المنهج الإلهي - في إصلاح البشرية وهدايتها إلي طريق الحق - يعتمد علي وجود القدوة التي تحول تعاليم ومبادئ الشريعة إلي سلوك عملي، فكان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - هو القدوة التي تترجم المنهج الإسلامي إلي حقيقة وواقع، قال تعالي: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» (الأحزاب:21)، ولما سئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن خلقه - صلي الله عليه وسلم - قالت: «كان خلقه القرآن»! (2)، وقال صلي الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم، لهذا كانت لنا هذه الوقفة مع الأنبياء والصحابة والرعيل الأول من النساء المسلمات لنتعلم منهم وعنهم. الفدائى الأول إنه الصحابى الجليل على بن أبى طالب -رضى الله عنه- ابن عم رسول الله، أبوه هو أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب، وأمه السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم -رضى الله عنها. ولد على -رضى الله عنه- قبل بعثة النبى بعشر سنين، وكان أصغر إخوته، وتربى فى بيت النبى، ولما نزل الوحى على رسول الله دعا عليّا إلى الإيمان بالله وحده، فأسرع -رضى الله عنه- بقبول الدعوة، ودخل فى دين الله، فكان أول من أسلم من الصبيان. ولما رآه أبو طالب يصلى مع رسول الله قال له: أى بني، ما هذا الدين الذى أنت عليه؟ فقال علي: يا أبي، آمنت برسول الله، وصدقت بما جاء به، وصليت معه لله واتبعته، فقال أبو طالب: أما إنه لم يَدْعُك إلا لخير، فالزمه. وكان رسول الله يحب عليّا، ويثنى عليه، فكان يقول له: «أنت منى وأنا منك» [البخاري]. وكان يقول له: «لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق» [مسلم]. وعندما أراد الرسول الهجرة إلى المدينة، أمر على بن أبى طالب أن ينام فى فراشه، وفى ليلة الهجرة فى جنح الظلام، تسلل مجموعة من كفار مكة، وفى يد كل واحد منهم سيف صارم حاد، وقفوا أمام باب بيت النبى ينتظرون خروجه لصلاة الفجر، ليضربوه ضربة رجل واحد، فأخبر الله نبيه بتلك المؤامرة، وأمره بالخروج من بينهم، فخرج النبى وقد أعمى الله أبصار المشركين، فألقى النبى (التراب على رءوسهم وهو يقرأ قول الله تعالى: (وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون). [يس: 9]. ولما طلعت الشمس؛ استيقظ المشركون، وهجموا على البيت، ورفعوا سيوفهم، ليضربوا النائم، فإذا بهم لا يجدونه رسول الله، وإنما هو ابن عمه على بن أبى طالب، الذى هب واقفًا فى جرأة ساخرًا من المشركين، ومحقرًا لشأنهم. وظل عليٌّ فى مكة ثلاثة أيام بعد هجرة رسول الله إلى المدينة لكى يرد الودائع، كما أمره رسول الله ، ولما هاجر وجد النبى قد آخى بين المهاجرين والأنصار، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك، ولم تؤاخ بينى وبين أحد. فقال له رسول الله: «أنت أخى فى الدنيا والآخرة» [ابن عبد البر]. وقد بشره رسول الله بالجنة، فكان أحد العشرة المبشرين بها، وقد زوجه رسول الله من ابنته فاطمة -رضى الله عنها-، وقدم عليٌّ لها مهرًا لسيدة نساء العالمين وريحانة الرسول. وعاش على -رضى الله عنه- مع زوجته فاطمة فى أمان ووفاق ومحبة، ورزقه الله منها الحسن والحسين. وذات يوم ذهب رسول الله إلى دار علم فلم يجده، فسأل عنه زوجته فاطمة الزهراء: «أين ابن عمك؟»، فقالت: فى المسجد، فذهب إليه الرسول هناك، فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وأصابه التراب فجعل الرسول يمسح التراب عن ظهره، ويقول له: «اجلس يا أبا تراب..اجلس يا أبا تراب»[البخاري]. وشهد على مع النبى جميع الغزوات، وعرف بشجاعته وبطولته، وفى يوم خيبر قال النبى: «لأعطين الراية غدًا رجلا يحبه الله ورسوله (أو قال: يحب الله ورسوله)، يفتح الله على يديه» [البخاري]. فبات الصحابة كل منهم يتمنى أن يكون هو صاحب الراية، فلما أصبح الصباح، سأل النبى عن عليّ، فقيل له: إنه يشتكى عينيه يا رسول الله، قال: «فأرسلوا إليه، فأتونى به». فلما جاء له، بصق فى عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلتم حتى يكونوا مثلنا، «أنفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» [البخاري]. ففتح الله على يديه. ولما نزل قول الله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا) [الأحزاب: 32]، دعا الرسول فاطمة وعليًا والحسن والحسين-رضى الله عنهم-فى بيت السيدة أم سلمة، وقال: «اللهمَّ إن هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا» [ابن عبد البر]. وعرف على -رضى الله عنه- بالعلم الواسع، فكانت السيدة عائشة -رضى الله عنها- إذا سئلت عن شيء قالت: اسألوا عليًّا وكان عمر كذلك. وكان عليٌّ يقول: سلوني، فوالله لا تسألونى عن شيء إلا أخبرتكم، وسلونى عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم فى سهل أم فى جبل. وكان أبو بكر وعمر فى خلافتيهما بعد وفاة رسول الله يعرفان لعلى الفضل، وقد اختاره عمر ليكون من الستة أصحاب الشورى الذين يختار منهم الخليفة، ولما استشهد عثمان-رضى الله عنه- اختير عليّ ليكون الخليفة من بعده. ولما تولى عليّ الخلافة نقل مقرها من المدينة إلى العراق، وكان -رضى الله عنه-يحرص على شئون أمته فيسير بنفسه فى الأسواق ومعه درعه (عصاه) ويأمر الناس بتقوى الله، وصدق الحديث، وحسن البيع، والوفاء بالكيل والميزان. وكان يوزع كل ما يدخل بيت المال من الأموال بين المسلمين، وقبل وفاته أمر بتوزيع كل المال، وبعد توزيعه أمر بكنس بيت المال، ثم قام فصلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة. وكان -رضى الله عنه- كثير العبادة، يقوم من الليل فيصلى ويطيل صلاته، ويقول: مالى وللدنيا، يا دنيا غرِّى غيري. وقد جاءت إليه امرأتان تسألانه، إحداهما عربية والأخرى مولاة، فأمر لك واحدة منهما بكسر من طعام وأربعين درهمًا، فأخذت المولاة الذى أعطيت وذهبت، وقالت العربية: يا أمير المؤمنين، تعطينى مثل الذى أعطيت هذه وأنا عربية وهى مولاة؟ فقال لها على -رضى الله عنه : إنى نظرت فى كتاب الله -عز وجل- فلم أر فيه فضلاً لولد إسماعيل على ولد إسحاق -عليهما الصلاة والسلام. وفى آخر خلافة على -رضى الله عنه- كانت الفتنة قد كبرت، وسادت الفوضى أرجاء واسعة من الدولة الإسلامية، فخرج ثلاثة من شباب الخوارج، وتواعدوا على قتل من ظنوا أنهم السبب المباشر فى تلك الفتن وهم علي، ومعاوية، وعمرو بن العاص، فأما معاوية وعمرو فقد نجيا، وأما عليٌّ فقد انتظره الفاسق عبد الرحمن بن ملجم، وهو خارج إلى صلاة الفجر، فتمكن منه، وأصابه فى رأسه إصابة بالغة أشرف منها على الموت، وكان ذلك فى سنة (40 ه)، وعمره آنذاك (65) سنة. ودفن بالكوفة بعد أن ظل خليفة للمسلمين خمس سنين إلا أربعة أشهر، وروى عن رسول الله ( أكثر من أربعمائة حديث، فرضى الله عنه وأرضاه.