينية فيه، فالإنسان حر وضمير الانسان هو الذى يرشده إلى الصواب أو الخطأ، ولا يجب أن يحكم أحد على الفرد فى حياته الخاصة أو مواقفه السياسية أو إلى أين يذهب، منوها إلى أن التدخل بالمنع من التناول أمر لا يليق ويجب يكون من الأساس، فالذهاب إلى القدس فى حين يراه البعض تطبيعًا، يراه البعض الآخر نصرة للقضية الفلسطينية، وبناء عليه يجب أن نعى أننا بإزاء قضية سياسية «نسبية» وأنه لايجوز هنا الحكم بمقاييس «مطلقة» دينية، علاوة على أنه لا يجوز التخوين السياسى أو التكفير الدينى، والخلط هنا بين الدينى والسياسى يُعتبر «تنطع» إن جاز التعبير! وأضاف باهر: هذا لا يعنى أننا ندعو الناس إلى الذهاب إلى القدس أو منعهم، والجدير بالإيضاح أن المسيحية لا تجعل أماكن لها قدسية معينة دون غيرها، ولا يوجد فى المسيحية مفهوم الحج، لكن لايمكن منع الناس «القادرين» الذين يشتاقون أن يروا الأماكن التى عاش بها المسيح ويروا قبره، ناهيك أنه يجب ألا يتحكم أحد فى رغبات الناس الطيبة باسم الوطنية أو الدين؛ ويخلط بين السلطان الزمنى والسلطان الدينى. وطنية بالإجبار يرى عادل جرجس، أن قرار البابا شنودة الثالث بمنع الأقباط من زيارة القدس وحرمان من يخالف من تناول الأسرار المقدسة كان ذلك من قبيل «صكوك الوطنية» التى كان يجمعها للمزايدة على نظام السادات، فعلاقة البابا والرئيس كانت متوترة على طول الخط وهو ما دعا البابا لاستقطاب القوى الوطنية من حوله والالتحاف بها فى مواجهة الرئيس، وهو ما ضاق به السادات ذرعًا واعتقل البابا وكل القوى الوطنية قبل قتله فى 1981 ورحل السادات وبقى البابا وصكوكه الوطنية. وأضاف: أصبح قرار منع الأقباط من زيارة القدس عيدًا قوميًا يحتفل به عبر كل وسائل الاعلام يؤكد وطنية الكنيسة ويذكر الجميع بدوره فى مواجهة الصراع العربى الإسرائيلى، لكن حقيقة الأمر لم يكن القرار ينفذ ويطبق على أرض الواقع ولا محل له من الإعراب، وخرج الأقباط من كل فج عميق إلى القدس وغضت الكنيسة البصر، فالكنيسة تعلم مدى اشتياق رعاياها إلى تلك الزيارة المقدسة واستثنت الكنيسة رجال أعمالها بحجة أن لهم أعمالاً فى إسرائيل يتوجب عليهم متابعتها فسمحت الكنيسة لأبنائها بالتطبيع الاقتصادى مع إسرائيل على الرغم من أنها تتشدد فى منع التطبيع السياحى عن طريق زيارة القدس. وقال إن القرار يأتى فى اطار استقواء الكنيسة السياسى فى مواجهة الدولة من خلال لعبة توازنات وتوزيع أدوار تتقنها الكنيسة والقرار عار على الاقباط وليس مدعاة للفخر والوطنية فالكنيسة هنا تصدر نفسها للمجتمع بأنها المؤسسة التى تسيطر وتقمع ملايين من رعاياها الخونة الذين يريدون التطبيع مع إسرائيل وتقف لهم بالمرصاد كحائط صد فى مواجهة رغباتهم، فالعقوبة الكنسية قصد بها هنا مواجهة جموح الاقباط نحو خيانة الوطن فالأقباط إذن لا يذهبون الى القدس انطلاقا من موقف وطنى جمعى، لكن خوفًا من عقوبة كنسية، فهم مجبرون هنا وليس مخيرين. ووصف القرار بأنه فشل الكنيسة على مر تاريخها فى إخراج مواطن ينتمى إلى الأرض وليس للهوى والهوس الديني، خاصة أن زيارة القدس ليست فريضة دينية لدى الأقباط، فالكنيسة بإصرارها على تنفيذ العقوبة الدينية على من يزور القدس تزايد على الأقباط والدولة، مطالبا باعادة النظر إلى زيارة الأقباط إلى القدس فى سياق الاشتياق الروحى للأقباط للتبرك بكل أثار السيد المسيح على الأرض فمن يذهب لتلك الزيارة ليست لديه أجندة للتطبيع. وتعجب جرجس من وجود الأنبا إبراهام، مطران الكنيسة فى القدس، وكهنة، ورهبان يخدمون هناك، فإن كانت الكنيسة تمنع أبناءها من الذهاب إلى القدس فأين الرعية التى يرعاها المطران والكهنة والرهبان؟