«أقدم قصة حياتى بأكبر قدر من الصراحة والصدق وبكل ما جرى فيها من تصرفات القدر» هكذا عبر الكاتب الكبير رجب البنا عن كتابة «ذكريات أيام حلوة وسنوات ضائعة» يحمل الكتاب سيرة حياة البنا الذى يعد من أهم الكتاب فى مصر والوطن العربى، حيث يروى فى كتابه قصة حياته ومسيرته إلى عالم الصحافة واتخذ البنا من الكاتب العالمى نجيب محفوظ ومن «جابريل جارثيا ماركيز» مثالا يحتذى به ممثلا فيما قاله ماركيز «نعيشها لنرويها»، سعيا منه للتعلم من الأخطاء والتعريف بالإنجازات والنجاحات. د. نسرين مصطفى يستهل البنا كتابه باستعراض أهم الأحداث التى وقعت فى – 1936 – سنة ميلاده من الأحداث السياسية الداخلية والعالمية كتوقيع مصر وبريطانيا معاهدة 1936 الشهيرة وقيام الثورة الفلسطينية واحتلال بريطانيا لإثيوبيا؛ وأحداث فنية كعرض فيلم وداد وهو أول فيلم لأم كلثوم كما تطرق إلى جزء من تاريخ الصحافة ممثل فى جريدة الأهرام التى أتمت عامها الخمسون وأبرز المقالات الصحفية فى ذلك اليوم، كما أشار إلى أبرز المشاهير الذين ولدوا فى تلك السنة. مدينة تاريخية بدأ البنا كتابه بسيرة مسقط رأسة مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة أحب المدن إلى قلبه وتحدث عنها بعنوان «مدينة فى القلب» فتطرق إلى أصل المدينة منذ العصر الفرعونى ودور أهل البحيرة التاريخي فى إشعال الثورات ضد الاحتلال الفرنسي والذى استشهد فيه أكثر من ألفين شاب ورغم التدمير الذى لحق بها إلا أنها حققت مع مدينة رشيد انتصارا تاريخيا بأسر الملك لويس التاسع وأجبرت الفرنسيين على الرحيل. ولفت البنا إلى أن أهم ما يميز دمنهور اسم العائلات الغريبة مثل عائلة أبو عجلة وأبو جاموس وعائلة مسمار وعائلة ملوخية ووصف بدقة أحوال أهل دمنهور وما يميز أهلها من تنوع وأشهر الشخصيات التى أثرت فى أهلها وعلى رأسهم مرسى باشا بلبع الذى يمتلك محلج أقطان وعشرات الأفدنة وأحمد بك الوكيل صاحب عدد من الجمعيات الخيرية، كما عرض لمشاهير محافظة البحيرة فى جميع المجالات وعلى رأسها الأدب كتوفيق الحكيم والشعر كمحمود سامى البارودى والصحافة كأحمد عوض وأحمد أمين وكامل الكيلانى رائد أدب الطفل وغيرهم. تناول البنا فترة طفولته بعنوان أيامى الحلوة فروى عن علاقته بأسرته ووالديه وأشقائه وحياته فى مدينة دمنهور الهادئة وتذكر بعض المواقف الطريفة ولم ينس أحدا من أقربائه وجيرانه ومعارفه إلا وروى عنه فقدم تاريخا ورواية لمدينة دمنهور من خلال أهلها، وأرخ للعلاقات الاجتماعية فى تلك الفترة حتى أنه ذكر «نوال» الحب الأول أو حب الطفولة البريئة، وعادات الزواج فروى قصص زواج شقيقاته الأربعة وأزواجهن ثم تطرق من خلال تلك الروايات إلى بيوت العائلات الشهيرة فى دمنهور، ومن اللافت أنه سرد كيف تم زواج قدرية التى كانت تساعد والدته فى أعمال المنزل وكيف تكفلت بها أسرته وساهم الجميع فى زواجها. أعطى ملامح حقيقة عن أخلاق الشعب البسيط وعاداته وتقاليده والعلاقات الأسرية والدفء الذى حملته تلك العلاقات وما بها من ترابط وتلاحم ومودة وما صاحب تلك الفترة من تطور ممثل فى دخول الراديو والتليفون حيث كان بيت والده أول من حظى بتلك الميزة، وبرع فى وصف تفاصيل الحياة الاجتماعية فوصف ملابس أهل دمنهور وطعامهم ومعاملاتهم المالية وأسلوب المقايضة والمحلات والشوارع وتفاصيل الاحتفال بشهر رمضان. الخوف والقلق الكتاب ليس سيرة حياة كاتب فقط ولكنه يؤرخ لفترة الحرب العالمية الثانية التى وصلت إلى حدود الإسكندرية وألقت بظلالها على محافظة البحيرة حيث اشتدت المعارك وتعرضت الإسكندرية لغارات الألمان وما تبعه من مظاهرات أهل دمنهور ضد الهجمات الألمانية وإسقاط الاحتلال البريطانى، وما