انتبه طول الوقت أنت تتحدث إلى أشباح من خلال الشاشة الزرقاء عبر منصات ال "سوشيال ميديا" ذلك المسرح المفتوح الذى يعج بالأقنعة الزائفة، التى من الصعب أن تميز الحقيقي فيها من الوهمي.. والشاشة الزرقاء – حيث نكتب ونقرأ ونعلق – لم تعد فقط وسيلة للتقارب، بل أصبحت فى كثير من الأحيان مرآة مشوهة تعكس ما يود البعض تصديره من صور براقة تخفى وراءها وجوه أصحابها الحقيقية.. تتحدث مع أناس تعرفهم، أقارب أو أصدقاء، ولكن أكثرية من تتواصل معهم لا تعرفهم، فأنت فى حقيقة الأمر تخاطب نسخاً افتراضية مشوهة، غالبا ترتدي أقنعة تجمل تخفى شخصيات لا تمت لواقعها وحقيقتها بصلة. فتجد اللص يتحدث عن الأمانة، والعاهرة تزعم الدفاع عن الشرف، والإرهابي يرفع راية السلم، والخائن يتحدث عن الوطنية. ليست الحياة مثالية، ولا يخلو مجتمع من المشاكل والمنغصات، لكن ما نشهده على مواقع التواصل الاجتماعي فى الآونة الأخيرة تجاوز حدود الظواهر العابرة. لقد أصبح تهديداً حقيقياً للسلم الاجتماعي، وللتماسك، وللأمن المجتمعي. ما يُنشر من سرديات، وتغريدات، ومقاطع فيديو تتعمد المكايدة والتحريض والتهكم، وتدفع نحو الفوضى وزعزعة القيم، لم يعد مجرد تعبير عن رأي، بل هو تحرك ممنهج لهدم ما تبقى من أعمدة الثقة داخل المجتمع. ويكمن الخطر الأكبر فى خلط السياسي بالاجتماعي، واستغلال الأزمات الإنسانية والمعيشية، والنفخ فيها لتتحول إلى فتن قابلة للاستغلال السياسي ضد الدولة والنظام، وهي فتن قد تجر المجتمع – لا قدر الله – إلى مستنقع الاحتراب الداخلي. المخيف فى الأمر أن من يمارس هذا العبث ليس فقط من يتعمد التخريب، بل من يفعله بحسن نية أو جهل، فتجده يدهشك بخطوته غير المحسوبة، ليصبح بذلك جزءاً من معول الهدم دون أن يدري. ومثال ذلك ما نشهده من محتويات "تيك توك" التي تقدم نماذج نسائية تتربح من الابتذال، أو التحريض على الفجور، أو نشر محتويات سطحية وفارغة تقتحم البيوت وتهتك سترها، وتسيء إلى صورة الأسرة المصرية، وتزرع فى عقول النشء قيماً مشوهة، وتشوش على المفاهيم الراسخة لعلاقات الآباء بالأبناء، والأزواج بالزوجات. وتتسع دائرة الخطر لتشمل من يسمون أنفسهم نشطاء ونشيطات، يطلقون الاتهامات علناً دون بينة، وبدلاً من التوجه بالأدلة – إن وجدت – إلى الجهات القضائية، يحولون منصات التواصل إلى ساحة لجر الخصوم ومحاكمتهم وإدانتهم واغتيالهم معنويا فى وضح النهار. الحكايات التي ملأت الفضاء الرقمي فى الأسابيع الأخيرة تصيب أي ضمير حي بالدهشة والحزن. إذ تعكس إلى أى مدى بات الخطاب العام مشوهاً، وإلى أى حد فقد المجتمع مناعته أمام موجات الإسقاط والتشويه. وكأننا لم نتعلم شيئاً من تجارب السنوات الماضية، منذ أن بدأت فكرة "إسقاط الكبير" تتغلغل فى وجدان الشارع المصرى قبل يناير 2011، وتستمر اليوم بأشكال أكثر حدة وخطورة، دون أن ننجح بعد فى صياغة خطاب مضاد، يعيد الأمور إلى نصابها، ويمنح المجتمع حصانة حقيقية ضد هذا الانهيار القيمي الممنهج. ما يحدث على "السوشيال ميديا" يحتاج بشدة إلى وقفة حقيقية، لا لمجرد الشجب أو الحظر، بل لفهم أعمق، واستراتيجية مواجهة فعالة، تحمي ما تبقى من كيان هذا المجتمع.