سعدت كثيراً بقرار اللواء محمود وجدي (وزير الداخلية في حكومة د. أحمد شفيق الانتقالية) بعودة شعار الشرطة القديم (الشرطة في خدمة الشعب).. هذا الشعار الذي صدرت قبل ذلك عدة أحكام قضائية بعودته.. لدرجة أن هناك قراراً أصدرته المحكمة الإدارية العليا في بداية شهر يوليو سنة 2006 كحكم نهائي لإلزام وزارة الداخلية بإلغاء شعارها (الشرطة والشعب في خدمة الوطن)، وإلزامها بالعودة إلي الشعار القديم (الشرطة في خدمة الشعب).. حيث أكدت الدعوي التي رفعها أحد المحامين علي عدم دستورية الشعار القديم. ولم ينفذ رغم ذلك. رغم أنه لا ينتقص في ظني من قدر المجتمع لجهاز الشرطة واحترامها له أن يعود الشعار الأصلي لها بأي حال من الأحوال. إن أهمية مثل تلك الأحكام.. في أنها كانت تمثل محاولات ومبادرات إيجابية لإعادة صياغة العلاقة بين رجل الشرطة وهو الممثل للجهاز الأمني ككل ورجل الشارع، وإعادة الثقة بينهما. وهو ما يترتب عليه التأكيد علي أن رجل الشرطة هو مواطن مصري يمكن أن تتم محاسبته في حالة ارتكابه خطأ ما. لأن رجل الشرطة في نهاية المطاف بداية من المجند إلي وزير الداخلية نفسه تحت مظلة القانون، وليسوا من خارجه. بكل تأكيد، فإن رجال الشرطة يمثلون صمام الآمان للمجتمع؛ غير أن هذه النظرة لن تكتمل إلا بالاقتناع التام من رجل الشارع بذلك. وأعتقد أن المجتمع المصري كان في أمس الحاجة إلي العودة إلي شعار (الشرطة في خدمة الشعب) علي اعتبار أن الشرطة هي من أبناء هذا الشعب، كما أن الشعب هو الذي يمنح الشرطة شرعيتها من خلال تنفيذ القانون. أعتقد أنه من المفيد.. أن يصدر اللواء محمود وجدي (وزير الداخلية) قراراً مباشراً بمنع التعذيب داخل أقسام الشرطة وداخل السجون. كما يصدر قراراته بفتح تحقيقات موسعة في ملف التعذيب الذي طالما أساء لمصر في الداخل والخارج.. خاصة أن هذا الملف كان يمثل القضية الرئيسية لكافة التقارير الدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان المصري. وربما يأتي في مقدمتها تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان نفسه، والذي كثيراً ما أدان استمرار اعتقال العديد من المواطنين المصريين دون محاكمة قانونية، واستمرار الحبس الاحتياطي، وممارسة التعذيب داخل أقسام الشرطة علي نطاق واسع. لقد بات الأمر، وكأن التعذيب في مصر قد أصبح ظاهرة منهجية منظمة، وهي ظاهرة كانت تمارسها وزارة الداخلية كأداة تأديبية وعقابية لقطاعات واسعة من المواطنين المصريين. وللأسف الشديد، لم تقتصر هذه الانتهاكات علي من تثبت التحريات قيامه بجريمة ما. بل امتدت القائمة لتشمل المشتبه فيهم أيضاً. وهي تصرفات تتحملها وزارة الداخلية ككل، لأن التصرفات الفردية التي يتجاوز فيها البعض من رجال الشرطة اختصاصهم.. قد أصبحت من الظواهر الأساسية في علاقة الشرطة بالمواطن المصري العادي. ولكن رغم كل ما سبق، فإن تولي اللواء محمود وجدي، وقراراته المتتالية بداية من عودة شعار الشرطة الأصلي، وتعديل دخلهم المادي، وقراراته باستبعاد بعض الشخصيات التقليدية.. هو بداية الطريق لعلاقة منضبطة بين رجل الشرطة والمواطن المصري.. وهو ما يحتاج إلي مبادرات من الجانبين.. خاصة بعد مظاهرات بعض رجال الأمن، واعتراضهم علي سياسات وزارة الداخلية سابقاً.