«من فات قديمه تاه» ولأن تاريخ مصر ومناطقها التراثية والأثرية، جزء لا يتجزأ من الشخصية المصرية، وهو إرث يتناقله الأجيال، جيل بعد جيل، كان لزاما على الدولة وتماشيا مع جهودها فى بناء المدن الجديدة والذكية التى تحاكى التطور العالمى أن تعمل جنبا إلى جنب على تطوير المواقع والمعالم التراثية بالقاهرة التى تذخر بالعديد من الكنوز التى تحكى تاريخ مصر عبر العصور المختلفة ومنها منطقة الفسطاط، التى تسعة الدولة لإعادتها إلى سابق عهدها، بما يسهم فى جذب المزيد من الحركة السياحية لهذه المواقع، وقد كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء مشروع «حديقة تلال الفسطاط»، و التى تعد الأكبر من نوعها فى الشرق الأوسط عمر البدرى يعتبر موقع مدينة الفسطاط الجديدة بمصر القديمة من أكثر ما يميزها، فهى تقع على بعد خمسة كيلومترات من وسط العاصمة، كما تبعد 20 دقيقة عن شارع صلاح سالم، و15 دقيقة عن الطريق الدائري، و25 دقيقة عن كورنيش النيل. فقبل نحو قرن من الزمان، كانت أطلال الفسطاط العاصمة الأولى لمصر الإسلامية بمصر القديمة، ويعود الفضل فى تأسيس الفسطاط كأول عاصمة ل مصر الإسلامية لقائد جيش الفتح عمرو بن العاص فى عام 641 م، وكان النيل يتفرّع عند موضعها إلى فرعين كبيرين واختار عمرو هذا الموقع القريب من حصن بابليون لوقوع المنطقة على الضفة الشرقية للنيل وليلعب دور المانع المائى ضد أى هجوم بيزنطى محتمل، كما تلعب جبال المقطم الواقعة فى أقصى الشرق ذات الدور الدفاعى وقد نمت الفسطاط بسرعة، واحتلت الدور والمساجد امتدادها على ضفة النيل والتهم عمرانها تدريجياً المزارع والبساتين حتى وصل إلى جبل المقطم، وبلغت أقصى امتداد لها وعمرت بالسكان والأنشطة التجارية والصناعية فى العصر الفاطمى عندما كانت العاصمة الاقتصادية للقاهرة المدينة الملكية الخاصة بالبلاط الفاطمي. وفى الآونة الأخيرة اكتسبت مدينة الفسطاط الجديدة شهرة كبيرة خاصة بعد موكب نقل المومياوات الملكية الذى شهده العالم أجمع، وافتتاح المتحف القومى للحضارة المصرية أو ما يعرف بمتحف الحضارة المصرية الجديد. عشوائيات حين تدخل مدينة الفسطاط تجد نفسك داخل حى سكنى توارت واجهته الجميلة خلف قبح العشوائيات. فعلى بعد عدة أمتار من بعض المشروعات الثقافية التى تشرف عليها منظمة اليونسكو، تتواجد جبال القمامة، ومستنقعات المجاري، التى تمتد من أمام مقابر الإمام وحتى مقابر البساتين، مستنقعات باتت مرتعا للحيوانات النافقة والحشرات، بحيرة عين الصيرة المجاورة كانت تحمل رواية أخرى، حيث كانت تثور فى وجه من اعتدوا عليها ولوثوا مياهها، ولولا أن تدخلت الدولة وأنقذتها وحولتها إلى بحيرة تُسر من ينظر إليها، وتصاعدت وقتها الأصوات مطالبة بإنقاذ المنطقة وما تحويه من تراث إسلامى، وعلى رأسها: متحف الحضارات المصرية، دار الوثائق المصرية، بيت القاهرة الثقافى، ومقر شرطة السياحة والآثار. تكليف رئاسى مؤخرا اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، واللواء محمد أمين مستشار رئيس الجمهورية للشئون المالية لمتابعة المخطط العام لمشروع «حديقة تلال الفسطاط»، والتى تعد الأكبر من نوعها فى الشرق الأوسط. ووجه الرئيس بالبدء الفورى فى تنفيذ مشروع «حديقة تلال الفسطاط» مع ضغط المخطط الزمنى التنفيذي، وذلك بالنظر إلى قيمته المضافة متعددة الجوانب على جهود تطوير القاهرة الكبرى، ولتمثل الحديقة إطلالة على تاريخ مصر الخالد لتصبح مقصدا سياحيا إقليميا وعالميا يعكس عراقة الحضارة المصرية، مع الاستمرار فى تطوير الطرق والمحاور والمداخل الرئيسية المحيطة بموقع المشروع لاستيعاب حركة المواطنين والسياحة المتوقعة لموقع الحديقة. السر فى المكان السؤال الذى يطرح نفسه الآن لماذا اتجهت الدولة لهذا المكان تحديدا؟ كان لزاما على الدولة وهى تشيد متحف الحضارة الذى سيكون قبلة للسائحين أن تنظر للمنطقة المحيطة بهذا المشروع الحضارى وما تحويه من مناطق أثرية حيث تضم منطقة الفسطاط بقلب القاهرة التاريخية: بحيرة عين الصيرة، ومجمع الأديان وجامع عمرو بن العاص، وبتنفيذ هذا المخطط ستتكامل الحديقة مع الطبيعة الحضارية للمكان وستحدث نقلة بيئية نوعية كأكبر متنفس أخضر فى قلب القاهرة. كنوز الفسطاط وستتضمن حديقة تلال الفسطاط التى تقع على مساحة 500 فدان عددا من الأنشطة التى تعتمد على إحياء التراث المصرى عبر مختلف العصور الفرعونية والقبطية والإسلامية والحديثة، فضلاً عن مجموعة من الأنشطة الثقافية والتجارية والخدمات الفندقية والمسارح المكشوفة، بالإضافة إلى منطقة آثار وحفريات قديمة، ومنطقة حدائق تراثية، كما تتوسطها هضبة كبيرة تتيح التواصل البصرى الفريد مع أهرامات الجيزة وقلعة صلاح الدين ومآذن القاهرة. وصف المخطط تعتمد رؤية مشروع تطوير منطقة الفسطاط التاريخية حسب ما أعلنه المكتب الاستشارى فى مقترحه للتطوير على تصميم حديقة عامة تكون لها إطلالة على عدد من المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية، وذلك من خلال توسطها بين تلك المعالم والمواقع، ما يجعلها مقصدا سياحيا إقليميا وعالميا، إلى جانب إتاحة عدد من الأنشطة الترفيهية، وكذا الصناعات التقليدية الخاصة بالمنطقة، وذلك اعتمادا على إحياء التراث الخاص بها عبر مختلف العصور التاريخية. وأكد مسئولو المكتب الاستشارى أن الهدف الاستراتيجى من أعمال التطوير خلق أكبر متنفس أخضر فى القاهرة. وكشف مسئولو المكتب الاستشارى عن العديد من المشروعات التى سيتم تنفيذها، والتى تتضمن إقامة عدد من المناطق منها، منطقة الحدائق التراثية، ومنطقة للمغامرات، والمنطقة الثقافية، والمنطقة التاريخية، ومنطقة حديقة الزهور المصرية، والمركز الترفيهى لحديقة الفسطاط، إلى جانب منطقة الأسواق، ومنطقة القصبة، والمنطقة الفندقية، فضلا عن مسرح «طومان باي»، وساحة البحيرة، ومسرح الوادي. خريطة الطرق لم يكن تطوير منطقة الفسطاط مجرد ترميم لأطلال أثرية وحسب تأكيد المكتب الاستشارى سيكون هناك مخطط للطرق والمداخل الرئيسية للحديقة، وكذا المعالم والمواقع الجاذبة المحيطة بها، ووجود مقترحات للربط بين هذه المواقع والحديقة، مضيفين أن المخطط العام لأعمال التطوير يتضمن إعادة تشكيل تلال الفسطاط الحالية، وإحياء وإعادة التنمية للمسار التاريخى للقصبة، إلى جانب تطوير موقع حفريات الفسطاط. وكشف مخطط التطوير عن وجود شبكة طرق جيدة تخدم مشروع التطوير، مع الاهتمام بتوفير أكبر مساحة ممكنة لانتظار السيارات الخاصة بزائرى الحديقة عقب التطوير، والتى من المتوقع أن تشهد إقبالا كبيرا من الزائرين، نظرا لما ستتضمنه من عدد من الأنشطة والفعاليات الترفيهية والثقافية والسياحية الجاذبة.