أعلن شريف إسماعيل، المكلف برئاسة مجلس الوزراء، تشكيل حكومته بعد أسبوع من المشاورات والمباحثات، حيث تم الإبقاء على 17 وزيراً والإتيان ب16 وزيرا جديدا، وكأن المستهدف من هذا التغيير الوزاري هو محلب نفسه، فأصبحت حكومة تسيير أعمال ولكن في ثوب حكومة جديدة، ومع ذلك كان الشعب يأمل في أن تأتي تلك الحكومة معبرة عما يريده ويتمناه، ولكن اختيارات الوزراء جاءت مخيبة لآمال المجتمع المصري، وسوف نستعرض أبرز الخطايا التي صاحبت تشكيل الحكومة الجديدة في النقاط الآتية: أولا: أن الحكومة المشكلة هي حكومة تكنوقراط وإن شئت فقل حكومة موظفين، فرئيس الوزراء والوزراء ليسوا سياسيين ولا يمتلكون أي رؤى سياسية، ولم يسبق لهم العمل في مناصب سياسية، وهذا يعطي مؤشرا بأننا أمام مجموعة من التنفيذيين رغم أن تلك المناصب هي مناصب سياسية في المقام الأول. ثانيا: الحكومة الجديدة خلت ولأول مرة منذ ثورة يناير من الحزبيين، فحكومة محلب أخرجت جميع الحزبيين من الحكومة سوى الوفدي منير فخري عبد النور، ولأن النظام الحالي لا يريد أحزاب تسعى للسلطة أو تعمل في السياسة، كان لازما على رئيس الحكومة أن تكون وزارته خالية من الحزبيين. ثالثا: الحكومة الجديدة أكثر من نصفها وزراء في حكومات سابقة، كما أن الوزارات السيادية -الدفاع والداخلية والخارجية والعدل- لم يجر بها أي تغيير، حتى وزراء المجموعة الاقتصادية ظلوا في مناصبهم -رغم الكوراث التي ألحقوها بالبلاد وآخرها تصريح وزير الاستثمار في ما يخص الجنيه المصري- إذن نحن أمام حكومة تسير على منوال سابقتها، ولن يكون هناك تغيير في السياسات العامة أو الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. رابعا: الحنين إلى الماضي كان شعار تلك الحكومة، حيث تم الإستعانة بوزراء من أخر حكومة قبل ثورة يناير أي أن نظام مبارك لم يعود فحسب بل إن رجاله أصبحوا الآن في مناصبهم التي تركوها منذ ثورة يناير، كما تم الإستعانة بوزير السياحة الأسبق الذي تم تغييره -بصورة غير لائقة عندما كان متواجد في مؤتمر دولي ببرلين- بسسب تصريحاته عن أن السياحة وقت مرسي كانت أفضل. خامسا: اعتمدت تلك الحكومة على تغيير هوية وثقافة المجتمع بشكل علني، فقد استعانت الحكومة بوزير ثقافة يعادي كل ما يمت للإسلام بصلة وله مقولة مشهورة "المصرييين علمانيين بالفطرة"، كما له أراره المعادية للسعودية والتي قد تسبب أزمة بين البلدين، ويقف ضد الإسلاميين على طول الخط حتي المتحالفين مع النظام الحالي -حزب النور السلفي- وصفهم بالمرأة اللعوب. سادسا: معايير اختيار واستبعاد وإبقاء الوزراء مجهولة ولا أحد يعلمها، ولكن من التشكيل الجديد يتبين لنا أن المعايير هي أن يكون من أهل الثقة والولاء فقط، فوزير التنمية المحلية الجديد لا يعرف عن وزارته سوي اسمها وربما لا يعرف حتي مقرها، وذلك لانه لا علاقة له بهمام تلك الوزارة، وهناك وزير التعلىم الذي من المفترض أن يكون مسؤولا عن العملية التعلىمية فصفحته على مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالأخطاء الإملائية، فضلا عن أن كلمات غير أخلاقية قام بتدوينها في تلك المواقع، كما لا يخفي على أحد أن هناك عدد من الوزراء مازالت تحوم حولهم شبهات فساد وقد أفردت جريدة الوطن المصرية ملف عن فساد أحد الوزراء وتم الإبقاء علىه في تلك الوزارة، نحن إذن أمام معيار واحد هو الثقة والولاء لهذا النظام والسعي في خدمته، وهذا هو المطلوب من الوزراء حتى يتمكنوا من الحفاظ على مناصبهم . سابعا: شهدت تلك الحكومة الإبقاء على حصة العسكر في الحكومة، فما زال هناك أربع لواءات داخل مجلس الوزراء، بينما تم تقليص حصة الأقباط في مجلس الوزراء حيث تم الإبقاء على وزيرين فقط بينما كانوا في السابق ثلاثة وزراء، أما حصة المراة فقد فقدت 40% من حصتها ولم يتبقي لهن سوي ثلاث وزيرات بعد أن كن خمس وزيرات في الحكومة السابقة. ثامنا: أظهرت تلك الحكومة قمة التخبط والعشوائية التي تدار بها الدولة، حيث تم الإعلان عن دمج عدد من الوزرات أهمها التعلىم العالي مع البحث العلمي، والتربية والتعلىم مع التعلىم الفني، والصحة مع السكان، وإلغاء بعض الوزرات كوزراة التطوير الحضاري والعشوائيات، واستحداث وزارة دولة للهجرة وشئون المصريين، ولا يعلم أحد على أي أساس تم الدمج أو الإلغاء أو الإنشاء، وهذا يدل على مدي ارتباك النظام الحالي. تاسعا: مكافأة المتعاونين مع النظام الحالي هي سمة من سمات السلطة القائمة، فاللواء محمد العصار رئيس هيئة التسليح بالقوات المسلحة والذي أحيل للتقاعد عام 2003، ثم تم إستدعاه لتعيينه مساعداً لوزير الدفاع وعضواً بالمجلس العسكري طوال تلك الفترة، وكان العصار مسئولا عن التواصل مع الأحزاب والائتلافات الشبابية والإعلام بعد الثورة، وبما أن هناك إدارات في الاجهزة الأمنية والسيادية تدير تلك الكيانات بعد 3يوليو فوجوده في المجلس العسكري لم يعد حتميا، إذن خروج العصار من المجلس العسكري دلالة على القوات المسلحة ليست في حاجة اليه، وأن هذا المنصب للتكريم وخاصة أن الرجل قد تجاوز السبعين عاما. وفعل ذلك أيضا مع وزير الشئون القانونية، فالمستشار مجدي العجاتي كان له دور في حل برلمان 2012، تم تعينه رئيسا لقسم التشريع عقب 3 يوليو وبحكم منصبه هذا كان المسئول الأول عن كل التشريعات التي صدرت في عهد السيسي ومنصور والتي أثارت غضب الرأي العام وثبت عدم دستورية بعضها بحكم المحكمة الدستوري. إذن نحن أمام حكومة غابت عنها الرؤيا والاستراتيجيات وأصحاب الكفاءات، وحضر فيها أهل الثقة على ما سواهم، كما جاءت في وقت يسمي بالكراهية السياسة فالانتخابات البرلمانية على الأبواب ولم يتبق على انعقاد مجلس النواب سوي أقل من ثمانين يوما، ومن ثم فليس لهذه الحكومة اتخاذ أي قرارات مصيرية حتي انعقاد البرلمان لحين البت في أمرها وعندها ستصبح كارثة سياسية لو مُنحت ثقة البرلمان. هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه