نحن أمة «الأقوال المأثورة» و«الكلمات الخالدة» التى نتداولها وأيضًا نتوارثها جيلًا بعد جيل!! ولأننا «أمة» تعشق التطوير وترفض الجمود ولا تكتفى بما ورثته عن آبائها وأجدادها من أقوال مأثورة وكلمات خالدة نرددها عمال على بطال، بوعى أو بدون وعى، فقد نجحنا بفضل جهود رائعة فى ابتكار «قول مأثور» تسمعه دائمًا فى كل البرامج الفضائية التى تستقبل اتصالات المشاهدين، سواء كانت اتصالات حقيقية أو اتصالات مفبركة ومصطنعة يقوم بها أقارب وأصدقاء من يعملون ويقدمون البرامج. تبدأ الحكاية بابتسامة واسعة فظيعة من الست المذيعة وهى تقول لمشاهديها (المرزوعين فى البيوت أمثالى). معانا اتصال تليفونى.. اتفضل حضرتك..!! يقول المتصل أو المتصلة: ممكن أشارك معاكم!! ترد المذيعة بنفس السعادة والسرور: اتفضل أنت على الهواء!! وبعدها تردد «القول المأثور» و«الكلمة الخالدة»: أرجوك اقفل صوت التليفزيون، واسمعنا من التليفون!! وتبدأ المكالمة فى لت وعجن ورغى ثم يأتى اتصال آخر وتقول المذيعة نفس القول المأثور: أرجوك اقفل صوت التليفزيون واسمعنا من التليفون!! كم مرة قيلت هذه العبارة الخالدة ملايين المرات والمفروض أن يكون البيه المشاهد أو الهانم المشاهدة قد عرفت ذلك وسمعت هذه الجملة من قبل فى عشرات أو مئات البرامج، وفهمت أن تخفض صوت التليفزيون وتتحدث من التليفون لكن تقول لمين وتعيد لمين؟! وبعد أن ننتهى من حصة «خفض صوت التليفزيون ونتحدث من التليفون تبدأ وصلة النفاق أو المجاملة سمها ما شئت»؟! تبدأ المتصلة المشاهدة التى دفعت دم قلبها فى المكالمة بالقول: - أنا بحبك قوى!! وترد المذيعة بخجل وتواضع مصطنع: وأنا كمان بحبك قوى ربنا يخليكى ليا!! تعود المتصلة المشاهدة فى رفع نبرة المجاملة قائلة: أنت حلوة قوى وجميلة قوى!! تضع المذيعة ساقاً فوق ساق وترد بسعادة: ده من ذوقك يا حبيبتى! ثم تعود المذيعة لتسأل المتصلة: تحبى تقولى حاجة!! تقول المتصلة: لا أبدًا أنا حبيت أعبر عن إعجابى بيكى وبالبرنامج المحترم ده؟! بس أنا عندى سؤال ممكن أسأله؟! وتسمح لها المذيعة اللهلوبة بالسؤال فتقول: مشكلتى إنى لما يعمل صينية المكرونة بالبشاميل مش بتطلع كويسة!! ووسط ذهول المذيعة وضيفها ينقطع الاتصال التليفونى ثم تعود المذيعة لمواصلة حوارها مع ضيفها الناقد الأدبى وتسأله عن الحداثة وما بعد الحداثة؟! وما أكثر الأسئلة التى يتحفنا بها السادة والسيدات من المذيعين والمذيعات، ولن أحدثك أو أصدمك بأسئلة تطويل وتكبير العضو أو.. أو .. أو.. لكن هناك نوعًا جديدًا يمكن أن تقول عنه «المتصل المحترف» أو المتصلة المحترفة، فهو أو هى - لا شغلانة ولا مشغلة - لا عمل لهم سوى الاتصال بالبرامج المختلفة وهات يا إعجاب أو نفاق بمذيعة أو مذيع البرنامج، ومن فرط الإعجاب أو النفاق يعلنون عن تكوين روابط أو جروبات باسم صاحب البرنامج اعجابًا بما يقدمه فى برنامجه سواء رؤى أدبية أو سياسية أو حتى عن فن إعداد البشاميل أو عجينة «البيتفور»!! لكن أغرب وأعجب أنواع المتصلين المحترفين هم الذين يتصلون بفضائيات رابعة والشرق ومكملين وغيرها.. فالمتصل أو المتصلة هنا من فرط ثوريته يثور على نفسه، ويبدأ مكالمته بالثناء على الدور الثورى والنضالى المقاوم والممانع الذى تلعبه المحطة فى تثوير الشعب المصري، ومساهمته فى زيادة ترنح الانقلاب، وقرب سقوطه!! ولا تخلو اتصالات بعض المتصلين من فكاهة - لكنها تغيب عن بال وعقل المذيع المناضل والثورى المقاوم: فيقول أحد المتصلين إنه من استراليا ويتساءل: إحنا لينا سنة ونص، كل جمعة بنعمل مظاهرة ولسه ما حصلش حاجة، ومرسى مسجون ايه الحل؟! فيقول له المذيع ببساطة شديدة: الصبر يا أخي، فالنصر قادم قادم!! وذات مرة خرج أحد المتصلين عن النص المتفق عليه وانتقد هذه المظاهرات الهزيلة فما كان من المذيع المؤدب إلا أن شتمه وسبه واتهمه بأنه من كلاب الانقلاب وعميل للصهيونية ومدسوس من الامبريالية!! وفى إحدى المرات سأل المذيع أحد المتصلين وعلى ما يبدو فقد كان يشكو ضعفًا فى سمعه عن رأيه فى مظاهرات دعم الشرعية وهل يشارك فيها؟ فانفعل المتصل قائلًا: أيوه أنا مع الحقنة الشرجية!! فعلًا الحقنة الشرجية هى الحل والدواء الأفندية وهوانم هذه الفضائيات؟! وأخيرًا لا تنسوا الحكمة الخالدة والقول المأثور وأعظم إنجازات البلاغة الحوارية: اقفل صوت التليفزيون، واسمعنا من التليفون!! أرجوك أوعى تنسى هذه الحكمة البليغة!!