يقول المثل "الكذب ملوش رجلين" وتلك في إشارة إلي أن المخادع مصيره السقوط مهما طالت فترة قوته ونجاحه في إخفاء حقيقته القائمة علي الأكاذيب والفساد، هذا ما ينطبق علي السويسري جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، الرجل العجوز الفائز في انتخابات الرئاسة الأخيرة بولاية جديدة مدتها 4 سنوات لعام 2019 علي حساب منافسة العربي الأمير علي بن الحسين، لكن بعد ساعات قليلة من اعلان فوزه وقف أمام كاميرا وسائل الإعلام العالمية ليعلن التنحي عن منصبه والدعوة لاجتماع استثنائي لإقامة انتخابات جديدة. جاء في بيان بلاتر "لا أشعر بأن لدي تفويضا من كل عالم كرة القدم - الجماهير، اللاعبون، الأندية، الأشخاص الذي يعيشون ويتنفسون ويحبون كرة القدم مثلما نحبها في الفيفا، لذلك قررت التخلي عن تفويضي في اجتماع غير عادي للجمعية العمومية" يحاول بلاتر من خلال البيان الإيحاء بأنه استسلم للضغوط ضده، وأنه اقتنع بضرورة رحيله الآن بعد الهجوم عليه بسبب انتشار رائحة الفساد في الكثير من لجان الفيفا خلال فترة رئاسته التي بلغت 17 عاما، لكن هناك معلومات شبه مؤكدة تتحدث بها وسائل الإعلام العالمية بأن السويسري يحاول كسب مزيد من الوقت لتظبيط أوراقه التي تبعده عن أي إدانة مالية، وأنه يريد تجهيز الساحة لاختيار خليفته بعلاقاته الضخمة علي حساب خصومة الطامعين في الكرسي من بعده، وإلا لماذا لم يستقل فورا ويدعو لانتخابات سريعة بدلا من مواصلة مهامه لحين عقد الكونجرس الاستثنائي الذي لم يتحدد موعده حتي الآن؟ الساعات الاخيرة قبل التنحي رغم أنه لايوجد أي دليل أو ورقة تثبت تورطه مباشرة في المخالفات المالية، لكنه احترق بعدما طالت الاتهامات المباشرة جيروم فالكه السكرتير العام للاتحاد الدولي لكرة القدم. بداية الاستقالة جاءت بعد تسريب خطاب سري للإعلام يؤكد ضلوع فالكه، وهو الرجل الثاني خلف بلاتر، يقف وراء تحويل عشرة ملايين دولار إلي حسابات يتحكم بها مسئول كرة سابق يخضع الآن لتحقيقات. وتعتبر هذه القضية احد الملفات التي يحقق فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي "FBI" ومتهم فيها مسئولون رسميون في الفيفا. وفي محاولة من الاتحاد الدولي لإنقاذ فالكه اعترف للفيفا في بيان بأنه جري دفع عشرة ملايين دولار لوارنر بعد طلب حكومة جنوب إفريقيا، دعم أفارقة الشتات بدول الكاريبي ضمن مشروع تراث كأس العالم. جاء في بيان لفيفا: "لم يكن للسكرتير العام جيروم فالكه أو أي عضو آخر بالإدارة العليا للفيفا، يد في بدء المشروع المذكور أو التصديق عليه أو تنفيذه. لكن هذا البيان لم يكن كافيا لإنقاذ الجزء الأخير من سمعة بلاتر المهزوزة بشدة في عيون الجميع خاصة من صوتوا ضده، وبالتالي أعلن قرار التنحي في بيانه الشهير، مواصلة مهامه في الفيفا لحين موعد الكونجرس الاستثنائي. القوة العظمي بمجرد إعلان تنحي بلاتر نشرت الكثير من الوكالات الإعلامية تقاريرا تؤكد دور أمريكا كقوة عظمي في الإطاحة بالعجوز السويسري صاحب ال 79 عاما، خاصة أنها كانت من الدول المعارضة لاستمراره في الانتخابات الأخيرة، كما أن علي أرضها تجري الكثير من التحقيقات في فساد الفيفا خاصة أن الكثير من الشركات الأمريكية متورطة في هذه القضية الشائكة. لكن أمريكا نفت أنها سعت إلي الإطاحة ببلاتر من منصبه، وقالت ماري هارف المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية: :لا، فالحكومة الأمريكية ليست لها موقف بشأن الشخص الذي يتولي رئاسة "الفيفا". ومع ذلك ذكرت مصادر لشبكة "إيه. بي. سي نيوز" التليفزيونية الأمريكية أن مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي والادعاء العام يجري تحقيقات حول بلاتر. رشاوي المونديال! إذا كان الفيفا يتعرض لضربات قوية طوال السنوات الماضية بسب وجود شبهات حول رشاوي تم دفعها لحصول قطر علي شرف تنظيم كأس العالم 2022، وأيضا روسيا 2018، لكن بعد تنحي بلاتر يبدو أن التحقيقات ستتسع ليشمل جنوب إفريقيا التي نظمت مونديال 2010، وألمانيا 2006، وحتي الدول التي حاولت الفوز بتنظيم البطولة العالمية ولم تنجح في التصويت حيث هناك شكوك لدفع رشاوي مقابل بعض الأصوات. وفي أول رد فعل من حكومة جنوب افريقيا، نفي وزير الرياضة فيكبلي مبالولا بشكل قاطع أن يكون مبلغ العشرة ملايين دولار الذي دفعته بلاده لاتحاد الكاريبي، رشوة الحصول علي حق استضافة كأس العالم 2010. ودخلت فرنسا خط الدفاع عن نزاهة تنظيم مونديال 1998، عندما نفي جاك لامبرت رئيس اللجنة المنظمة لمونديال فرنسا 1998 ان تكون بلاده ارتكبت أي مخالفة للحصول علي استضافة النهائيات بعد اتهامات تشاك بليزر. فيما قال فولفجانج نير سباخ رئيس الاتحاد الألماني إن عملية منح بلاده حق استضافة بطولة كأس العالم "كانت نظيفة، ليس لدينا ما بلطخنا، وأتذكر أننا قدمنا الملف الأفضل بالتأكيد". حتي المغرب طالتها اتهامات الرشاوي في سباق تنظيم مونديال 1998، حيث كشفت وثائق القضاء الأمريكي أن المغرب دفعت بناء علي تأكيد الأمريكي تشاك بليزر الذي تولي سابقا عضوية اللجنة التنفيذية في الفيفا. وتابعت الوثيقة: "رغم أن الدفع قد تم، فضلت اللجنة التنفيذية للفيفا في 2 يوليو 1992 الملف الفرنسي علي الملف المغربي". حتي استراليا التي نافست علي تنظيم مونديال 2022، نفت تورطها في دفع رشاوي حيث قال الاتحاد الأسترالي إن الملف الذي تقدمت به أستراليا لم يكن يشوبه أي فساد "قدمنا ملفا نظيفا ونشعر بالفخر لهذا". فيما تؤكد مصر أنها لم تدفع أي رشوي في سباق تنظيم مونديال 2010 لذا حصلت علي "صفر" في التصويت، وهذا ما أكده رئيس اتحاد الكرة السابق اللواء الدهشوري حرب، الذي قال إن جاك وارنر نائب رئيس الفيفا وقتها طلب 7 ملايين دولار مقابل صوته وعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية، وتم رفض طلبه. حياتو يحاول النجاة نفي الكاميروني عيسي حياتو، رئيس الاتحاد الافريقي لكرة القدم "الكاف" ونائب رئيس الفيفا، المزاعم التي تحدثت عن استجوابه من قبل الشرطة السويسرية والتحقيق معه في قضية الفساد التي هزت اركان الاتحاد الدولي، منهما الاتحادات الغنية بمحاولة الاطاحة ببلاتر وقال حياتو: "اتهامات الفساد تلاحقني منذ 20 عاما خاصة من قبل الصحافة الكاميرونية والانجليزية مؤكدا ان ذلك لايهم لأنها الحياة وأضاف جميع الاتحادات في جميع أنحاء العالم، كبيرها وصغيرها، يحصل علي نفس المبلغ، هذا هو ما بعضهم، هم يعتقدون أنه يجب علينا أن نمنح المزيد من المال للاتحادات الهامة، إفريقيا تدرك جيدا هذا الوضع، وتري ان كرة القدم والبنية التحتية بها تتطور، لذلك، أيدنا بلاتر". يري هاني أبوريدة عضو اللجنة التنفيذية في الفيفا أن فضيحة الفساد تخص ممثلي أمريكا الشمالية والجنوبية في الفيفا.. وليس كيان الاتحاد الدولي بذاته، لكن أمريكا تريد إلصاق التهم بالفيفا .