لحق بالإسكندرية من أضرار بسبب الحرب وعن عمليات نقل القوات وما تسببت فيه من خسائر للمواطنين وما لحق بتجارة والده من أضرار بالغة أدت إلى ضياع أمواله وفشله فى الحصول على تعويض. وروى كشاهد عيان الأحوال الاقتصادية السيئة أثناء الحرب من ندرة السلع التموينية وارتفاع الاسعار ووصف تطورات المعارك فى صحراء العالمين وضحايا الغارات الألمانية والإيطالية على الإسكندرية، كما أوضح ما كان يشاع بين عامة الشعب عن حياة الملك فاروق ومفاسده وهو الأمر الذى واجهه بالتعبير عن عدم الرضا فاشترك فى المظاهرات التى عبرت عن الاستياء تجاه الملك. نشأة وتعليم لم يغفل البنا الحديث عن نشأته وتعليمة بمدرسة الأقباط الابتدائية بدمنهور حيث ذكر أسس التعليم والتربية والاهتمام بالسلوك القويم والرياضة والفنون وممارسة النشاطات فكان عضوا فى فريق الكشافة وممن تركوا علامة فى مسيرته الأدبية الأستاذ اميل جورج مدرس الفلسفة والذى أتاح له فرصة المشاركة فى مجلة المدرسة، ومن أبرز الشخصيات التى أثرت فى حياة البنا ومسيرتة الصحفية كان عبد المعطى المسيرى الذى وضعة على أول الطريق ذلك عندما قرر البنا الذهاب لمقابلته على القهوة التى اعتاد الجلوس فيها فى دمنهور ونشر له مقاله الأول عن تدهور الخدمات فى المدينة فى مجلة المستقبل. وروى كيف اتسعت حلقة المسيرى لتضم محامى ومدرس وموظف وتاجر لتبدأ جماعة أدباء دمنهور وتفعيل دور الجمعية حتى وصلت إلى سجن دمنهور سعيًا لنشر الثقافة وكان لدور قهوة المسيرى صدى كبير لدى أدباء تلك الفترة منهم الروائى خيري شلبى والكاتب محمد صدقى وغيرهم، ومن أبرز ما قدمه الكتاب عن سيرة المسيرى هو السجال الأدبى بينه وبين الكاتبة أمينة السعيد بمقالات تحت عنوان "لو كنت رجلا" ليرد عليها على نفس النهج بمقال تحت عنوان "لو كنت امرأة". نجيب محفوظ تطرق الكاتب إلى التحاقه بكلية الآداب قسم فلسفة وتتلمذه على يد نخبة من إعلام الفلاسفة وعلى رأسهم د. أبوالعلا عفيفي ود. على سامى النشار ود. أحمد أبوزيد ود. أحمد عزت راجح، كما وصف سعادته بتشجيع نجيب محفوظ له ومراسلته ومناقشته المتعمقة فى بعض القضايا وهى الخطابات التى لايزال محتفظًا بها كما يشير إلى أبرز حواراته مع عدد من كبار الأدباء منهم محمود تيمور وميخائيل نعيمة. نقطة تحول وعن مشواره المهنى يقول إنه التحق بوظيفة بجهاز رعاية الشباب بالسويس ثم انتقل إلى القاهرة بعدما حقق نجاحا فى وظيفته بالسويس حيث نظم العديد من الندوات والنشاطات الثقافية فى مراكز الشباب حتى 5 يونيو 1967 وهو الحدث الذى أدى إلى تغيير مجرى حياته ورغم الألم والحزن الذى عبر عنهم إلا أنه لم ينس أن يتذكر زوجته الراحلة بكلمات رقيقة عبرت عن مدى الامتنان والمحبة. طاقة قدر ويعد التحاقه بمعهد الإعلام للدراسات العليا الذى أنشأته جامعة القاهرة هو نقطة انطلاق حقيقة لعالم الأدب والصحافة حيث أثبت نجاح وتفوق جعله يحصل على المركز الأول ليحصل على وظيفة بجريدة الأهرام التى اعتادت تعيين أوائل الخريجين فى الإعلام والتى وصفها بأنها طاقة قدر فكانت بداية انطلاقه لعالم الصحافة ويقول إن أول ما قام به فى معهد الإعلام هو بحث بعنوان المقال الصحفى عند هيكل والذى قام بمقابلته لمدة ساعتين ونصف فى حين أنه كان من المقرر لها أن تستمر لمدة نصف ساعة فقط وهو الأمر الذى يفتخر به البنا، تلك كانت سطور قليلة لسيرة حياة أحد فرسان القلم وأعلامه. للبنا العديد من المؤلفات التى لقت نجاحا كبيرا منها الأمية الدينية والحرب ضد الإسلام والمصريون فى المرآة والغرب والإسلام وصناعة العداء للإسلام والشيعة والسنة ولماذا تخلف المسلمون.. وغيرها من المؤلفات التى تناقش تجديد الخطاب الدينى.