واصلت درجات حرارة الأجواء ارتفاعها، وارتفعت معها حدة التوتر فى المنطقة، كما لو أن المناخ اختار أن يعكس مرآة السياسة، كلاهما يسير فى مسار واحد من السخونة والاختناق. ورغم زخات التصريحات الدولية المنددة وبيانات الشجب المتناثرة هنا وهناك، فإن الأرض تكشف فراغ الفعل، والصمت الدولى بات ثقيلا أمام عربدة إسرائيلية وجرائم إبادة غير مسبوقة فى تاريخ الإنسانية، تضاف إليها تصريحات غير مسئولة تزيد النار اشتعالًا. المشهد يزداد قتامة وتعقيدًا، والشرق الأوسط يُدفع بقوة إلى خريطة جديدة. فى قلب هذا المشهد، تقف القضية الفلسطينية – القضية المركزية للعرب – على حافة الخطر، مهددة بالطمس أو التصفية. وهنا، تتجلى المواقف المصرية بصلابتها، إذ ترفض القاهرة الانخراط فى أى سيناريو يهدف إلى إعادة ترسيم حدود المنطقة أو تصفية القضية الفلسطينية، حتى وإن كان الثمن باهظًا. مصر تدرك أن مسؤوليتها التاريخية تفرض عليها مقاومة الضغوط، وتحمّل التحديات المتلاحقة مهما اشتدت. إنها لحظة فارقة فى تاريخ المنطقة، حيث تتقاطع سخونة المناخ مع سخونة السياسة، وتتشابك المخاطر لتصوغ معركة وجود، لا معركة حدود فقط. ففى الوقت الذى تتعالى فيه التصريحات الاستفزازية أو التحليلات غير الدقيقة من جانب إسرائيل، تعمل مصر بحكمة شديدة، وتتحرك بقوة من أجل الحفاظ على القضية الفلسطينية والحفاظ على الأمن القومى العربي. لقاءات واتصالات ومناقشات مصرية مع العديد من القوى الدولية لشرح تفاصيل ما يحدث على الأرض من انتهاكات وجرائم إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، فى الوقت ذاته لم تتوقف قوافل الدعم والمساعدة للأشقاء فى قطاع غزة المنكوب، وطلعات جوية لإسقاط المساعدات لتصل إلى مناطق يصعب وصول قوافل المساعدات البرية إليها. كما حرص السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى على التشاور مع الأشقاء العرب بشأن ما بعد وقف إطلاق النار فى غزة، فى ضوء الوساطة التى تقوم بها مصر والولايات المتحدة وقطر مع كل من حماس وإسرائيل من أجل وقف الحرب. ولأن حالة الاضطراب التى تضرب المنطقة ومحاولات فرض واقع جديد عليها تتغير فيه حدودها الجغرافية، كان لابد لمصر وهى رمانة ميزان المنطقة والعصية على أى محاولة للمساس بأمنها أن تكون دائما تمتلك القوة والقدرة. فمنذ أكثر من 13 عاما وعمليات التطوير والتحديث تتواصل داخل القوات المسلحة، وعلى مستوى كافة الأفرع ( القوات الجوية، القوات البحرية، قوات الدفاع الجوي) والأسلحة، كما أن التدريب المستمر والاحترافى وفق جدول زمنى محدد خلال العام التدريبي، سواء على المستوى الداخلى أو بمشاركة الدول الصديقة والشقيقة فى إطار نقل الخبرات.. مما جعل الجيش المصرى يحسب له ألف حساب. فهو قوة رشيدة، تدرك حجم التهديدات والتحديات، وتتابع بدقة تفاصيل ما يجرى على الأرض بيقظة وانتباه واستعداد قتالى عال بأمانة وشرف، لتتخذ القرار المناسب فى التوقيت المناسب. إنها قوة الردع التى تمتلكها القوات المسلحة المصرية، واحترافية المقاتل فى تنفيذ المهام القتالية، ووعى القيادة بأهمية الاستعداد القتالى للحفاظ على أمن واستقرار الوطن وحماية مقدراته. فتحرص القوات المسلحة على استعدادها القتالى لكى تظل فى أعلى مستوى من الجاهزية تنفيذا لتوجيهات القائد الأعلى للقوات المسلحة. إن ما يجرى من معارك فى المنطقة جعل جيوشها الوطنية هدفا من قبل قوى الشر، فصوبت إليها سهام الشائعات ومحاولات التفكيك، لأن قوة الدول تأتى من قوة ووحدة جيوشها الوطنية، الأمر الذى فطن إليه الرئيس السيسي منذ كان مديرا للمخابرات الحربية، فتصدى لمحاولة إدخال الجيش فى التصويت الانتخابي، وأيده القائد العام فى ذلك الوقت المشير محمد حسن طنطاوي، وتم الحفاظ على القوات المسلحة بعيدة تماما عن الحزبية أو الدخول فى العملية السياسية أو غيرها من المحاولات ليظل الجيش المصري، جيش الشعب ودرع الوطن.
