مثل أي موقع في مصر.. أي موقع كلمة دقيقة جدًا.. وجدت بين شباب المحررين في «روزاليوسف» بعضًا من ثوار ميدان التحرير.. بعض الزملاء قضي أيامًا طويلة في الشارع.. متحمسا.. وممتلئا بنداءات الجيل الجديد.. وبعضهم شارك لبعض الوقت.. وبعضهم عبأ نفسه برسالة 25 يناير العريضة والأكبر: التغيير . عند بدء الأحداث، تحديدًا يوم 25 يناير الماضي ، وفي الساعة الرابعة عصرا، طلبت من كل رؤساء الأقسام المختصين سحب كل المحررين من الشارع.. خوفًا علي سلامتهم.. قلت إن موعد الطبع قد دهمنا.. الأحداث التالية لن تجد لها موقعًا الآن علي صفحات الجريدة سوف نغطيها بطريقة أخري.. واستشرافي أن الأوضاع لن تكون طيبة.. أبلغوا زملاءكم أن عليهم أن يحرصوا علي سلامتهم . بعد هذه (التعليمة) بحوالي عشر ساعات اتصل بي ثلاثة زملاء من داخل سيارة ترحيلات للأمن المركزي .(أيمن عبدالمجيد وسعد حسين وباسم أبو العباس).. رئيس القسم السياسي ومندوب «روزاليوسف» في وزارة الداخلية ومحرر متدرب بقسم الاقتصاد.. ألقي القبض عليهم.. كلمني المتدرب وهو ابن زميلنا في الأهرام أبوالعباس محمد.. الزميلان الآخران كانا في حالة خجل لأنهما خالفا تنبيهاتي.. ويفترض فيهما أنهما في موقع مسئولية.. أجريت اتصالات مطولة حتي الخامسة فجراً.. عندها تمكنت بمعاونة ضباط شرفاء من الإفراج عنهم في صباح 26 يناير.. كانوا جميعا محتجزين في قسم السلام . اتصلوا بي.. قال أحدهم: لا نريد أن نخرج!! قلت: لماذا يا ابني؟.. قالوا إن الأستاذ ناصر كامل زميلنا ألقي القبض عليه.. وهو موجود بالحجز.. ومصاب بطلق خرطوش ..والشظايا تتناثر في ظهره. وناصر كامل صديق قديم.. مخرج مسرحي.. وصحفي.. عملنا سويا سنوات طويلة مابين صفحات جريدة الراي الكويتية و«روزاليوسف» اليومية.. وهو له طريقة خاصة في التعامل مع الشباب.. وارتبط الكثيرون منهم به قبل أن يغادرنا إلي موقع آخر.. هاتفته عن طريق تليفون أحد الزملاء..اطمأننت عليه.. وبدأت أجري اتصالات مجددة لمحاولة الإفراج عنه.. وقد رد علي وساطتي بعض الضباط الشرفاء بأنه لا يمكن الإفراج عنه.. لأنه مصاب.. وحالته لا يمكن تخطيها إلا بعد أن يتم فحصه صحيا..خشية أن يقع له شيء. بقي ناصر حبيسًا قيد الفحص الصحي والأمني نحو ثلاثة أيام. . ولاحقني زميلي إيهاب كامل مساعد مدير التحرير باتصالات من أسرة ناصر.. فهو مرتبط بهم عائليا منذ زمن .. شقيقاته الطبيبات سمعن عن الإفراج عن أشخاص وهو لم يصل إلي البيت . تابعت الأمر بإصرار.. وتثاقلت علي معارف كثر لم يكونوا في حالة طيبة ولديهم مهام أخري.. لكنهم ساعدوني إلي أن قال لي إيهاب إن ناصر قد عاد إلي البيت وفي حالة معقولة. يوم الأربعاء 26 يناير أصدرت تنبيها خطيا للزملاء.. في الأحوال العادية أتوقع من كل المحررين أيا ما كانت اختصاصاتهم أن يقوموا بما يريدون بمبادرة شخصية منهم.. فما بالك والبلد في حالة مائجة.. من ثم قلت لزملائي: يرجي من الجميع الالتزام بعدم القيام بمهام صحفية في الشارع لتغطية الأحداث إلا من خلال تعليمات محددة للمحررين المختصين وبناء علي تكليف شخصي من رئيس التحرير أو مدير التحرير.. ويحظر تمامًا خروج المحررين المتدربين لتغطية هذه الأحداث تحت أي بند وبأي تكليف. كان القصد هو أن أسيطر علي الحماية.. بحيث لا أجد نفسي كل ليلة ساعيا للإفراج عن عدد جديد من الزملاء.. جزء من مهمتي أن أحمي أمن زملائي.. فلا أدفع بهم إلي التهلكة.. لاسيما أنني لست ممن يحبون بناء السمعة علي أساس ادعاء البطولة..حتي لو كان لها ما يبررها.. أن يقضي زميل لي ساعتين في أي حجز يعاني أهله من اللهفة عليه، أمر أخطر بكثير من أن نكتب خبرا ونقول إنه قد قبض عليه. مضيت في تعميم هذه التعليمات خصوصا أنني أدركت أنه لن يكون هناك من يمكن الاتصال به في الداخلية ..ليس لأنني توقعت هذه الكارثة الأمنية التي وقعت فعلا.. ولكن لأنني تحسبت أن الأيام المقبلة سوف تستنفد كل وقت وجهد لدي الضباط ولن يكون متاحا أن نتثاقل عليهم.. ونطلب منهم الإفراج عن محرر هنا أو هناك . لكن عددا من الزملاء خرج إلي الشوارع مشاركًا في الأحداث وهو ما لم أعتبره وقتها مخالفة لتعليماتي. . الموقف السياسي ملك لصاحبه والتصرف المهني شيء مختلف. ونكمل غدًا. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]