بقلم : جورج فريدمان بدأت الحرب الليبية الآن وعلي أساسها تكون نوع من الائتلاف بين القوي الأوروبية والولاياتالمتحدة وبين عدد من الدول العربية والمتمردين في ليبيا ضد الحكومة الليبية والهدف من ذلك الائتلاف غير معلن لكنه معروف جيدا وهو تغيير النظام وإسقاط حكومة الزعيم الليبي معمر القذافي واستبداله بنظام جديد يتمحور حول المتمردين. والمهمة أوضح من الاستراتيجية ويبدو أن الاستراتيجية لا يمكن تحديدها بسهولة، فقد تكون الاستراتيجية الأفضل هي فرض منطقة حظر جوي أو فرض منطقة حظر جوي مع إطلاق الهجمات ضد مراكز القيادة والسيطرة في ليبيا أو كلا الخيارين مع إضافة الهجمات البرية المباشرة علي قوات القذافي وقد يكون ذلك مجتمعا مع غزو واحتلال ليبيا. والكلام هنا ليس عن المهمة ولكن عن الاستراتيجية التي يجب إتباعها وعن مدي تأثير التحالف، أو علي الأقل بعض أعضائه، علي الوضع برمته وقدرته علي تغيير النظام ومعالجة الآثار المترتبة علي ذلك بالإضافة إلي التركيز علي معرفة طاقة الاستعداد للقتال والموارد التي يمكن تقديمها من أجله مع الوضع في الاعتبار أن الاحتلال في العراق وأفغانستان بات مركز الحرب وكان تغيير النظام هو الفصل الأول فقط ومن الممكن ألا يكون التحالف قد حسم قراره بشأن الاستراتيجية المتبعة بعد وقد لا يكون هناك اتفاق لكن دعونا أولا ننظر في المراحل الأولي من الحرب بغض النظر عن مدي استعداد التحالف للانخراط في هذه المهمة. ومثل الحروب السابقة منذ عام 1991، بدأت هذه الحرب بفكرة واحدة عامة يعرف الشركاء إطارها الأساسي ويطلبون الدعم الدولي وتفويض المنظمات متعددة الجنسية وقوات التعبئة، وقد تم ذلك علنا لأن تكلفة السرية - المتمثلة في زيادة الوقت وارتفاع نسبة الفشل - أكبر من عائدها المتمثل في المفاجأة - فالمفاجأة مطلوبة في حال إمكانية حشد العدو للمقاومة، لكن القذافي محاصر وقدراته العسكرية محدودة لذلك لا يوجد لزوم للسرية. وبينما يحدث ذلك وقبل اتخاذ القرارات النهائية، أدرجت قوات العمليات الخاصة في ليبيا في مهمتين الأولي هي؛ إجراء الاتصالات مع قوات المتمردين لإعدادهم للخطوات القادمة وخلق قنوات اتصال ودعم لوجيستي وخلق إطار سياسي لما بعد الحرب والثانية بهدف معرفة الأهداف ولعمليات الاستطلاع التي توفر المعلومات الحديثة قدر الإمكان هذا بجانب الاستطلاع الجوي والفضائي اللازمين في الحرب ومن المعروف أن القوات الجوية الخاصة البريطانية كانت تعمل في ليبيا وقد تكون هناك عناصر أخري مساعدة هذا غير العناصر الاستخباراتية غير المعروفة. وتبدأ الحرب بنوعين من الهجمات، الأول هو؛ هجمات قطع الرأس والمصممة من أجل تدمير وعزل هيكل القيادة الوطنية وقد تتضمنها ضربات لقتل الزعماء مثل القذافي وأبنائه وكبار القادة الآخرين وغالبا ما تعتمد هذه الهجمات علي المعلومات الاستخباراتية بما في ذلك الاتصالات والتخطيطات مع المعلومات المفصلة عن مواقع مراكز القيادة وفيها يتم تنفيذ الهجمات علي المباني عن طريق الجو وليس بالضرورة أن يكون الهجوم بصواريخ الكروز التي تكون أكثر دقة مع الأهداف بطيئة الحركة، والمباني لا حركة لها من الأساس، ولكن عن طريق الطائرات التي تدور خارج نطاق الدفاعات الجوية في انتظار معلومات أكثر دقة عن الأهداف وفي حال تأكدها من الهدف تدخل النطاق وتضرب مباشرة عليه، ونوع الطائرات المستخدمة يعتمد علي متانة الدفاعات الجوية والوقت المتاح قبل الهجوم وتوافر الذخائر اللازمة، وتتراوح المقاتلات هنا ما بين المقاتلات التقليدية وطائرات ستيلث الاستراتيجية مثل يو إس بي - 2 ،إذا سمحت الولاياتالمتحدة باستخدامها، وقد تكون هناك قوات من العمليات الخاصة علي الأرض من أجل تحديد الأهداف لاستخدام الذخائر الموجهة بالليزر والتي تكون دقيقة لكنها تحتاج لإنارة. وفي الوقت نفسه مع وجود تلك الهجمات تكون هناك هجمات أخري علي المطارات ومستودعات تخزين الوقود تستهدف سلاح الجو