«موسم الخير» وهو الاسم الذى يطلقه المواطنون بمحافظات ومراكز وقرى صعيد مصر على موسم كسر القصب، وهو الموسم الذى بدأ أمس الأول فى احتفالية شعبية حاشدة شارك فيها الآلاف من الزراع، وعشرات من المسئولين ومن القيادات الشعبية، وسط مطالب بتحويل موسم كسر القصب إلى موسم سياحى فى اطار السعى لتنويع المنتج السياحى المصرى ووضع فعاليات جديدة على الأجندة السياحية للبلاد. وكان المحاسب محمد عبد الرحيم رئيس شركة السكر والصناعات التكاملية قد وافق على بدء موسم كسر وعصر القصب بمصانع سكر أرمنت، تمهيدا لكسر مليون و400 ألف طن من القصب ونقله إلى المصانع على مدار خمسة شهور متوالية لعصره وانتاج ما يقرب من 140 ألف طن من السكر، وبحسب ما أعلنه المهندس محمد محمود مكى رئيس مصانع سكر أرمنت بجنوب محافظة الأقصر. وكان «قطار القصب» كما يطلقون عليه فى صعيد مصر قد عاد ليشق طريقه على شريط السكك الحديدية الذى يمر بين القرى والزراعات، إيذانا بقرب تدشين الموسم الجديد لكسر القصب ونقل محصوله إلى مصانع السكر وعصره وتحويله إلى سكر وصناعات تكاملية أخرى مثل الخشب والورق والمولاس والجلسرين، وغير ذلك من صناعات ترتبط بموسم كسر القصب وعصره بمصانع السكر المصرية التى تنتشر فى مدن الأقصر وادفو ونجع حمادى وجرجا والكثير من محافظات صعيد مصر حيث تنتشر زراعات القصب التى تحتاج لدرجات حرارة مرتفعة ولا تصلح زراعته فى جنوب مصر نظرا لارتفاع درجات الحرارة بكل مدنه. ومع عودة قطار القصب، يبدأ موسم ما يسمى هنا فى صعيد مصر بموسم الخير، اذ ينتظر الزراع ثمن محصولهم السنوى من القصب لاتمام بناء بيوتهم الجديدة أو لاقامة أفراح زفاف وخطوبة لأبنائهم، كما يزيد الطلب على العمال الذين يعملون فى كسر القصب وتحميله على عربات القطار، أو مقطورات تجرها الجرارات الزراعية حاملة المحصول إلى مصانع السكر. ويبدأ موسم كسر القصب وسط أجواء من البهجة بين الصغار، والسعادة التى تغمر الكبار مع حلول موعد قطف ثمار عام مضى من الكد والتعب فى رعاية محصول القصب الذى يظل الزراع فى خدمته طوال عام كامل، والذى يعد موسم كسره وعصره موسما للخير فى كل قرى صعيد مصر التى تمتد زراعات القصب فيها من المنيا شمالاً وحتى أسوانجنوبًا، فخير القصب فى صعيد مصر للجميع لمن يملك أرضًا ويزرع قصبا، ولمن لايملكون أيضا، فالفقراء الذين لايملكون أرضا ينتظرون موسم كسر القصب لاطعام مواشيهم من «القلوح» والأجراء من العمال ينتظرونه للعمل فى تحميله وفى كسره أحيانا، أما مخلفات القصب التى تمتلئ بها الشوارع طوال موسم الكسر فيسعد بها فقراء كثر يقومون بجمعها واستخدامها فى التدفئة فى شهور الشتاء. واذا كانت زراعات القصب تستمر عاما وهى تلقى العناية والرعاية من الزراع، فان موسم كسر القصب يستمر أكثر من نصف العام، خلافا لموسم حصاد محاصيل أخرى مثل القمح الذى لا يتجاوز موسم حصاده شهرا واحدا، وعلى الرغم مما يسمى بالحزام الأمنى الذى التهم مساحات كبيرة من زراعات القصب الواقعة على الطرق السياحية والسريعة فى اطار الاحتياطات الشرطية لمكافحة الجريمة وحوادث الارهاب وحماية السياح، وعلى الرغم من زراعات الموز التى بدأت تحل محل كثير من المساحات التى كانت تزرع بالقصب فى السابق، إلا أن القصب مازال هو المحصول الأول والأكثر شعبية واحتفاء فى محافظات صعيد مصر. القصب أيضًا وزراعاته الكثيفة التى تمتد على مساحة آلاف الأفدنة فى الصعيد يعد مكانًا آمنا لاختباء المجرمين والخارجين على القانون ومكانا لمن يريد الأخذ بالثأر أو القيام بأعمال تخريبية وهو ما أدى بحسب دراسة لمركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية إلى وجود قناعة راسخة فى عقل السلطات الحكومية وأجهزتها الأمنية قبل قرابة عقدين من الزمان خاصة مع تنامى حوادث الارهاب الموجهة ضد السياح والتى كان من أشدها عنفا حادثة الدير البحرى الشهيرة غرب الأقصر فى عام 1997التى راح ضحيتها 57 سائحا وسائحة، حيث قامت أجهزة الأمن بإزالة مساحات كبيرة من زراعات القصب الواقعة على جانبى الطرق السياحية والسريعة، خشية اختباء الجماعات المسلحة بها عند تنفيذ أعمال العنف ضد الشرطة والسياح آنذاك، وذلك فيما سمى بالحزام الأمنى الذى لايزال معمولاً به حتى اليوم، كما كانت زراعات القصب ومازالت عاملا مساعدا للخارجين على القانون أمثال خط الصعيد نوفل سعد الدين وعزت حنفى وياسر الحمبولى وغيرهم.