حين بدأ الزعيم الصيني الكبير "وينج زياو بنج" قبل ثلاثين عاماً عملية الإصلاح الكبري التي قادت الصين إلي ما هي عليه اليوم.. كواحدة من أكبر اقتصاديات العالم.. بعد أن كان لها اقتصاد (محطم ومتضعضع).. فإنه قال لكي يبرر التحول الاقتصادي في ظل الحكم الشيوعي إلي رأسمالية السوق: (ليس مهما ما هو لون القط ولكن المهم أن يأكل الفار). لقد أعجبت هذه العبارة الكثيرين، وقبلوا بها منهاجًا لتحول دراماتيكي في الصين.. ولكن الكثيرين في الغرب والولاياتالمتحدة ينسون أن نفس العبارة تنطبق علي المقاييس التي يستخدمونها حين يطبقون علي الصين معايير الديمقراطية الغربية.. ويتهمونها بأنها غير ديمقراطية وتقف ضد حقوق الإنسان. الصين بعدد سكانها المهول تركب الآن صاروخاً بسرعة الضوء.. وقد أدهشني الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار حين عاد من زيارة إلي هناك قبل أيام ليقول إن الصين التي كانت في عام 2006 - موعد آخر زيارة للصين قام بها السيد الوزير.. وبالصدفة كنت موجوداً خلالها - تختلف كثيراً عما هي عليه الآن.. تنطلق بسرعة مذهلة. علي الهامش هنا أذكر أن بيننا وبين الصين تعاوناً وثيقاً يبدو أنه ينمو.. ومحمود محيي الدين نفسه يتولي ملفاً مهماً بخصوص عمليات تنمية الاستثمار بالتعاون مع الصين في منطقة شمال غرب خليج السويس.. وسيكون بيننا نشاط كبير في نوفمبر المقبل حين يزور رئيسها مصر في رحلة رسمية.. قبل أن تنعقد في القاهرة وقائع مؤتمر الصين- أفريقيا الذي تستضيفه مصر.. وفق ما هو مقرر في زيارة قام بها الرئيس مبارك إلي بكين قبل ثلاث سنوات وحضر المؤتمر الأول للصين وأفريقيا. نعود إلي الغرض الأساسي.. وهو أن هناك لغزاً كبيراً يلاحق عقول العالم يريدون به أن يفسروا كيف تحقق الصين كل هذا التطور - مع العلم بأنها تصف نفسها حتي الآن بأنها دولة نامية - وتلك معضلة يناقشها الكتَّاب والمفكرون إلي أن دخل علي الخط قبل أيام في مقال بجريدة الهيرالد تربيون مفكر صيني اسمه تشانج وي وي - ليس هناك خطأ: وي وي . (وي وي) كتب عن ثماني أفكار كبيرة تؤمن بها الصين.. قال إنها سر تقدمها المدهش الآن.. وحين قرأتها أي تلك الأفكار فإنني شعرت كما لو أنني أقرأ أمراًً يخص مصر أو يجب أن يخصها.. وهي كما يلي: - الواقعية قبل الأيديولوجيا.. أي الإيمان بقدرة حقائق الواقع علي أن تشكل التغيير ومبرراته.. وبحيث تكون أقوي من أي شعار. ومن ثم فإن تلك الواقعية هي التي حددت طرق التنمية اعتماداً علي التحديث والمحاسبة.. قبل أي برنامج سياسي مقيد. - المهم الشعب.. أي تلبية احتياجاته بأي طريقة.. وبكل السبل.. وهذا هو السبب الذي يري (وي وي) أنه أدي إلي نقل 400 مليون نسمة من الفقر إلي التشبع الاجتماعي.. طبعاً الصين تصر علي أن لديها 600 مليون فقير آخرين.. يجعلونها بين الدول النامية حتي الآن . ومن ثم تروج الصين لمعني مختلف لحقوق الإنسان.. لا يقتصر علي الحقوق المدنية والسياسية وإنما التركيز علي الحقوق الاجتماعية . - التفكير الشامل وتحديد الأولويات من خلال هذا التفكير . - الحكومة ضرورة ودورها أساسي.. ولا يمكن الاستغناء عن سلطتها.. فالصين لم تهدم الدولة فانهارت جغرافيتها كما فعل جورباتشوف في الاتحاد السوفيتي وهي لا تري أن الدولة شر لابد منه كما تؤمن الولاياتالمتحدة.. هذه الدولة الصينية القوية هي التي تفرض برامج التحديث علي كل الأقاليم . - الإدارة الجيدة أهم من الديمقراطية في صورتها الغربية.. المهم أن تتحقق الأهداف.. وجوهر الحكم الصالح هو تحقيق التطور. - تطبيق معايير الأداء علي النخبة السياسية.. والتحقق من أنها تقوم بدورين أساسيين الأول هو معالجة مشكلة الفقر والثاني تحقيق النمو.. بخلاف المحافظة علي البيئة . - التعليم الانتقائي الذي يحقق أهداف المجتمع خصوصاً فيما يتعلق بالتطوير التكنولوجي وإتمام عمليات التحديث. - التنوع المنسجم القادر علي استيعاب كل تلك القوميات والعرقيات في مختلف أقاليم الصين وبحيث تحافظ الدولة علي وحدتها باعتبارها دولة هائلة جغرافياً واقتصادياً وسكانياً. أعتقد أن هذا كلام ضروري لنا بدورنا. الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net البريد الإليكتروني: [email protected]