حزب الجبهة الوطنية يختار هاني حنا لأمانة العلاقات الخارجية    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتفقد أعمال تطوير محور 26 يوليو في 6 أكتوبر    عاجل| ترامب يعلن رفع العقوبات على سوريا ويشيد بالحكومة السورية الجديدة    الكرة النسائية| مودرن يفوز على زد بثلاثية.. وبيراميدز يسحق المعادي برباعية    رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج يشكر مصر على استضافة البطولة الإفريقية    إعادة فتح ميناء العريش البحري بعد تحسن الظروف الجوية    "خطة النواب" تنتقد قرارات إغلاق قصور الثقافة.. والوزير يكشف السبب    إلهام شاهين تشارك جمهورها صورًا من على شاطئ البحر في لبنان    «الصحة» تنظم قافلة طبية مجانية متخصصة في طب أسنان الأطفال بمطروح    الداخلية تستقبل شباب القمة العالمية للقيادات الإعلامية لتعزيز التعاون وترسيخ الانتماء    صندوق النقد يتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد الدنماركي خلال العام الجاري    بعد الفوز على سيراميكا.. ماذا يحتاج الأهلي لاقتناص لقب الدوري؟    المتحف المصري الكبير يستضيف على التوالي النسخة الثانية عشرة من فعالية "RiseUp 2025"    رئيس الوزراء يستعرض جهود تعزيز استدامة جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة    جامعة برج العرب التكنولوجية تنظم الملتقى الثاني لكليات العلوم الصحية التطبيقية    31 مايو.. عرض الفيلم السنغالي "ديمبا" في نادي السينما الأفريقية    سن الأضحية من الخروف والماعز والبقر.. يكشف عنها الأزهر للفتوى    المرأة الوحيدة في استقبال ترامب.. من هي الأميرة السعودية ريما بنت بندر؟    ننشر الصورة الأولى لشاب ألقى بنفسه في ترعة الإسماعيلية    مسعود معلوف: الذكاء الاصطناعى والطاقة أهم الاستثمار بين أمريكا والسعودية    دار الإفتاء تستقبل وفدًا من أئمة ست دول إفريقية    أبوشقة للمشاركين فى منحة ناصر: انقلو لبلادكم أن مصر واحة الأمن والأمان    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة الوزارية لوضع محددات العدالة الاجتماعية لاستحقاق الدعم    قرار عاجل من المحكمة في إعادة إجراءات محاكمة متهمين بأحداث شغب السلام    أهلي طرابلس الليبي يعلن استمرار حسام البدري مديرا فنيا للفريق    "نيويورك تايمز": قبول ترامب للطائرة الفاخرة يتجاوز حدود اللياقة.. ومعلومات عن اطلاق عملة مشفرة لتمويل مؤسسته    انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمديرية أوقاف كفر الشيخ    النقل: وسائل دفع متنوعة بالمترو والقطار الكهربائي للتيسير على الركاب    الصحة العالمية: اليمن يواجه واحدة من أكبر فاشيات الكوليرا في العالم    الصحة العالمية: نصف مليون شخص فى غزة يعانون من المجاعة    عدة عوامل تتحكم في الأسعار.. رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية: السوق يعاني حالة ركود تصل ل50%    تشميع كافيهات ومطاعم غير مرخصة وبها منتجات منتهية الصلاحية فى العجوزة    فرص عمل بالإمارات برواتب تصل ل 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    مجلس الشيوخ يفتح أبوابه لشباب العالم ويؤكد أن مصر قلب الجنوب النابض    13 ملعقة بماء الذهب.. مذيعة تتهم خادمتها بالسرقة والنيابة تحقق    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    رئيس الوزراء يتابع إجراءات طرح إدارة وتشغيل مشروع "حدائق تلال الفسطاط"    اليوم.. فتحي عبد الوهاب ضيف برنامج "كلمة أخيرة" مع لميس الحديدي    «بتهمة تزوير معاينة بناء».. السجن سنتين لمهندس تنظيم بمركز مغاغة في المنيا    