هل أضاع مادورو إرث شافيز؟ تساؤل طرحته نتائج الانتخابات التشريعية التى جرت فى فنزويلا الأيام الماضية والتى استطاعت فيها المعارضة الفوز بغالبية مقاعد البرلمان حيث حصدت 96 مقعدًا من أصل 167 مقابل 46 مقعدًا للحزب الحاكم وذلك للمرة الأولى منذ 16 عاما. وأرجع بعض المحللين تقدم المعارضة الممثلة فى ائتلاف مائدة الوحدة الديمقراطى ذات طابع يمين الوسط وفوزها بأغلبية البرلمان فى البلاد التى كانت تسير فى الطريق اليسارى منذ تولى الرئيس الراحل هوجو شافيز عام 1999 لعدة أسباب أبرزها الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها البلاد فى ظل ارتفاع معدلات التضخم والركود، فضلًا عن نقص السلع الأساسية وسط تبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة حول مسئولية هذه المشكلات، حيث اعتبر التصويت بمثابة استفتاء على طريقة تعامل الرئيس نيكولاس مادورو خليفة هوجو شافيز مع مشكلات البلاد رغم وجود أكبر احتياطى نفطى فى البلاد. وفى هذا السياق، قال لويس فينستى ليون، مدير معهد «داتا اناليسيس» للاستطلاع إن الغالبية العظمى من الذين ذهبوا للتصويت لصالح المعارضة ليسوا من المعارضة ولكنهم ضد مادورو، إنه تصويت عقابى بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية فى بلد كانت تعد إحدى الدول الأكثر ازدهارا فى أمريكا اللاتينية. وفى نفس السياق، اعتبرت مجلة تايم الأمريكية أن هذا الفوز يمثل هزيمة للتشافيزية التى يمثلها مادورو حاليًا. وعقب إعلان النتائج اعترف مادورو بانتصار المعارضة وتعهد بالعمل مع البرلمان الجديد الذى سيجتمع فى يناير المقبل إلا أنه استمر فى إلقاء اللوم على قوى الظلام الغامضة بزعزعة الاقتصاد الفنزويلى، وقال للذين صوتوا للمعارضة إنه آن الأوان لوقف الحرب الاقتصادية، وشدد على أن فوز المعارضة فى الانتخابات تم بفضل النظام الانتخابى الذى وضعه الرئيس الراحل شافيز، وأن ذلك دليل على ديمقراطية الانتخابات. وبعدما حصدت المعارضة الفنزويلية أغلبية مقاعد البرلمان اتجهت أنظار المراقبين لمعرفة مستقبل الحياة السياسية فى فنزويلا التى حكمتها الاشتراكية لأكثر من عقد ونصف، خاصة أن سياسات المعارضة والسبل المتاحة أمامها للنهوض بأوضاع البلاد الاقتصادية تظل مبهمة حيث لم تقدم خططا اقتصادية محددة، وليس لدى تحالف المعارضة الذى يضم نحو ثلاثين حزبا من اليسار واليمين سوى رفض التشافيزية، وهى المبادئ التى تحمل اسم الرئيس الراحل هوجو شافيز الذى توفى فى 2013 وتولى نيكولاس مادورو خلفا له رئاسة البلاد. وفى هذا السياق، تساءلت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية عما سيفعله تحالف مائدة الوحدة الديمقراطية بهذا الفوز؟ ونقلت الصحيفة قول إدوارد جلوسوب، المحلل فى مجموعة كابيتال ايكونوميكس، إنه فى كل الأحوال من غير المرجح أن يحدث تغيير سياسى كبير حتى بعد فوز المعارضة، بل على العكس فإنه من المتوقع أن تتصاعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى البلاد. نفس التشاؤم عبر عنه دييجو مويا اوكامبوس، الخبير فى مكتب «آى إتش إس»، والذى يتوقع شللا سياسيا، وتفاقم نقص الأغذية والسلع، وعدم استقرار حكومى. وبينما ستنتهى ولاية مادورو عام 2019 فإن قادة معارضين متشددين يرغبون فى الإطاحة به فى استفتاء ينظم العام المقبل، إلا أنه فى المقابل بإمكان مادورو الحد من صلاحيات البرلمان الجديد، وذلك عبر تمرير قانون بالبرلمان المنتهية ولايته يسمح له بالحكم مباشرة بمراسيم، وهو ما أشارت إليه مجلة «الاتلانتيك» التى توقعت سيناريوهات للمرحلة المقبلة، أبرزها أن يترك الحزب الحاكم المعارضة تربح لوقت قصير، حيث إن فوز المعارضة سيؤدى إلى إبعاد الضغوطات الدولية عن الحزب الحاكم بعد أن تكون فنزويلا أثبتت للعالم أنها ديمقراطية وبعدها يلجأ مادورو إلى استخدام النفوذ الذى يتمتع به داخل السلطة القضائية والمحكمة العليا للحد من نفوذ المجلس التشريعى، مشيرة إلى أن هذه الخطة ليست بجديدة على النظام، كما أن الديمقراطية لا تتحدد بما يجرى يوم الانتخابات بل بكيفية تصرف السلطة بعد الانتخابات.