في مسرحية "عالم أقزام" التي يعرضها المسرح القومي للطفل علي مسرح عبد المنعم مدبولي حالياً تبدو مفردات الصراع العربي - الإسرائيلي في غاية الوضوح، فمملكة الأقزام تمثل إسرائيل، ومملكة الطيبين هي العرب، والمدينةالبيضاء الساحرة إشارة للبيت الأبيض، ومجلس المدن والغابات هو مجلس الأمن. وتحكي المسرحية أن ملك مملكة الأقزام بالتعاون مع ممثل المدينةالبيضاء تآمرا لسرقة وثيقة ملكية مملكة الطيبين، واستوليا عليها تحت جنح الظلام، وتحول أهلها إلي لاجئين، فخرج ابن الملك لإعادة الحق لأصحابه، حيث يلتقي مع ابنة ملك مملكة الأقزام تلك الشابة الجميلة التي ترفض الظلم، ولا تقر ما قام به أهلها وتأمل في إعادة الحق لأصحابه والعيش في سلام، وبعد أن ينجح الأمير والأميرة في إعادة وثيقة الملكية يتدخل مندوب المدينةالبيضاء ويبرم سلاماً بين المملكتين تحت رعايته وضماناته. السياق العام للنص المسرحي قد لا يثير خلافا كبيرا، لكن المشكلة في التفاصيل الصغيرة التي تمتلئ بها المسرحية التي تقدم للأطفال، فملك مملكة الأقزام التي سرقت أرضنا شخص مرح ولطيف جدا، لا يتوقف عن انتزاع الضحكات من الأطفال مما يخلق انطباعا مباشرا مفاده أن العدو شخص لطيف جدا فلماذا نعاديه؟ ويمتد هذا السياق المختل، إلي اختيار الأقزام ليكونوا معاونين لملك الأقزام، ومعروف أن الأطفال يميلون ويحبون الأقزام ويتعاطفون معهم، ليس من باب الشفقة، ولكن لأن الطفل الذي يشعر بصغره، يتعاطف دائما مع كل ما هو صغير، وبالتالي فكل طفل يشاهد هذه المسرحية لا يخرج فقط بانطباعات إيجابية عن ملك مملكة الأقزام، وإنما مع شعبها أيضا الذي يمتاز بطيبة وصغر حجم يدعو للتعاطف إضافة إلي خفة دم.. ما يعني أن الرسالة النهائية التي تصل إلي الأطفال أن من سرق أرضنا شخص لطيف يجب أن نتعاطف معه، وهو أمر يخالف الواقع الذي يجب أن يعيه أطفالنا جيدا. الكتابة للأطفال أصعب عمل يمكن أن يقوم به شخص ما، فهو يجب أن يكون دارسا ليس فقط لتقنيات الكتابة المسرحية، وإنما لعلم نفس الأطفال وللتاريخ والسياسة، حتي لا يسهم ولو دون وعي في ترسيخ مفاهيم خاطئة تؤدي إلي تغيير وتشويه مبادئ أهم صراع في المنطقة مستمر منذ ما يقرب من مائة عام أدي إلي إزهاق أرواح مئات الآلاف من العرب لتحقيق الحلم الصهيوني في إيجاد وطن بديل لليهود. وهذا يدعوني للمقارنة بين فيلم "الأسد الملك" الذي أنتجته ديزني لاند قبل سنوات، وهو فيلم رسوم متحركة قائم علي قصة هاملت للأديب الإنجليزي العظيم ويليام شكسبير، لكن الصراع فيه بين الخير والشر واضح، وهو ينتهي بمقتل الأسد الشرير سكار والضباع الذين ساعدوه وجلائهم عن الأرض التي احتلوها.. وقد تحول هذا الفيلم إلي إحدي الآليات المهمة لدي الإسرائيليين والأمريكيين لشرح طبيعة الصراع في المنطقة ف«سيمبا» الأسد الطيب الذي أعاد بناء مملكة والده هو تعبير عن إسرائيل والأسد الشرير ومن معه من الضباع هم العرب. وحين أقارن بين ما نقدمه لأطفالنا في هذه المسرحية، وبين ما يقوله الأمريكيون والإسرائيليون لأولادهم عن الصراع العربي - الإسرائيلي، أجد في الجانب الآخر رسالة شديدة الوضوح قائمة علي أن الآخر، أي نحن، نمثل الشر، بينما في هذه المسرحية الآخر، أي إسرائيل، شعب من الطيبين. ولا أعرف كيف يسمح وزير الثقافة فاروق حسني بعرض مسرحية تدعو أطفالنا إلي التطبيع المجاني، وهو شخصيا لم يستطع الفوز بمنصب مدير عام اليونسكو بسبب معارضة إسرائيل، ليس لشخصه، وإنما لأنه مصري عربي أي الآخر الشرير!