تحديد موعد مشاركة الجفالي في تدريبات الزمالك    أمينة الفتوى توضح سنة الاشتراط عند الإحرام    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    غلق 138 محلًا لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    "الصحة": إنقاذ سائحين من روسيا والسعودية بتدخلات قلبية دقيقة في مستشفى العجوزة    وزير الصحة يؤكد على التنسيق الشامل لوضع ضوابط إعداد الكوادر الطبية    توريد 444520 طن من الأقماح المحلية لشون وصوامع محافظة الشرقية    الاتحاد الأوروبي: لن نستأنف واردات الطاقة من روسيا حتى لو تحقق السلام في أوكرانيا    الخارجية الإسرائيلية: لا نزال نعمل على الوصول لاتفاق آخر مع حماس    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    مصرع شاب غرقا فى حوض مياه بالشرقية    موعد مباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي كأس السوبر الافريقي لكرة اليد    وزير الخارجية الباكستاني: "المفاوضات مع الهند طويلة الأمد وضرباتنا كانت دفاعًا عن النفس"    داعية إسلامي: احموا أولادكم من التحرش بالأخذ بالأسباب والطمأنينة في التوكل على الله    ولي العهد السعودي في مقدمة مستقبلي ترامب لدى وصوله إلى الرياض    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    تشكيل المصري المتوقع لمواجهة فاركو بالدوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان السلطان «المهزوم»

لم يكن تحول رجب طيب أردوغان الأخير باتجاه إسرائيل وروسيا أمراً مفاجئاً لمن يعرفون الرجل ويتابعون تاريخه، ولن يكون الأخير على الأرجح. والتقلبات والتحولات في حياة رجال السياسة ليست أمراً نادراً أو مُستبعداً، لكنها تنضج على مدى سنوات طويلة، وتقف وراءها دوافع وأحداث مفهومة على الغالب، أما لدى أردوغان فالتحولات من النقيض إلى النقيض، ومن الشيء إلى عكسه تماماً تحدث في لمح البصر، وتتلاحق بما يفوق القدرة على التصور، إلى درجة أن الشخص الذي يغيب عن متابعة الأحداث شهراً سيُصدم إذا تابع مستجدات أردوغان، وسيحتاج إلى وقت طويل قبل أن يُصدق ما يرى.
أردوغان الذي ملأت عنترياته الفضاء صخباً وضجيجاً تجاه روسيا قبل أشهر قليلة «ينكص على عقبيه»، متضرعاً إلى فلاديمير بوتين أن يصفح عنه، ويقدِّم اعتذارات وتوسلات مثيرة للشفقة، وهو من كان يبدو بالأمس القريب متقلداً ثوب الفارس الذي لا يهاب النزال. وبعد كل التهديدات التي خالها السُذَّج تمهيداً لحرب السلطان خليفة المسلمين الأفخم على روسيا المعتدية، أسفر الصبح عن مولود جاويش أوغلو، وزير خارجية السلطان المهزوم، واقفاً بالأعتاب في موسكو، يغتصب ابتسامة ويُعلن أن بلاده جاهزة تماماً للتعاون مع روسيا في «الحرب ضد الإرهاب»، أي الحرب ضد الجماعات التي دعمتها تركيا وتحالفت معها وقدمت لها كل التسهيلات اللازمة. وهي تضحي بها الآن في لحظة، ففيم كان إسقاط الطائرة الروسية والتصريحات النارية التي لا يزال صداها الأجوف يتردد في الفضاء؟
التمس مولود جاويش أوغلو، وزير خارجية تركيا، فيما التمس، لقاءً يجمع فلاديمير بوتين برجب طيب أردوغان، وأعلن أوغلو في ما يشبه الرجاء أن منتجع «سوتشي» قد يشهد مثل هذا اللقاء، لتذيعه وكالة «إنترفاكس» الروسية على لسانه هو. ومكان اللقاء لا يخلو من دلالة، فسوتشي مدينة ذات تاريخ في الصراع الروسي - التركي الطويل، وهي شاهد على انتصار روسي دموي على تركيا عام 1829، وهذه إشارة رمزية لا تخفى على أحد، خصوصاً بالنسبة إلى رجب طيب أردوغان المغرم باستخراج الرموز من التاريخ واستغلالها بفجاجة. ورسالة بوتين لأردوغان واضحة: «ها أنت تنهزم من جديد».
