لا يمكن وصف زيارة المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» لتركيا الأسبوع الماضى - والتى استغرقت يومًا واحدًا - بالعادية، إذ جاءت فى وقت بالغ الأهمية بالنسبة للبلدين، فهذه الزيارة تأتى فى ظل تصاعد أزمة اللاجئين بشكل غير مسبوق فى ألمانيا، مما أدى لزيادة الضغوط على ميركل، وكان آخرها طعن مرشحة من حزبها «الحزب الديمقراطى المسيحى» لبلدية كولونيا تعمل على مساعدة اللاجئين، فى الوقت الذى يستمر فيه تدفق المهاجرين الذين يمرون عبر البلقان باتجاه غرب أوروبا، والذين باتوا يسلكون طريق سلوفانيا، بعدما أغلقت المجر حدودها مع كرواتيا التى مر عبرها أكثر من 170 ألف شخص خلال شهر، أما تركيا فتشهد تطورات سياسية عديدة، حيث تأتى هذه الزيارة قبل نحو أسبوع من الانتخابات البرلمانية الجديدة، وفى نفس الوقت تعانى من تصاعد الهجمات الإرهابية، والتى كان أحدثها الهجوم الإرهابى الذى تعرضت له أنقرة، وخلف عشرات القتلى. هدف الزيارة المعلن، كما نشرته وسائل الإعلام الأوروبية كان لمناقشة خطة العمل التى أعلنها الاتحاد الأوروبى، لحمل أنقرة على وقف تدفق المهاجرين، خصوصًا الذين يفرون من الحرب فى سوريا، وتشجيعهم على البقاء فى تركيا. وقد عبرت التصريحات الرسمية لكل من ميركل ورئيس الوزراء التركى داوود أوغلو عن تقارب وجهات النظر بين البلدين، فيما يتعلق بهذه القضية، فأشاد أوغلو بمقاربة أفضل للاتحاد الأوروبى فى موضوع تقاسم عبء اللاجئين، معربًا عن ثقته فى التوصل إلى نتائج جيدة بشأن هذه الأهداف، أما ميركل فأشارت إلى الأعباء التى تحملتها تركيا بإيواء أكثر من مليون لاجئ من سوريا بتمويل قليل نسبيًا، مما أسفر عن تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وقالت إن تركيا لم تتلق إلا القليل من المساعدة الدولية حتى الآن، لمساهمتها الهائلة فى مسألة اللاجئين، وأكدت أن الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبى الناجمة عن ذلك ليست فى مصلحة أى من الطرفين، ووعدت ميركل بأن يشارك الاتحاد الأوروبى بشكل أقوى ماليًا، وأن تؤدى ألمانيا دورها. وبعيدًا عن التصريحات الرسمية، فقد اهتمت الصحف العالمية بمناقشة نتائج تلك الزيارة، وتساءلت عن حقيقة وجود صفقة بين الاتحاد الأوروبى وتركيا لحل تلك الأزمة. صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أشارت إلى هذا الأمر بشكل صريح وواضح فى تقرير تحليلى، فتحت عنوان « الاتفاق الأوروبى القذر» أكدت وجود صفقة بين الاتحاد الأوروبى وتركيا لمعالجة أزمة اللاجئين، حيث أشار التقرير إلى أن ألمانيا قررت دعم طلب تركيا للانضمام لعضوية الاتحاد، مقابل وقف تدفق المهاجرين عبر حدودها إلى الاتحاد الأوروبى. وذكرت الصحيفة أيضًا احتمالية موافقة الاتحاد الأوروبى على منح 3 مليارات يورو لتركيا، مقابل إيواء اللاجئين. أما موقع «روسيا اليوم»، فذكر فى تقرير مطول أن تركيا تسعى للحصول على مساعدة مالية أكبر، مقابل وقف تدفق اللاجئين لأوروبا، حيث تصر تركيا على أن المساعدة المالية يجب ألا تقل عن 3 مليارات يورو، بينما عرضت بروكسل مليار واحد فقط، وليس الجانب المالى هو فقط الهدف الذى يسعى إليه الرئيس أردوغان من تلك الزيارة، لكن الأهداف الأخرى تكمن فى دعم سياسى لحزبه، الذى بدا أن شعبيته تتراجع عقب التفجيرات الإرهابية فى إسطنبول، إضافة إلى تراجع عجلة النمو الاقتصادى، وهو السبب الأهم فى نجاح حزب العدالة والتنمية فى السنوات العشر الأخيرة. من جهتها رأت صحيفة «دى فيلت» الألمانية أن قيام المستشارة الألمانية ميركل بزيارة إسطنبول سعيًا للحصول على مساعدة تركيا فى وقف تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط إلى أوروبا له دلالات عديدة، خاصة أن هذه الزيارة تأتى قبل أسبوع فقط من الانتخابات البرلمانية التركية. فالمستشارة الألمانية على علم أن فشلها فى إدارة أزمة اللاجئين سيكون الضربة الحاسمة لسياستها أمام الألمان، وتريد ميركل التوصل لاتفاق أوروبى مع تركيا من شأنه تقديم مساعدات مالية وتوثيق العلاقات الأوروبية التركية، مقابل الحصول على مساعدة الأخيرة فى تشجيع اللاجئين على البقاء فى تركيا، ولكن بشكل مناسب يحفظ كرامتهم ودون التضحية بحقوقهم الإنسانية. وتتمثل المطالب الأوروبية فى تحسين حقيقى لوضع اللاجئين يتمثل فى حصولهم على حق العمل، والتحرك داخل تركيا، وحصولهم على مساعدات مالية، والسماح للأطفال بالتسجيل فى المدارس الحكومية، وتريد الدول الأوروبية أيضا أن تعمل تركيا على وقف طوفان الهجرة من اللاجئين صوب الأراضى الأوروبية، وفى المقابل فإن أوروبا ستقدم ثلاثة مليارات يورو للحكومة التركية، بالإضافة إلى حرية الحركة لحامل الجواز التركى داخل منطقة شينجن. وترى الصحيفة الألمانية أنه على الرغم من حاجة أوروبا للمساعدة التركية، حيث تتخوف الدول الأوروبية من استمرار قدوم اللاجئين إلى أراضيها، إلا أن التنازلات الأوروبية لأردوغان مؤلمة وتصب فى رفع أسهمه قبل الانتخابات. وشككت الصحيفة فى قبول أردوغان لهذه الخطة بشكل فورى قائلة «إن مصلحة اللاجئين السوريين وتحسين ظروف معيشتهم، لا تتواجد على قائمة أردوغان الحالية، فهو يعرف أن اللاجئين هم ورقته الرابحة حاليا، وسيستخدمهم من أجل فرض شروطه».