، ولماذا لم تغلق الكنيسة كنيستها فى القدس وتعيد كل العاملين بها الى القاهرة إمعانا فى مقاطعة التطبيع، فلا يمكن لنا أن نستوعب أن تحرص الكنيسة على التمثيل الدينى فى إسرائيل من خلال كنيستها ومع ذلك تمنع رعاياها من الذهاب. ظرف تاريخى يعتقد القس فادى فوزى أنه بانتهاء الظرف التاريخى السابق تنتهى أهمية قرار المنع، لكن الأزمة هى أن الكنيسة تحاول إصدار قوانين وتشريعات لضمان ولاء الأقباط وبسط نفوذها ومنها عقوبات الحرمان التى تهدد المشتركين فى هذه الزيارات، ولفت: تزامنًا مع انتقال البابا شنودة والتغييرات السياسية التى حدثت على الساحة المصرية نظم عدد من المسيحيين رحلات للقدس أرى تفسيرها وقتها أنها كانت محاولة لكسر سيطرة الكنيسة فى التحكم فى أعضائها من خلال هذا القرار. ارتباك المؤسسات يقول مدحت بشاى، كاتب: الحكاية من أولها تعكس حالة ارتباك مؤسسات دولة تاهت مفاهيم قياداتها ونخبها عبر اختلاف قناعاتهم وتعريفاتهم لحقوق المواطن وواجباته.. يعنى إيه مواطنة؟ وخلط ما هو دينى بما هو سياسى وما هو أمر وطني، والانخراط فى مزايدات لقياس درجة الوطنية حالة تعالى المؤسسات الدينية وتباعد قياداتها عن أحوال أتباعها - وعليه، كان تقرير معاقبة كنسية وروحية على المواطن المسيحى المسافر بقناعة سياسية بادعاء الوطنية. وتساءل: من منا ينسى المجاهد فيصل الحسينى، القيادة الوطنية الفلسطينية البارزة فى تاريخ النضال والمقاومة الوطنية، وهو الذى نادى بدعم الأمة الإسلامية والكنيسة المصرية لتدفق زيارات حجاجهم للمقاصد الدينية المقدسة لوضع الكيان الإسرائيلى أمام مسئولياتهم الدولية نحو حق المسلم والمسيحى أيا كانت جنسيته فى الحج وممارسة طقوس عباداته، ونفس التوجه كان للمفتى الفلسطينى ولقيادات أخرى أقروا فيها بأن تلك الزيارات داعمة للحقوق الفلسطينية وتحقق مصالح مادية لأصحاب المحلات وسائقى التاكسى وغيرهم من أهالى القدسالشرقية. وأكد بشاى عيب قوى القول إن فى مصر مقدسات كثيرة وأهم من كنائس القدس، أى أمر ومكان أقدس من الأماكن التى ارتادها السيد المسيح فى أهم 3 سنين فى حياته والتى شهدت كل مراحل عمله الروحي، موعظته على الجبل ووصولا لمشهد الصلب والقيامة، قائلا: «عيب قوى مثل تلك الحكايات الخايبة»، والغريب أن الكيان الإسرائيلى يرفض زيارة الأقل عمرا من خمسين سنة، وعليه فأمر خطورة التطبيع أمر كوميدى خايب لايمكن أن ينطبق على كهول يزورون القدس لأمر روحى لمدة أيام محدودة. أمر وطنى ضد تأشيرة المحتل يقول جرجس بشرى، إعلامى: من حق أى مسيحى فى العالم بل من حق أى مسلم أن يزور المعالم الدينية المهمة ويأتى على أولوية هذه المعالم «القدس»، وهذا حق طبيعى بلا شك لأى إنسان، لكن فى ظل الأعمال الإجرامية البشعة واللا إنسانية التى يرتكبها العدو الصهيونى الغاشم بحق الفلسطينيين العزل، وفى ظل سطوة الاحتلال الإسرائيلى للمدينة المقدسة وحصارها، أرى أنه يجب أن يتضامن المسيحيون والمسلمون بل ومسيح ومسلمو العالم مع هذه القضية، والمطالبة بإزاحة الاحتلال عن المدينة المقدسة واقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى. وطالب جرجس بالسماح للأقباط بزيارة القدس شريطة ألا تكون التأشيرة إسرائيلية، لأن حينها تعنى أنها إقرار ضمنى بشرعية الاحتلال الإسرائيلى، أو أن تكون عن طريق الأردن وبالتنسيق مع السلطات الفلسطينية، وهكذا الأمر ينسحب على المسلمين الذين يريدون زيارة المسجد الاقصى، حتى وإن كان الأمر سيواجه بصعوبات، إلا أن تلك الطريقة ستعتبر بمثابة رسالة ضمنية للعالم لرفض الأقباط لمشروعية الاحتلال الإسرائيلى وتهويد المدينة المقدسة. ويرى أن زيارة الاقباط للقدس أو المسلمين دون تأشيرة إسرائيلية أمر مهم يدعم الاقتصاد الفلسطينى ويفك الحصار المالى والتجويع المفروض على الفلسطينيين العزل ويؤكد على هوية هذه المقدسات التى تسيطر عليها إسرائيل وحدها لدرجة أنه يتم منع المصلين الذين يريدون الصلاة بالمسجد الأقصى وإحكام السيطرة عليه واستباحة حرمته كل يوم.