التقارب الروسي - التركي جاء في أعقاب هجمات مطار أتاتورك التي انهارت معها آمال الأتراك بصيف سياحيّ ينعش الاقتصاد التركي الذي يعاني منذ سنوات بعض التراجع، ومن ثمّ فيبدو أن الروس الذين لوحوا لأردوغان بجزرة السياح الروس رفعوا عصاهم وهم يطالبون تركيا بالرضوخ تارة والتفاهم تارة أخرى في ملفات لن يطول بنا الوقت حتى نعرف تفاصيلها.
السيناريو نفسه تم مع إسرائيل، إذ أعادت تركيا العلاقات في شكل مفاجئ، وحرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على أن يؤكد أن حصار غزة باقٍ، واصفاً إياه بأنه «مصلحة أمنية عليا لإسرائيل، ولم أكن مستعداً للمساومة عليها». كما أكد نتانياهو أن الاتفاق يحمي أفراد الجيش الإسرائيلي من أي دعاوى قضائية جنائية ومدنية تقام ضدهم، سواء في الوقت الحالي أم في المستقبل من جانب تركيا، وأن الاتفاق يتضمن إقرار قانون في البرلمان التركي يلغي الإجراءات القانونية التي تجرى حالياً بهذا الصدد. وإلى جانب ذلك تعهدت تركيا بمنع أي نشاط من حركة «حماس» ضد إسرائيل من الأراضي التركية، ومنع جمع الأموال للحركة، وتقديم مساعدات في إعادة الأسرى الإسرائيليين، ومساعدة إسرائيل في الانضمام إلى كل المنظمات التي تحمل تركيا عضويتها، وسحبت تركيا – بناء على هذا الشرط – اعتراضها على فتح مكتب لإسرائيل في حلف الناتو.
باختصار، باع أردوغان في لحظة كل عنترياته حول القضية الفلسطينية، وكل التصعيد اللفظي الذي حوله إلى بطل في أعين فئات من السُذَّج وجماعات الخراب، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين بأفرعها المبثوثة في الدول العربية والإسلامية. وليست بعيدة تلك الخطبة العصماء التي رفع بها يوسف القرضاوي، مفتي «التفجيرات الانتحارية»، عقيرته قبل شهرين فقط، في مهرجان صاخب حمل اسم «شكراً تركيا»، عُقد بإسطنبول في نهاية نيسان (أبريل) 2016. وقال فيها: «ومن الذي يستطيع أن يقاوم السلطان رجب طيب أردوغان، الذي أصبح يدافع عن الأمة باسم الإسلام والقرآن والسنّة والشريعة، وهو الذي يتحدث بالوقوف أمام الوجوه الطاغية، ليقول لهم لا؟».
ولا نستطيع بالطبع أن نسأل مفتي «الإخوان المسلمين» القرضاوي عن رأيه في هذا الاتفاق، ففمه مغلق الآن، ولسانه مشلول، ولن ينبس هو أو أي من قادة الإخوان المسلمين بكلمة عن «السلطان» الذي يخلص لإسرائيل الود والمحبة ويتاجر بفلسطين أخبث تجارة، ويجعل منها مجرد ورقة يلعبها في تحولاته. بل على العكس من ذلك، سنجد بينهم من يشيد بهذه الخطوة ويباركها، ويبحث لها عن تبريرات وتخريجات تكشف عن انتهازية بغيضة لهذه الجماعة التي تكشف عن سوءاتها ومخازيها من دون أن يطرف لقادتها جفن.
التجارة الرخيصة بالقضية الفلسطينية، مع نعرة قومية فارغة وصبغة إسلامية زائفة، سمة للسياسة الإيرانية أيضاً، لكن الفارق أن إيران تمارس هذه التجارة بثبات وتصميم محدَّد الهدف مع اختلاف الوجوه التي تتصدر الساحة، سواء كان الرئيس هو خاتمي أم نجاد أم روحاني، أما النسخة التركية فهي ممهورة منذ نحو عقد من الزمان بتوقيع أردوغان وبشخصيته المضطربة المتقلبة. وكلتا الدولتين ترتهن «حماس» التي باعت نفسها لهما، وأسهمت معهما في تلك التجارة الزائفة التي لم تجرّ إلا الخيبات على القضية الفلسطينية.