… قيادة بحس استراتيجي لم تكن السنوات الثلاث الماضية عادية فى مسار الاقتصاد المصري؛ بل كانت واحدة من أصعب المراحل التى مرّت بها البلاد منذ عقود. تقلبات عالمية عنيفة.. شُح فى العملات الأجنبية.. وأسواق موازية تتضخم يومًا بعد يوم.. حتى كادت تفقد الثقة فى قدرة الدولة على السيطرة. وسط هذه العاصفة، برز اسم "حسن عبد الله" محافظ البنك المركزى المصري، كقائد يعرف كيف يمسك بدفّة السفينة فى بحر هائج، ليعيد التوازن ويكتب فصلًا جديدًا من الحوكمة النقدية فى مصر. وينتقل بنا من الأزمة إلى الإصلاح؛ فحين تولّى حسن عبدالله منصبه فى أغسطس 2022، كانت التحديات جسيمة: فجوة واضحة بين سعر الصرف الرسمى والموازي، وسط تآكل الاحتياطات الأجنبية، فضلا عن معدلات تضخم متسارعة تهدد استقرار السوق المحلي. لم يتردد المحافظ فى اتخاذ قرارات جريئة، فبدأ بسياسة التشديد النقدى عبر رفع أسعار الفائدة وضبط أدوات السوق، ما ساعد على كبح جماح التضخم تدريجيًا.. فى الوقت نفسه، شدّد القيود على الاستخدامات غير الرشيدة للعملة الأجنبية، فأعاد الانضباط النسبى إلى الطلب على الدولار. فى التوقيت المناسب وفق دراسات معمقة، ورؤية دقيقة جاءت لحظة التحول الكبرى، اللحظة الفاصلة فى مارس 2024، حين اتخذ البنك المركزى قرارًا تاريخيًا بتحرير سعر الصرف بالكامل. لم يكن هذا القرار سهلًا، فى ظل وجود أصوات علت تعارض المسار؛ لكنه كان حتميًا لإنهاء السوق الموازية واستعادة ثقة المستثمرين. فى اليوم نفسه، رُفعت أسعار الفائدة بنحو 600 نقطة أساس، فى خطوة وصفتها الأسواق ب"الصدمة العلاجية" التى أغلقت باب المضاربة على العملة وفتحت باب الإصلاح الحقيقي. ثم تبعه الاتجاه الثانى نحو شراكات وتمويلات استراتيجية، فلم يكن التحرير النقدى ليمر بسلام لولا نجاح الدولة، بتنسيق وثيق مع البنك المركزي، فى جذب تدفقات استثمارية وتمويلات خارجية غير مسبوقة. من أبرزها: الاتفاق الإماراتى الضخم لتطوير "رأس الحكمة" بقيمة 35 مليار دولار، إضافة إلى دعم مؤسسى من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والاتحاد الأوروبي. هذه التدفقات عززت احتياطات النقد الأجنبي، التى قفزت إلى أكثر من 49 مليار دولار بنهاية يوليو 2025 بصفة مبدئية، لتمنح المركزى مساحة واسعة لمواجهة أى ضغوط مفاجئة. استطاع البنك المركزى أن يحقق نتائج ملموسة على الأرض خلال فترة وجيزة، وانعكست السياسات على مؤشرات الاقتصاد حيث انتهى الفارق بين السوق الرسمية والموازية لأول مرة منذ سنوات، وكذلك شهدنا انحسارا تدريجيا للتضخم الذى كان قد تجاوز 35% فى ذروته، ومن ثمة استعادة الثقة فى الجهاز المصرفى كقناة رئيسية لتداول العملة، تلاها بداية دورة جديدة من التيسير النقدى فى منتصف 2025 بعد تحقيق الاستقرار. ما ميّز إدارة محافظ البنك المركزى "حسن عبد الله" لم يكن فقط صرامة القرارات، بل أيضًا المرونة فى توقيتاتها. فقد عرف متى يتشدد ومتى يبدأ فى تخفيف القبضة، محققًا معادلة صعبة بين حماية المواطن من التضخم وحماية الدولة من اهتزاز سعر الصرف. اليوم، وبعد مرور ثلاث سنوات، يمكن القول إن تجربة حسن عبدالله فى البنك المركزى ليست مجرد إدارة للسياسة النقدية، بل مدرسة فى كيفية تحويل الأزمة إلى فرصة. لقد أعاد الانضباط إلى سوق الصرف، وأعاد الثقة فى الاقتصاد، ووضع الأساس لمرحلة جديدة من الاستقرار والنمو. فى زمن تتسارع فيه الأزمات العالمية، يُثبت "حسن عبد الله" أن القيادة الاقتصادية ليست مجرد أرقام وسياسات، بل هى فنّ الجمع بين الشجاعة والحكمة، بين الرؤية والواقعية، وبين القرارات الصعبة والنتائج الملموسة.. إنها القيادة بحسّ استراتيجي.
