أصدرت منظمة "الأممالمتحدة" في 24 ديسمبر الجاري تقريرًا بعنوان "جعل العالم الرقمي والمادي أكثر أمانًا: لماذا تعد اتفاقية مكافحة الجرائم الإلكترونية مهمة؟" يسلط الضوء على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية جديدة لمنع ومكافحة الجرائم الإلكترونية ، وذلك بعد عملية تفاوض استمرت خمس سنوات. وتهدف الاتفاقية إلى منع ومكافحة الجرائم الإلكترونية بكفاءة وفعالية أكبر، بما في ذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي وتقديم المساعدة الفنية ودعم بناء القدرات، خاصة للدول النامية. وأشار التقرير إلى أن الاتصال الرقمي أصبح جزءًا أساسيًا من حياة الأفراد اليومية؛ حيث يعتمد عليه الأفراد في التواصل، والتسوق، والبحث، والعمل. وفي عام 2023، وصل نحو 67.4% من سكان العالم إلى الإنترنت وفقًا ل"البنك الدولي"، مما يعكس الانتشار الواسع للتكنولوجيا الرقمية في جميع أنحاء العالم. ورغم أن هذا الاتصال يوفر العديد من الفوائد في مجالات الحياة المختلفة، فإنه يعرض أكثر من ثلثي سكان العالم لمخاطر الجرائم الإلكترونية. وبالنسبة لأولئك الذين لا يمتلكون اتصالًا بالإنترنت بعد، فإن الافتقار إلى المرونة يزيد من ضعفهم عند الدخول إلى العالم الرقمي. فضلًَا عن ذلك، يستهدف المجرمون السيبرانيون (Cybercriminals) الأنظمة الرقمية باستخدام البرمجيات الضارة، والقرصنة لسرقة الأموال والبيانات وغيرها من المعلومات القيمة. كما تُستخدم "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" (ICT) لتسهيل العديد من الأنشطة الإجرامية، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات والبشر، وتهريب الأسلحة، وغسيل الأموال، وعمليات الاحتيال، مما يضر بالاقتصادات، ويعطل البنية التحتية الحيوية، ويقوض الثقة في الأنظمة الرقمية. وتواجه السلطات القانونية في جميع أنحاء العالم تحديات عديدة في التصدي لهذه الجرائم، وذلك بسبب الطبيعة المعقدة للجرائم الرقمية التي غالبًا ما تكون عابرة للحدود؛ فكثير من الأدلة الإلكترونية تكون موزعة عبر العديد من الدول والأقاليم، مما يجعل جمعها وتحليلها عملية معقدة. وفي كثير من الأحيان، يكون من الضروري الوصول إلى الأدلة الإلكترونية بسرعة لمنع التلاعب بها أو حذفها من خلال العمليات العادية. وفي ضوء ما تقدم، جاء اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتفاقية منع ومكافحة الجرائم الإلكترونية في خطوة تاريخية هي الأولى من نوعها في هذا المجال. وتم اعتماد الاتفاقية من قبل 193 دولة عضو في هيئة "الأممالمتحدة" بالإجماع يوم 24 ديسمبر 2024، وذلك بعد خمس سنوات من المفاوضات، مما يعكس التوافق العالمي على أهمية التصدي لهذا التهديد المتزايد. وتسعى الاتفاقية إلى تعزيز التعاون بين الدول من خلال إنشاء شبكة عمل على مدار الساعة للتعامل مع القضايا المتعلقة بالجرائم الإلكترونية. وستوفر هذه الشبكة دعمًا فوريًا في التحقيقات، وتبادل الأدلة، والمساعدة القانونية، مما يعزز القدرة على التحقيق في الجرائم العابرة للحدود. كما تتضمن الاتفاقية بنودًا تهدف إلى حماية الأطفال من الاستغلال عبر الإنترنت؛ حيث تعتبر هذه الاتفاقية أول معاهدة دولية تتناول العنف الجنسي ضد الأطفال المرتكب باستخدام "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات". هذا، ولا تقتصر الاتفاقية على الاستجابة السريعة للجرائم؛ بل تدعو أيضًا إلى الوقاية منها. في هذا الصدد، تشجع الاتفاقية الدول على تنفيذ استراتيجيات وقائية شاملة، مثل تدريب القطاعين العام والخاص على كيفية التعامل مع الجرائم الإلكترونية، وتطوير برامج لإعادة تأهيل وإدماج الجناة، ودعم الضحايا. بموجب هذه الاتفاقية، يتم تشجيع الدول على تقديم دعم أكبر للضحايا، مثل الوصول إلى خدمات التعافي، وتعويض الضحايا، وإزالة المحتويات غير القانونية من الإنترنت. في الختام، تمثل الاتفاقية العالمية لمكافحة الجرائم الإلكترونية خطوة حاسمة نحو تعزيز الأمان الرقمي العالمي؛ من خلال تعزيز التعاون الدولي، وتوفير الدعم للضحايا، وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل الأطفال، مما يعزز الثقة في الأنظمة الرقمية، ويسهم في تحقيق الاستقرار العالمي.