مناورة سياسية أم إقرار بالفشل فى مهمته؟ لعل هذا هو السؤال الأبرز عند مناقشة الأزمة اليونانية التى يبدو أن فصولها لن تنتهى قريبًا، بعد إعلان رئيس الوزراء اليونانى «ألكسيس تسيبراس» استقالته من منصبه، إثر خسارته غالبيته البرلمانية، حيث دعا إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة فى سبتمبر القادم. جاءت تلك الاستقالة فى الوقت الذى نجح فيه تسيبراس - بشكل جزئى - فى إنقاذ البلاد من دائرة الانهيار الاقتصادى، والخروج من منطقة اليورو، حيث حصلت أثينا على الدفعة الأولى بالفعل من الحزمة الثالثة للمساعدات، التى يبلغ إجمالها 86 مليار يورو (97.6 مليار دولار) فى 3 أعوام، ولكن كما يقال، تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث فوجىء تسيبراس بخسارته الأغلبية فى البرلمان خلال التصويت على خطة الإنقاذ الثالثة، ورفض 40 نائبًا يمثلون حزبه هذه الخطة، مما أدى لتراجع الأغلبية البرلمانية إلى 119 نائبًا من أصل 300، وفى مؤشر على الانقسام بصفوف حزب تسيبراس، أعلن 25 نائبًا بزعامة «لافازانيس» انشقاقهم عن حزب سيريزا، وعزمهم على تشكيل كتلة برلمانية باسم «الاتحاد الشعبى» فى تطور هو الأول من نوعه منذ فوز حزب سيريزا فى انتخابات 25 يناير الماضى. ورغم الاستقالة، ألمح تسيبراس لاحتمال عودته مرة أخرى فى حالة رغبة الشعب اليونانى، قائلا فى خطاب الاستقالة «إن الأمر يعود لليونانيين، لتحديد ما إذا كنا مثَّلنا البلاد بشكل جيد، وما إذا كان الاتفاق يضمن الشروط التى تسمح بنهوض البلاد، أترككم لتقرروا وضميرى مرتاح، لأننى قاومت الضغوط والابتزاز». ومع أن الاستقالة قد تدفع اليونان لحالة من عدم الاستقرار السياسى، إلا أن تعليقات الدائنين الأوروبيين لم تبد أى مخاوف من تأثير تلك الاستقالة على خطة الإنقاذ الأوروبية، فقالت الناطقة باسم المفوضية الأوروبية «أنيتا بردهاردت» إن استقالة تسيبراس لم تكن مفاجئة نظرًا إلى اتصالات منتظمة بينه وبين رئيس المفوضية «جان كلود يونكر»، وأوضحت أن المفوضية ليست قلقة على مصير برنامج الإصلاحات، كونه يحظى بدعم المعارضة المحافظة، التى كلف الرئيس اليونانى زعيمها «ميماراكيس» بتشكيل حكومة انتقالية. ولكن هذا لم يمنع بعض التطورات السلبية التى شهدتها اليونان خلال الأيام الماضية، حيث ذكرت «سكاى نيوز» أن «ميماراكيس» أعاد تفويضا له بتشكيل الحكومة، إلى رئيس البلاد بعد فشله فى تحقيق ذلك خلال مهلة مدتها 3 أيام، فى أعقاب استقالة تسيبراس، وأعطى الرئيس «بروبوكيس بافالوبولوس» التفويض للزعيم اليسارى لافازانيس بعد ذلك، والزعيم اليسارى المتشدد هو صاحب ثالث أكبر كتلة فى البرلمان اليونانى بعد أن تشكل حزب «الاتحاد الشعبى» الأسبوع قبل الماضى، وهو مجموعة منشقة عن حزب سيريزا اليسارى الذى يتولى السلطة منذ يناير الماضى. التطورات التى شهدتها الأزمة اليونانية خلال الأسبوعين الماضيين كانت محورًا لاهتمامات الصحف الأوروبية التى ركزت على أسباب استقالة تسيبراس، وهل ما فعله مناورة سياسية، يعود بعدها لقيادة الحكومة بعد الانتخابات المبكرة، فى هذا السياق كتبت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن قرار تسيبراس الاستقالة، وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، هو مقامرة جديدة، بعد ما يزيد عن شهر من استفتاء على خطة المساعدات اليونانية الذى هز أوروبا، وكاد يؤدى إلى خروج اليونان من منطقة اليورو. وفى ذات الإطار، ذكرت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أنه باستقالته، يأمل تسيبراس الذى لا يزال يتمتع بشعبية، فى استعادة ريادته من خلال التخلص من متطرفى حزب سيريزا الذين أعلنوا انشقاقهم عن الحزب، مضيفة أن تسيبراس قد يفوز فى الانتخابات المقررة فى سبتمبر المقبل، رغم أنه ليس مؤكدًا حصوله على أغلبية مطلقة، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة سيكون بذلك قد أبرز على الأقل ريادته داخل حزبه.