إن المواقف المدروسة والمعتدلة التي تبلورها دول الخليج العربية والدول العربية المعتدلة تجاه قضايا المنطقة تتأثر سلبياً بفعل المزايدات والألعاب التي تمارسها القوى الإقليمية كتركيا وإيران، والوعي المشوه الذي تصدِّره كل منهما، ويلاقي هوى في النفوس المأزومة والمهزومة التي تنخدع بالخطاب الفارغ، ولكنها لا تلبث أن تصطدم بالواقع فتسقط من حالق، كما حدث مراراً مع أردوغان الذي يكتب بمواقفه الأخيرة فصلاً جديداً في سيرة اضطرابه. وهو لم يتورع عن ركوب دعوة «الإخوان المسلمين» سنوات، ولا يزال، حين هيأت له حساباته التي تخطئ كثيراً أن هذه المطية المطواع توشك أن تقبض على زمام السلطة في العالم العربي، قبل أن يسقط مشروعه ويسقط هو في حضن إسرائيل على النحو الذي رأينا. والغريب أن جماعة الإخوان المسلمين لا تزال تراهن عليه في خضم يأسها وخيبتها واستعدادها لفعل أي شيء من أجل أن تلملم كيانها المحطَّم.
أردوغان كان يخاطب بشار الأسد بكلمة «أخي» ثم انقلب عليه في لحظة ليصبح أعدى أعدائه، وراهن على سقوط سريع للأسد دفعه إلى احتضان الجماعات الإرهابية ودعمها بكل تهور. وأردوغان تقلبت سياساته تجاه الأكراد في شكل مرعب خلال عقد من الزمان تقريباً، إلى الدرجة التي جعلت الديبلوماسي الأميركي إريك أدلمان يقول في وثيقة رسمية، بعد إيراد مظاهر هذا التخبط: «إن سكيراً بإمكانه رسم مسار أكثر توازناً من هذا». وأردوغان هو من أطاح بأقرب المقربين إليه واحداً إثر الآخر في فورة تقلباته وجموحه وسعيه إلى أن يكون الزعيم الأوحد. وربما كان أكثر ما يحتاجه أردوغان في هذه الأيام هو وجود مستشارين ناصحين له من أمثال عبدالله غُل وأحمد داود أوغلو ليخففوا من تهوره واضطرابه وتقلبه، ولكنه ضحى بهم فيمن ضحى من الرجال، وآثر الانفراد بالرأي وتنفيذ الاستعراضات التي تجعله في بؤرة الضوء، مثلما فعل في جنازة الملاكم الأميركي المسلم محمد علي كلاي أخيراً.
والغريب أن أردوغان الذي «يزحف» نحو بوتين ونتانياهو يتعاظم وينفخ أوداجه العثمانية حين يتحدث عن مصر التي يتدخل في شؤونها بفجاجة وصفاقة، ويرفض التراجع عن دعمه للإرهاب الذي تواجهه مصر بكل حزم.
إن رجلاً كهذا، لم يكن له أن يحتل أي مكانة في العالم العربي، ما لم تكن الأوضاع العربية شديدة البؤس، وما لم يجد قوة لا ضمير لها، مثل جماعة الإخوان المسلمين، تروِّج لكل سقطاته وتصورها على أنها فتوحات كبرى. ولكن هذه الهالة بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً بعدما بات واضحاً للجميع أن أردوغان الذي كان يتحدث في مستهل أحداث ما سمي «الربيع العربي» ويبشر بسلطنته المقبلة كان مجرد ظاهرة صوتية لم تحقق إنجازاً ملموساً على صعيد السياسة الخارجية، بل إنه لا يزال يخسر كل يوم ورقة من أوراقه التي كان يلعب بها، وأسوأ ما في الأمر أن تلك الخسارات جاءت في الوقت الذي يتابع البرلمان التركي وضع اللمسات الأخيرة على التعديلات الدستورية والتي تسعى إلى تكريس أردوغان رئيساً مطلق الصلاحية. فكيف سيقود السلطان المنكسر بلاده وهو المثقل بكل تلك الهزائم؟
هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.