بعد أيام قليلة من وجوده في الحكم، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان، أوامر ملكية حسم فيها الكثير من مقاعد السلطة والخلافة بعده، أول هذه القرارات هو تسمية الأمير «محمد بن نايف» "وزير الداخلية" كولي لولي العهد الحالي الأمير مقرن بن عبد العزيز، وتسمية الأمير «محمد بن سلمان بن عبدالعزيز» "نجل الملك الحالي" كوزير للدفاع ورئيس للديوان الملكي والإطاحة «بخالد التويجري» رئيس الديوان الأسبق، في خطوات وصفها مراقبون بأنها رغبة من الجناح السديري في إحكام قبضته على السلطة بتوجيه ضربة موجعة لجناح الأمير «متعب» نجل الملك الراحل ورئيس الديوان المعفي من منصبه «خالد التويجري». فبعد أن كان أبناء الملك عبد العزيز القدامى "الجيل الأول" يتداولون السلطة بينهم على مدار السنوات الماضية، فلم يبق سوى "سلمان" و"مقرن" من الجيل الأول القديم، وأولهما يعاني، بحسب تقارير أجنبية، شيخوخة الخرف ومرض باركنسون الرعاش، فيما الثاني يواجه معضلة عدم توافق الأسرة الحاكمة حوله، ويطرح البعض سيناريوهات عديدة لعدم وصوله لمنصب الملك مستقبلا، أو قبوله طوعا تمرير المُلك للجيل الثاني ممثلا في الأمير محمد بن نايف، أبناء "السيديريين”. ووفقًا لدراسة أعدها غريغوري غوس، ونشرها معهد "بروكنز" الأمريكي للدراسات والأبحاث فإنه لم تكن تسمية إحدى هاتين الشخصيتين القويتين بمفاجئة، إذ شغل الأمير محمد بن نايف، البالغ من العمر 55 عاماً، منصب وزير الداخلية "المسؤول عن القطاع الأمني في البلاد فعلياً" منذ وفاة والده، في العام 2012. وقبل ذلك، كان مساعد لوزير الداخلية للشؤون الأمنية والمسؤول عن استراتيجية البلاد لمكافحة الإرهاب في منتصف الألفية الثانية. وتضيف الدراسة أنه بالتالي، لم يكن أمراً مفاجئاً عندما أسند سلمان منصب ولي ولي العهد لمحمد بن نايف، مما جعل هذا الأخير المرشح الأوفر حظاً ليكون أول ملك من أبناء جيله، ولكن هذا لا يضمن لمحمد بن نايف اعتلاء العرش – إذ يمكن لسلمان أن يفصله من منصبه، والأمر سيان بالنسبة لمقرن، عندما يصبح وإذا أصبح ملكاً – إلا أنّه يجعله الوريث المفترض بعد مقرن. إذا تمّ كلّ شيء بحسب المعتاد. وتابعت الدراسة أن الرجل الثاني الذي عيّنه الملك الجديد مثير للدهشة ومثير للقلق أكثر في نواح كثيرة. لقد أعطى سلمان نجله محمد بن سلمان قدراً هائلاً من السلطة. ولا بد أن نذكر أن الأمير محمد، البالغ من العمر 34 سنة، هو أصغر بكثير من ابن عمه محمد بن نايف. وخلافاً لمعظم أبناء جيله من آل سعود، فهو لم يدرس في الخارج، ولم يشغل أبداً منصباً حكومياً كبيراً. وكان رئيس مكتب والده عندما كان سلمان ولياً للعهد، أما الآن، فأصبح للأمير الشاب، الذي لم يتم اختباره بعد، ثلاث وظائف رئيسية. فهو الآن وزير الدفاع، يترأس القوات المسلحة السعودية ويدير إحدى أكبر الميزانيات في المملكة. وهو رئيس الديوان الملكي، أي ما يعادل رئيس موظفي البيت الأبيض. كما وأنه سيكون "حارس البوابة" أي سيكون من يقرر من يقابل والده ومن لا يمكنه مقابلته، وهو أيضاً رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي سيتولى تنسيق السياسات الاقتصادية للمملكة، من خلال تمكينه لكل من محمد بن سلمان ومحمد بن نايف. واستطردت الدراسة: “ لقد اقصى سلمان العديد من الأمراء الآخرين. في المراسيم الملكية التي أصدرها في 29 يناير،حيث أبعد اثنين من أولاد الملك الراحل عبدالله من إمارة الرياض ومكة، هما الأمير بندر بن سلطان، الذي شغل لفترة طويلة منصب السفير السعودي في واشنطن، وهو المسؤول عن السياسة الخارجية بالنيابة عن النظام، أنّ مجلس الأمن الوطني السعودي الذي كان يترأسه قد تم حلّه، والأمير خالد بن بندر، رئيس الاستخبارات العامة، فقد استُبدِل بشخصٍ من عامة الشعب. وأعفي الأمير خالد الفيصل، أكبر أولاد الملك الراحل فيصل، من منصبه في وزارة التربية والتعليم وأعيد إلى منصبه السابق كأمير لمكة. لا يُعتبر ذلك بالضرورة تقليلاً لرتبته، إنما يبعده عن العاصمة”. ورأت الدراسة أن عزل سلمان لعدد من الأمراء لم يكن إعادةً لترتيب بيت آل سعود بشكل نهائي، ولكن من الصعب الوصول إلى استنتاج باستثناء أن السلطة الحاكمة تتركّز ضمن مجموعة تضم أفراداً أقل من أي وقتٍ مضى في تاريخ السعودية الحديث، نظراً للحذر الذي تتوخاه أسرة آل سعود في ما يتعلق بسياساتها الداخلية. وتبين الدراسة أنه من غير المحتمل أن تتغير الخطوط العريضة العامة للسياسة السعودية في ما يتعلق بمجموعة من المسائل المهمة الأخرى. و من غير الممكن محاولة توقع توجهات سياسة الملك السعودي الجديد على المدى الطويل. وخلصت الدراسة إلى أنه للمرة الأولى منذ عقود، قد يكون هناك معركة سياسية حقيقية داخل الأسرة الحاكمة. وستكون المرحلة المقبلة اختباراً للمهارات السياسية للملك الجديد ولولي عهده وعلى وجه الخصوص الذي استثمر فيه الكثير من السلطة بغية تجنب تلك النتيجة الخطيرة.