أهم شعار يطرحه المصريون هذه الأيام هو الشعب يريد تطهير البلاد، ووفقا لهذا المطلب يريد العاملون في المحافظات إقالة 28 محافظا، و28 سكرتيرا عاما، وجميع وكلاء الوزارات ومديري المديريات في المحافظات، والعاملون في المدن يريدون إقالة 246 رئيس مدينة، و4625 رئيس قرية لأن جميعهم ومن معهم من سلطات معاونة هم من أتباع النظام السابق، والثورة أسقطت النظام لهذا يجب إسقاط كل هؤلاء المسئولين المحليين، لكن أحدا لم يطالب بتطوير الإدارة المحلية، وإصدار تشريع جديد يقضي علي المركزية العفنة، التي عطلت مصالح المواطنين وفتحت أبواب الفساد علي مصراعيها في المحليات. وشعبنا من أبنائنا الدارسين في الجامعات يريدون إقالة 18 رئيس جامعة، و418 عميد كلية، لأن النظام السابق هو من اختارهم، ومعظمهم أعضاء في الحزب الوطني الديمقراطي، ويريد الطلاب انتخاب رؤساء جامعات وعمداء كليات جدد رغم أن هذا ليس من حقهم، ولم يطرح أحد لا من الطلبة ولا من الأساتذة أفكارا لتطوير التعليم الجامعي، وإعادة الجامعات المصرية إلي لائحة أهم خمسمائة جامعة في العالم، والتي خرجت منها جميع الجامعات المصرية بلا استثناء. ويريد العاملون بقطاع الأعمال العام تغيير رؤساء تسع شركات قابضة، ونحو 300 رئيس مجلس إدارة شركة، ومن معهم من أعضاء مجالس الإدارات ورؤساء القطاعات، لكن أحدا من جيوش المطالبين بالتغيير والثورة، والتخلص من بقايا النظام القديم، لم يحرض العمال علي استمرار الإنتاج، ويقول لهم إن توقفهم عن العمل يؤدي إلي أزمة اقتصادية طاحنة قد لا تستطيع معها الدولة صرف مرتبات العاملين بتلك الشركات. ولم يقل لنا أحد من جيوش العاملين المطالبين بالتغيير في قطاع الأعمال العام، كيف نتعامل مع هذا القطاع في المستقبل، هل نستمر في خطط الخصخصة وبأي آليات، أم تحتفظ الدولة بهذه الشركات، وفي هذه الحالة ما هي الخطط المفروضة لتطوير الإدارة وتحويل معظم تلك الشركات من خاسرة إلي رابحة. وفي عدد غير قليل من مدارس مصر البالغ عددها نحو 40 ألف مدرسة، لا يريد التلاميذ والمدرسون نظار ومديري تلك المدارس ويريدون تغييرهم، وتغيير وزير التعليم إن أمكن، ويريدون تقليل المناهج، وتسهيل الامتحانات، وغيرها من المطالب، لكن أحدا لم يفكر في تطوير التعليم، وإخراج التعليم في مصر من نفق الجهل الذي يقبع به منذ سنوات حتي تحول إلي نظام لا يفوقه في الفشل أي نظام تعليمي آخر في العالم. مشاكلنا في مصر الجديدة أكبر من أن تعد أو تحصي، ليس علي رأسها إخراج عشرات الآلاف من كبار الموظفين من مناصبهم، وإنما السياسة العامة التي يجب أن يتفرغ الجميع لوضعها الآن، والإجابة علي عدد من الأسئلة الصعبة التي لم يتوقف أحد للإجابة عليها وعلي رأسها شكل الحكم في الدولة، وطبيعة النظام الاقتصادي، وعلاقة المحافظات بالعاصمة، بما في ذلك شكل ونوعية الإدارة المحلية، وكيف نمضي إلي تطوير حقيقي للتعليم، وكيف نعيد نشر الثقافة بين الناس، خاصة أن الأمية بأنواعها أصبحت منتشرة في هذا البلد، بداية من أمية القراءة والكتابة، وحتي الأمية الثقافية، وما هي المشاريع التي يجب علينا انتهاجها للتخلص من الفقر الذي ينهش عظام أكثر من 40% من المصريين. اليوم الشعب يريد تطهير البلاد، وهذا حقه، لكن ما هي آلياته، ومتي تتم عملية التطهير، لأنني أخشي أن ننتقل من الشعب يريد تطهير البلاد إلي الشعب يريد القضاء علي البلاد.