… حين تزأر الكلمات.. صناعة الردع الدبلوماسي فى زمن تتكاثر فيه الأزمات، وتتعقد فيه الملفات الإقليمية والدولية، تبرز أسماء قليلة قادرة على أن تكون مرادفًا للقوة والصلابة والاتزان فى آن واحد. ومن بين هذه الأسماء يسطع الوزير د. بدر عبد العاطى وزير الخارجية، الذى استحق عن جدارة لقب «أسد الدبلوماسية المصرية»، ليس فقط بصفته مسئولًا رسميًا، بل باعتباره صوتًا واضحًا يعكس ثبات الدولة المصرية ومكانتها. منذ أن برز على الساحة الدبلوماسية، جسّد د. بدر عبدالعاطى مدرسة مختلفة فى الخطاب السياسي. لم يكن مجرد ناقل لرسائل الدولة، بل مدافعًا عنها بقوة، يختار كلماته بدقة، ويواجه الحملات المغرضة بصلابة، دون أن يفقد هدوء الدبلوماسى أو اتزانه. فى لحظات الهجوم الإعلامى أو محاولات الضغط الدولى، كان صوته حاضرًا ليؤكد أن مصر لا تُدار بالابتزاز، وأنها دولة تعرف جيدًا موقعها، وتعرف كيف تحميه، وقدم مواقف صلبة فى لحظات حرجة. ما يميز الوزير د. بدر عبد العاطي أنه استطاع الجمع بين الحدة فى الموقف والرقى فى الأسلوب. فهو يرد بصرامة لكن دون انفعال، ويوصل رسائل القاهرة بوضوح يجعلها مسموعة ومحترمة. لا يتردد فى تسمية الأمور بمسمياتها، ولا يترك ثغرات للتأويل، كانت رسائله واضحة بشأن محاولات بعض عناصر تنظيم الإخوان الإرهابى القيام بأعمال شغب أمام سفارتنا فى إحدى الدول الأوروبية (هولندا) وكان الرد اعتذار وزير الخارجية الهولندى وقيام كافة دول العالم بمنع أى محاولة للاعتداء على السفارات المصرية وتكثيف التأمين لها، كما قام أعضاء السفارات بتنفيذ توجيهات وزير الخارجية الحاسمة بهذا الشأن. إنه يمتلك أسلوبا يجمع بين الحزم والحنكة، ورغم صلابته، فإن حضوره يعكس وجهًا آخر لمصر: وجه الدولة التى تتمسك بالحوار والشرعية الدولية، وتسعى إلى حلول متوازنة تحفظ الاستقرار. وبذلك يجسد د. بدر عبد العاطى المعنى الحقيقى للقوة الناعمة المصرية، التى لا تفرّط فى ثوابتها، ولا تتهاون فى الدفاع عن مصالحها. اليوم، يُنظر إلى د. بدر عبد العاطى باعتباره من أبرز الوجوه الدبلوماسية التى رسخت لمعادلة مصرية خاصة: القوة دون ضجيج، والصلابة دون استفزاز، والحنكة دون تفريط. وفى زمن تكثر فيه الحملات والتشويش، يبقى هو الصوت الواثق الذى يضع النقاط فوق الحروف، انه إرث متجدد. باختصار د. بدر عبد العاطى لم يعد مجرد وزير للخارجية المصرية؛ بل أصبح نموذجًا للدبلوماسى الذى يشبه فى حضوره الأسد: لا يهاجم إلا إذا استُفز، ولا يظهر أنيابه إلا حين يحمى عرينه. تحية تقدير واعتزاز للوزير د. بدر عبد العاطي، الذى واجه تنظيم الإخوان الإرهابى بصلابة نادرة، فأذاقهم درسًا لن ينسوه، ونجح فى أن يجسّد أمام العالم صورة راسخة لقوة الدولة المصرية وهيبتها.