الليبي بالإضافة إلي الهجمات بصواريخ الكروز علي مواقع الرادارات ومواقع قواعد صواريخ «السام أرض/ جو» وسيتم استخدام طائرة (وايلد ويزل) - المصممة لقمع الدفاعات الجوية - لتحديد وتدمير المزيد من المواقع المتحركة لصواريخ سام، وهنا يأتي الجزء المعقد من الصراع الذي هو أن تكون هدفاً متحركاً وتحدد أهدافا علي الأرض لأن تلك العمليات تعتمد علي الإدراك البصري أكثر من أي شيء آخر، لذا فإن القضاء التام علي الأنظمة المضادة للصواريخ أمر بيد الليبيين، فبين الأنظمة المتنقلة وصواريخ الدفاع الجوي المحمولة يدويا يكمن التهديد المضاد لقوات التحالف التي من الممكن أن تتعرض طائراتها للهجوم حتي ولو وجدت قوات القذافي صعوبة في إطلاق النار علي أي هدف. والهجوم الجوي هو الجزء الذي تبرع فيه الولاياتالمتحدة والغرب بشكل عام لكن تلك هي بداية الحرب فقدرات القذافي الأساسية تكمن في الدروع التقليدية والمدفعية الخاصة وتدمير قواته الجوية وعزلها لن يكون معناه الانتصار في الحرب، فالحرب هي التي علي الأرض، ويكون السؤال في تلك النقطة عن دوافع قواته، فإذا أدركوا أن الاستسلام غير مقبول أو كارثي فإنهم قد يستمرون في القتال وفي هذه الحالة علي التحالف أن يقرر ما إذا كان يعتزم تدمير قوات القذافي البرية عن طريق الجو، وهو أمر ممكن القيام به لكن النتائج تكون غير دقيقة كما أنه أمر مقلق لأنه في هذه المرحلة يبدأ سقوط ضحايا من المدنيين وهنا تأتي المفارقة فالحرب التي تقوم لإنهاء معاناة إنسانية لا تنجح دون التسبب في حدوث معاناة إنسانية أخري وعند هذه النقطة يصبح المؤيدون للحرب يريدون وضع حد للمعاناة التي لا تتم بدون تكلفة، ولنتذكر فقد كان صدام حسين مكروها علي المستوي العالمي ولكن من الذي رغب في دفع ثمن الإطاحة به عن الحكم، والأوروبيون حساسون تجاه هذه القضية بالذات. ويصبح السؤال؛ إلي أي مدي ستكون هذه العملية جوية، وهل سيكون الأمر كما كان عليه في كوسوفو أم ستصبح الهجمات برية؟، فقد كان الأمر في كوسوفو مثاليا لكن القذافي ليس سلوبودان ميلوسوفيتش كما أنه لا يشعر أنه يوجد مكان يمكن أن يذهب إليه إذا استسلم، فالحرب بالنسبة له قد تكون معركة وجودية في حين أن الأمر لم يكن كذلك لميلوسوفيتش، وأتباعه قد يستمرون في المقاومة وهذا هو الأمر الذي لا يمكن تحديده، ويبقي الخيار في الحفاظ علي العمليات الجوية لفترة طويلة من دون غزو، وهنا يطرح سؤال آخر وهو من سيقوم بالغزو الأرضي، وتبدو القوات العربيه مناسبة الا ان هذا لن يبدو عملا تحريريا ، ومن الممكن أن يقوم الأوروبيون بالأمر فلا أتوقع أن يوافق أوباما علي إدخال بلاده في حرب مع بلد إسلامية ثالثة، وهنا يكمن الاختبار الحقيقي لقوات التحالف. وإذا كان هناك غزو ونجح يصبح السؤال عن الخطوة التي ستتخذها قوات القذافي وهل ستنتقل للمعارضة، فالأمر قد يعتمد علي السلوك لكن الروح المعنوية أيضا تكون فارقة، فقد أوجد الأمريكيون التمرد في العراق عن طريق وضع البعثيين في موقف لا يحسدواً عليه، أما الأفغان فقد سلموا السلطة الرسمية دون أن يهزموا بشكل كامل ثم أعادوا تنظيم صفوفهم واستجابة القذافي ورد فعله أمر غير متوقع. والمشكلة في العراق لم تكن في قوات العمليات الخاصة ولم تكن في ضربات قطع الرأس أو الضربات الجوية أو حتي البرية لكن كانت الصعوبة في قدرة الطرف الآخر علي إحداث تمرد ضد الولاياتالمتحدة، لذا فإن النجاح في الأيام القادمة لن يعني شيئا حتي إذا أستسلم القذافي أو قتل، فقد اتخذ القرار بأن المهمة هي تغيير النظام في ليبيا والتسلسل الاستراتيجي هو تراكم روتيني للحرب منذ 1991، لكن هذه المرة فإن العنصر الأوروبي أثقل وستسير الأيام الأولي بشكل جيد للغاية لكنها لن تحدد نجاح الحرب من عدمه وستكون القرارات السياسية صعبة لكنها يجب أن تؤخذ وسنعرف ما إذا كانت الاستراتيجية والمهمة قد أنجزا علي الوجه الأفضل. نقلا عن موقع ستراتفور ترجمة أمنية الصناديلي