الاقتراح «الجهنمي»، الذى بادر به الرئيس الأمريكى ترامب، لإعادة تعمير قطاع غزة عبر ترحيل أهلها إلى مناطق أخرى، قوبل باستهجان عربى ودولى واسع، لكنه أيضاً أفرز أزمة سياسية عميقة، قد تكون الأخطر على أمتنا العربية منذ قيام الدولة الصهيونية على الأراضى العربية المحتلة. مواجهة تداعيات الأزمة سواء كانت تداعيات سياسية أو اقتصادية مع الأمريكان الحليف الأبدى للكيان الصهيوني، تحتاج إلى إدارة واعية وحازمة للرد على الأوهام «الترامبية»، تحتاج إلى اصطفاف وطنى وشعبى خلف القيادة السياسية المصرية، تحتاج لتكاتف عربى وإسلامي، لخلق موقف موحد يستطيع الوقوف فى وجه المحتل للأراضى العربية، تحتاج أيضًا إلى ابتكار حلول بديلة قابلة للتنفيذ لنجدة أهالينا فى غزة وإعادة الإعمار دون اللجوء لمقترح «التهجير» القصري. كل متطلبات إدارة الأزمة التى خلقها اقتراح الرئيس الأمريكى وصديقه نتنياهو ومن خلفهما جاريد كوشنير صهر ترامب ومستشاره السابق، كانت ومازالت محل اهتمام كبير من الإدارة المصرية التى نجحت خلال أيام قليلة فى خلق رأى عام عالمى وإسلامى وعربى واسع النطاق وللمرة الأولى فى وجه مغتصبى الأراضي، وقاتلى الأطفال الفلسطينيين فى تل أبيب، ومدعى الحيادية والديمقراطية العالمية فى واشنطن. الإعلام الأمريكى وقيادات الكونجرس من الحزب الديمقراطي، أكدوا أن اقتراح ترامب ما هو إلا تهديد للأمن القومى الأمريكي، وخراب واسع للمصالح الأمريكية ليس فقط فى المنطقة، بل سيطال تلك المصالح أينما كانت حول العالم، ومن هنا كانت بداية تحركات الإدارة المصرية الواعية التى أعلنت عن طرحها تصور متكامل لإعادة الأعمار فى غزة، دون اللجوء إلى تهجير أهاليها خارج القطاع. ثم كانت الدعوة المصرية لعقد قمة عربية طارئة بالقاهرة يوم 27 فبراير الجاري، جاءت ضمن خارطة طريق إدارة الأزمة؛ بهدف تعبئة الرأى العام العربى لرفض فكرة التهجير، خصوصاً بعد مطالبة نتنياهو ببناء دولة فلسطينية على الأراضى السعودية، وهو ما اعتبرته مصر تصريحات «متهورة» تمس أمن السعودية وسيادتها، مؤكدة أن أمن المملكة واحترام سيادتها هو خط أحمر لن تسمح مصر بالمساس به. التحرك المصرى لإدارة الأزمة على الصعيدين الداخلى والخارجي، جاء تأكيدا على ثوابت الموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية من ناحية، واستحالة التفريط فى حبة رمل واحدة من الأراضى المصرية، من ناحية أخرى، فتحية لرجال مصر الأوفياء الذين يديرون معركة سياسية كبرى للخروج من الأزمة والعيش بسلام فى عالم يسوده «البلطجة»، واغتصاب حقوق الشعوب. حمى الله مصر وشعبها العظيم