من بين مئات الصور المعروضة للمأساة الإنسانية فى مدينة الإسكندرية بعد الأمطار الرهيبة يوم الأحد الماضى، كانت هناك صورتان متناقضتان تعكسان الجانب المضىء والآخر المظلم لوسائل التواصل الاجتماعى. الصورة الأولى للحارس شعبان سعيد حارس أحد العقارات بالإسكندرية، الرجل ذو ال38 سنة يقيم فى بدروم المنزل. صباح هذا اليوم المشهود، فوجئ بالأمطار تقتحم مكانه الضيق، لم تكن أمطارا نظيفة، لكنها جاءت من الشارع محملة بكل قاذرواته. الصورة التى شاهدها الملايين كانت لشعبان وهو متشبث بثلاجته، يكاد يحضنها، ولم نعرف لماذا، هل كان يتمسك بها حتى لا يغرق إذا امتلأت الغرفة، أم يخاف ان تنفتح، فتتعطل ويخسرها إلى الأبد؟!. استمعت إلى الرجل وهو يتحدث للإعلامية إيمان الحصرى فى قناة المحور مساء الاثنين الماضى، كان يتحدث بقناعة ورضا كاملين، وتسليم بقضاء الله وقدره. صورة الرجل وهو ممسك بالثلاجة نالت تعاطف الملايين، وربما تكون أحد الأسباب الرئيسية التى أطاحت بمحافظ الإسكندرية هانى المسيرى، هذه الصورة نموذج للدور الايجابى الذى يمكن أن تلعبه وسائل التواصل الاجتماعى فى إشاعة روح التعاطف مع حالة إنسانية مطحونة، بما يعزز من فرص المساعدة والإصلاح والتصحيح. أما الصورة الأخرى وهى سلبية تماما فكانت تلك التى التقطها شخص ما ووضعها على وسائل التواصل الاجتماعى لضابط شرطة، ممتلئ الجسم، ينظر إلى المجهول، وأخذ كثيرون فى السخرية من الضابط والتريقة عليه بصورة غاية فى السلبية وقلة الذوق والتفاهة والتطفل والوقاحة. الضابط هو المقدم مصطفى مختار ويعمل فى إدارة مرور الإسكندرية، وكان يقف وسط الشارع منذ السادسة والنصف صباحا، وظل حتى الليل، يحاول مساعدة الناس والسيارات على المرور من برك المياه المنتشرة بفعل الأمطار الشديدة. الصورة أظهرت المقدم مصطفى ممتلئ الجسم، ينظر إلى صورة للرئيس عبدالفتاح السيسى وسط الشارع، لكن المشهد لم يكن كاملا، حيث قال المقدم انه كان ينادى على الناس أن تساعده فى «زق سيارة معطلة»، لكن الذى التقط الصورة كان سيئ النية، بحيث إنه أظهره وكأنه شخص أخرق. هذه الصورة تسببت فى آثار نفسية شديدة للمقدم وزوجته وبناته، اللاتى رفضن الذهاب للمدرسة خوفا من تريقة الزملاء. عندما كان المقدم يتحدث لقناة المحور، أظن أنه نال تعاطفا غير مسبوق، خصوصا أنه يمثل الصورة الايجابية التى نتمناها لرجل الشرطة الطيب الذى يضحى فعلا من أجل مساعدة المواطنين، لم يهتم المقدم مصطفى بمظهره أو بالبنطلون الذى غرق معظمه فى المياه، اهتم فقط بمساعدة الناس ولم يهرب أو يزوغ من مكانه، وفى المقابل كان البعض سادرا فى غيه وعنصريته وعنجهيته، وظل يسخر من مظهر مواطن ويجلده لساعات متواصلة على الفيسبوك وتويتر. وسائل التواصل الاجتماعى لعبت دورها الصحيح فى حالة الحارس شعبان، ولعبت دورا غاية فى السوء فى حالة المقدم مصطفى، صارت وسائل للتنافر وليس للتواصل الاجتماعى، كما قال كثيرون، مثل هذه النوعية، هى التى تجعل البعض يصاب باليأس من الإعلام الجديد. لكن على أرض الواقع فالإعلام ليس جسدا واحدا، فيه الجيد والسيئ، وأظن أن هذا الإعلام الجديد أيضا لعب دورا مهما فى كشف حقيقة المأساة التى وقعت فى الإسكندرية، وبالتالى علينا ألا نخلط بين الصالح والطالح، المهنى والعشوائى. كل التحية لنموذج شعبان الصابر المكافح المتقبل لحاله بكل رضا، ونموذج المقدم مصطفى الذى يمارس دور رجل الشرطة كما ينبغى له أن يكون، ونعتذر له إذا كان قد شعر بأى إساءة.