المظاهر والبوادر ليست جديدة ولكنها ممتدة ومتشعبة حتى باتت حقيقة لا تحتمل التكذيب، أو المدارة، ولا حتى التأويل أو التجميل، وفى عبارة واحدة وقاطعة وباترة: الإخوان – الجماعة – تنفجر من الداخل، وتواصل الانهيار ويقود كوادر الجماعة من الشباب ثورة تمرد على النظام الأبوى، ونظام السمع والطاعة، والتقاليد والأعراف التى حكمت الجماعة منذ بداياتها الأولى أيام حسن البنا. ..صحيح أن أزمات الجماعة الداخلية كانت تتكرر باطراد مع صداماتها التاريخية بالسلطات، لكن أحدث هذه الأزمات بالتحديد لها خطورتها على داخل الجماعة وعلى خارجها المحلى (الدولة والمجتمع المصرى) والإقليمى (المنطقة العربية) التى تواجه أخطارا كبيرة.(1) والسؤال: إلى أين يقود الانفجار الحادث داخل جماعة الإخوان الآن؟!. شباب الجماعة يتمرد على المرشد وقياداته من العواجيز القابعين خلف قضبان السجن، والهاربين خارجه.. المرشد محمد بديع يصدر بيانًا - قبل عدة أيام - تتبنى نشره قناة الجزيرة مباشر يدعو فيه للسلمية وعدم الانجرار للعنف والمشاركة فى الثورة بشكل سلمى إلى آخر ما ورد فى بيانه الذى يحاول فيه أن يواصل لعب دور البرىء، ووهم أنه يمكن أن يبرىء الجماعة من أعمال الإرهاب والعنف اللذين نشهدهما فى مصر منذ عامين، حتى بتنا جميعا نعرف - من دون شك - من وراء هذه الأفعال، ومن يمولها، ومن يشجعها، ومن يحرض عليها، وما هو الهدف منها، ونعرف أيضًا أنه لن تجدى كلمات المرشد فى بيان أو خطبة أو دردشة مع أحد رفاقه فى المحبس من أعضاء الجماعة، لكن حتى هذا البيان السلامى الذى نُسب للمرشد لا يعنى شيئًا فى سياق الأزمة الحالية بين الجماعة وباقى المصريين، وهذا البيان لا يعجب جيل القيادة الجديد الذى انقلب على عواجيز الجماعة فلم يكتف بتكذيبه ونفى نسبته للمرشد ولكن نشرت قيادات الجماعة الجديدة ردًا مطولا على صفحة لهم تحمل اسم: «صوت الإخوان» وفى هذا الرد لم يكتفوا بنفى البيان السلامى عن المرشد باعتباره من مظاهر الضعف والخنوع للأوضاع الحالية، ولكنهم انتهزوا الفرصة وفضحوا فى هذا الرد بعض خصومهم من العواجيز الذين يرفضون قيادتهم بينما يرد هؤلاء العواجيز عليهم بعدم الاعتراف بالانتخابات التى أجرتها القواعد وأفرزت قيادات الجماعة الجدد الذين يتبنون العنف، والتصعيد ضد الدولة ويرفضون اجتهادات العواجيز الذين يحاولون أن يبقوا على شعرة ممدودة مع الدولة والمجتمع المصرى لعلهما ينسيان وتعود الجماعة للانخراط فى المجتمع والعمل السياسى مرة أخرى، لذلك ترفض تلك القيادات الجديدة أيضا أى حديث عن وساطة للمصالحة بين الجماعة والدولة المصرية ممثلة فى قياداتها الحالية، وأنتهز أيضا ثائرو الجماعة الجدد الفرصة للكشف عن بعض ممارسات الفساد المادية لبعض مناوئيهم من قيادات الجماعة القدامى، ناهيك عن تدشين بعض شباب الجماعة المتمرد حساب على تويتر «هاشتاج» تحت عنوان: «كواليس العواجيز» وبقدر ما يعكس العنوان من دلالات فإن «التويتات» الواردة فيه تفضح بجلاء أزمة الانقسام العميقة التى ضربت الأجيال وتؤكد كُفر الأجيال الشابة من الجماعة بعواجيزها الذين أوصلوا الجماعة من وجهة نظرهم إلى الحال الذى آلت إليه من ضعف وهوان على الناس. (2) وليست الخطورة أن هناك نزاعا أو تنازعا على القيادة داخل الجماعة أو بين كوادرها من عواجيز الصف الأول والشباب الطليق من قيادات الصفوف التالية الذين انتخبوا قيادات جديدة وشكلوا ما أسموه «لجنة إدارة الأزمة» لتقود الجماعة