دردشة مع عملاق القصة العربية نجيب محفوظ الذى استطاع أن يقفز بالقصة العربية إلى آفاق العالمية.. وهى محادثة للاقتراب من تفكير الفنان الكبير بعيدًا عن الأدب بقدر الإمكان. وعن نظرته إلى الحياة قال الفنان الكبير بابتسامة مشرقة عريضة: لقد وصلت إلى السن التى أقبل فيها الحياة بخيرها وشرها ثم إننىأزداد تفاؤلاً وإيمانا بالإنسان ولا أكف عن البحث. كثيرًا ما يقرأ الإنسان عن أدباء تربعوا على القمة.. وحياتهم الخاصة وسلوكهم الخاص يتنافى مع ما وصلوا إليه من مجد فكرى، ما تبريرك لهذا؟ أنا أعتقد أن الشذوذ ليس وفقا على الفنانين.. مثلاً مقلدو الخنافس ليسوا حتمًا من الفنانين.. فى فترة من الفترات انتشرت هذه الظاهرة فى الفنانين والشعراء الفرنسين فى أواخر القرن التاسع عشر وكانت ضمن مظاهر سلوكهم المحتج على الحياة والمجتمع ثم سرت بالتقليد لآخرين لا يشاركونهم سخطهم إنما يودون لفت النظر.. ومهما يكن من أمر فهى هنا قد تغتفر للشباب ولكنها تذهب بالنضج. هل تشعر بالضيق عندما يوجه إليك من نقد؟ اجاب ضاحكًا ليس هناك إنسان لا يسوؤه ما يوجه إليه من نقد ولكن العبرة بالموقف الذى يتخذه من هذا النقد وإلا كان ناقد الإحساس وهو بالعادة وبتقدم السن وبالنضج يسلم بالنقد المعتاد كأمر واقع عليه أن يتقبله وأن يستفيد منه ما أمكنه ذلك. هل وجه إليك مرة نقد مغرض؟ لا أعتقد أن وجه إلى نقد مغرض بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة.. فالناقد ليس إلا قارئًا يمتاز بمزيد من الوعى والتجربة ولابد أن تختلف الأذواق وأنا يرضينى جدًا أن يتفق الرأى فى عملى بينى وبين 50% من قرائى. كثر الحديث أخيرًا حول التفرغ فهل تؤمن بالتفرغ أم هو نوع من البطالة؟ أن اعتبر التفرغ منحة جليلة جديرة بالدولة الاشتراكية ولكن أعتقد فى نفس الوقت يجب ألا يمنح غير للشخص الذى لايسطيع بغير التفرغ أن ينتج العمل المطلوب.. اما إذا منح لشخص يمكن أن ينجز عمله بلا تفرغ فهو نوع من البطالة لا أكثر ولاأقل. لو لم تكن نجيب محفوظ الفنان فماذا كنت تريد أن تكون؟ أجاب على الفور كنت أفضل أن أكون من العلماء فالعلم هو أساس الحياة الحديثة من غير جدال. هل هناك ما غير مجرى حياتك؟ فى مطلع حياتى كنت متجهًا اتجاهًا علميًا بسبب قراءاتى الأدبية والفلسفية تحولت فى لحظة اختيار إلى الأدب وكانت البيئة فى ذلك الوقت تكبر شأن الأدب إلى غير حدود ولا تكاد تفطن إلى قيمة العلم إلا باعتباره يهيئ أساسًا ماديًا محترمًا للمتخصصين فتوهمت أن مفتاح الحقيقة فى الفلسفة والفن ولم أدرك الحقيقية للعلم إلا بعد فوات الأوان وطبعًا أرجو ألا تفهم من كلامى أننى اقلل بأى حال من الأحوال بدور الفن فى حياة الإنسان.