مثل النسيم العابر، غادرتنا فيروز المصرية التى ظلت طفلة فى عيوننا حتى رحيلها. ارتبطت فى حياتنا بفيلميها «ياسمين» و«دهب» حفظنا كل أغنياتهما، وأصبحت حتى وفاتها أيقونة فى عالم أطفال السينما. إنها بلا جدال أكثر أطفال السينما المصرية موهبة وشعبية. فيروز المصرية، الأرمنية الأصل، أو بيروز أرتين كالفايان ستظل دوما فى قلب الذاكرة (مواليد 1943) مازلت أتذكر متعة مشاهدة أعمالها الأولى، كانت تماما مثل حلوى الروبسوس التى أحبها حتى اليوم. أذهلتنا هذه الطفلة الأصغر حتى من أعمارنا، غناء ورقص وتمثيل وحضور وخفة ظل تسرق الكاميرا من الجميع بمن فيهم أسماء مثل مكتشفها أنور وجدى ومديحة يسرى وماجدة وزكى رستم وإسماعيل ياسين، ستندهشون إذا قلت لكم إننى حفظت كل أغنيات فيلمى «ياسمين» و«دهب» من أول مشاهدة، وكنت وقتها فى الصف الثانى الإبتدائى، شيرلى تمبل مصرية مذهلة، صارت أيقونة فى عالم الأبيض والأسود رغم قلة عدد أفلامها بل وقلة المتميز منها، أعتقد أن انفصالها فنيا عن أنور وجدى كان خطأ كبيرا، الغريب أن أحدا من أطفال السينما لم يصل أبدا إلى مواهب فيروز، فى السبعينيات، أرادوا تقديم فيروز جديدة، طفلة لمعت فى فيلم «الحفيد»، أنتجوا لها فيلما بعنوان «بص شوف سكر بتعمل إيه» من إخراج أشرف فهمى، كانت النتيجة كارثة فنية وفشلا تجاريا، حتى نيللى (شقيقة فيروز) ولبلبة ( قريبتها) لم تكونا فى طفولتهما فى مستوى فيروز التى حددت أفلامها إلى حد كبير صورة الطفل الغلباوى فى الأفلام المصرية ربما حتى اليوم، بل وفرضت أن يتكلم بأسلوب أكبر من سنه بكثير، كان ذلك مقبولا من فيروز، ولكنه لم يعد مقبولا من الآخرين، فيروز كانت أيضا مثل شيرلى تمبل التى لم تستطع أن تواصل النجومية عندما تجاوزت مرحلة الطفولة، لم ينس الجمهور صورتهما الأولى، ظلتا فى منطقة لا يمكن تجاوزها. من ذكرياتى عن فيروز أننى شاهدت لها حلقة للأطفال فى السبعينيات، ولكن الحلقة فشلت، فوجئنا بفيروز أخرى غير التى عرفناها، قمة نجاحها فى أفلام استعراضية خفيفة وكوميدية وبإنتاج كبير كما فى «ياسمين» و«دهب»، نسبيا كانت جيدة فى «الحرمان» وهو ميلودراما فاقعة من إخراج عاطف سالم، اشتهرت حتى مبالغاتها فى الصراخ والبكاء «شعْرى .. شعْرى»، ولكنى أحببت أكثر أغنيتها الجميلة فى الفيلم «ع البسكلتة»، فى فيلم عباس كامل «فيروز هانم» كان المستوى أقل، وفى «عصافير الجنة» كبرت فيروز وتاهت وسط شقيقتيها ميرفت ونيللى، تغيرت صورتها وملامحها فى فترة المراهقة، لم تعد طفلة، ولم تصبح أنثى ناضجة، ورغم ظهورها مع أكثر نجوم الكوميديا الشعبية فى نهاية الخمسينيات فى فيلميه «إسماعيل ياسين للبيع» و«إسماعيل ياسين طرزان»، إلا أنه كان واضحا أنها فى مرحلة الأفول، من أفلامها الأقل شهرة أيضا «أيامى السعيدة» و«بافكر فى اللى ناسينى»، ظلت فيروز طفلة فى أعين الجمهور حتى بعد أن تزوجت من الفنان الراحل بدر الدين جمجوم.