فى الوقت الراهن، ولكن الخطورة الآن فى العشوائية التى تحكم فكر الجماعة واستراتيجيتها، والتى سوف تقود حتمًا من المقدمات الحالية إلى نتيجة مؤداها سيطرة أجيال الجماعة الجديدة التى تفضل العنف الشديد للمواجهة والمبادرة به كنوع من السلوك الثورى، والخطورة أيضا فى أن هذه الأجيال تخرج بالقضية كلها من الشأن المحلى إلى ما يشبه التدويل والاستقواء بالخارج وتفضيل الاستعانة بخصوم الدولة على البحث عن أنصار للجماعة فى الداخل، وفى هذا الصدد تحديدا فقد لجأ جيل القيادة الجديد لتمثيل عناصر الخارج سواء فى «لجنة إدارة الأزمة» أو المكتب الذى يرأسه الإخوانى أحمد عبد الرحمن والذى أصدر خلال الشهر الماضى بيانًا كشف فيه عن مهمته بوضوح والتى يمكن تلخيصها فى تدويل الصراع والحشد الإقليمى والدولى ضد الدولة المصرية. (3) وعلى مستوى الداخل لا يجد هذا الجيل غضاضة فى ممارسة كل أفعال الإرهاب بعد شرعنتها، وإسباغ صفة الحلال عليها وحين يمارس شباب الجماعة مثل هذه الأعمال فهو لايختار أهدافه، ولا يفرِّق، بل ويخلط عن عمد وإصرار ما بين الدولة ومؤسساتها ومرافقها والشخوص الذين يتخذونهم أعداء مباشرين، وقد توسعت قائمة المستهدفين لديهم حتى صارت تشمل كل المسئولين فى الدولة تقريبًا. .. وفى تقرير منشور على موقع «المصريون» بتاريخ الأول من شهر يونيو الحالى يتم وصف هذا الجيل من قيادات الجماعة بأنه « يتبنى استراتيجية المقاومة الإيجابية .. وأن يكونوا هم الفعل وليس رد الفعل، مع تفعيل مبدأ حق الدفاع عن النفس .. لا يضعون حدودًا أمام الأدوات الممكن استعمالها فى التعامل مع الأزمة الحالية، لذلك وجدنا عمليات استهداف مؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية مثل محولات الكهرباء». انتهى. هذا هو فكر الأجيال الجديدة من الجماعة والمسئولين عنهم الذين تجاوزوا حدود التمييز وعقلنة الأمور، وهم أنفسهم يفضحون أنفسهم فنرى مثلا محمد منتصر المتحدث الإعلامى (الجديد) الذى يمثل هذه القيادات يصرح تعليقًا على تنفيذ حكم الإعدام فى مجرمى «خلية شركس» بأنه لا صوت يعلو فوق صوت القصاص.. صوت دماء الشهداء.. وهؤلاء الذين يصفهم محمد منتصر بالشهداء مارسوا جرائم إرهابية قتلوا فيها جنودا من الجيش والشرطة كلهم تقريبا من الأفراد الذين يقضون فترة تجنيدهم الوطنى ولا يمكن أن يتصور أحد أنهم فى خصومة مع الجماعة أو أحد من أفرادها وكل ذنب الضحية البرىء أنه يقف فى نقطة حراسة أو كمين، وما كان هذا الحكم بالقتل العنيف الذى وقع عليه إلا بعد اتهامه من القتلة بالكفر ونسبته إلى «الطائفة الممتنعة» التى تحول دون الوصول إلى الحاكم الذى هو هدفهم. وهل بعد هذا نحتاج إلى فتوى أو سؤال عمن يستحق صفة الشهادة وما إذا كان القاتل الإرهابى أم الجندى القتيل البرىء؟! (4) الخلاصة مما سبق أن سيطرة هذه النزعات وهذا الفكر على أجيال الجماعة الجديدة لا يرد الجماعة فقط إلى عصر ازدهار التنظيم السرى وسيطرته على الجماعة ولكن يدفع بهذه الأجيال إلى اعتناق أفكار أكثر راديكالية وعنفًا عن أسلافهم، وقد يقودهم إلى مفارقة الجماعة والانضمام لتنظيمات إقليمية إجرامية مثل داعش مسقطين مصريتهم، ومع اختيار هذا البديل فقد حققوا هدفا من أهداف أعداء أمة الإسلام الذى يدّعون الدفاع عنه، ومن نافلة القول أن نعيد ونكرر أن دولة دينية فى المنطقة العربية مثل داعش ترفع كذبا وزورا مسمى الدولة الإسلامية، تمنح مشروعية لإسرائيل فى إعلان مملكتها اليهودية.