الأحداث الإرهابية التى ضربت المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية خلال الأشهر السبعة الماضية بداية من جريمة الدالوة بالأحساء، ومسجد القديح بالقطيف، وانتهاء بجامع حى العنود بالدمام هى جولة من محاولات الإرهاب ضرب استقرار المملكة، وإشعال فتيل الفتنة الطائفية بين الشعب السعودى سنة وشيعة، ولا يخفى على أحد أن بصمات «داعش» وإيران مطبوعة بوضوح على مواقع تلك الجرائم الإرهابية. وقد أخذت التهديدات الإرهابية أبعادًا أخطر فى ظل استمرار الأزمات الإقليمية فى العراقوسوريا الأقرب للجوار السعودى، كما تم استغلال أجواء «عاصفة الحزم» ومحاولة تصويرها على أنها حرب مذهبية. ويبدو واضحًا أن الهدف الأساسى للحوادث الإرهابية الثلاث كان محاولة لخلط الأوراق وإذكاء صراعات مذهبية، ظنًا بأن ذلك سيسقط هيبة الدولة ويشعل نيران الفتنة بين الشعب، إن الأطراف التى من مصلحتها استهداف السعودية هى إيران و«داعش» و«حزب الله» والحوثيون. ورغم أن «داعش» معادية لإيران مذهبيًا والعكس صحيح، لكن السعودية هى الهدف الأكبر لكل منهما، لذلك تلتقى مصلحتهما فى محاولة إضعافها وإسقاط هيبة الدولة وإشعال الفتنة الطائفية، ولكن يبقى الوعى بتلك الأهداف هو الحصن والسياج ضد أية محاولة لاختراق النسيج الوطنى وضرب الوحدة الوطنية. المنطقة الشرقية خلال سبعة أشهر فقط بلغ عدد الضحايا فى الأعمال الإرهابية الثلاثة التى ضربت المنطقة الشرقية 34 شخصًا. فى البداية كانت حينية قرية الدالوة بالأحساء، ثم مسجد قرية القديح فى القطيف، ومؤخرًا جامع الحسين بحى العنود فى الدمام، كلها فى المنطقة الشرقية، وكلها استهدفت الشيعة. وخلال وقت قياسى كشفت الداخلية عن هوية منفذ جريمة القديح وأكدت أنه الإرهابى صالح عبد الرحمن القشعمى - سعودى الجنسية - وهو من المطلوبين أمنيًا لانتمائه لخلية إرهابية تتلقى توجيهاتها من تنظيم «داعش». وفى الدمام تحول شاب سعودى إلى بطل فى نظر آلاف الشباب السعوديين بعد أن تصدى ببسالة للانتحارى الذى كان يهم بتفجير مسجد حى العنود، الشاب عبد الجليل الأربش لاحق الإرهابى ومنعه من دخول المسجد، ففجر نفسه مما أدى لاستشهاد ثلاثة من الشباب كانوا يحيطون بالإرهابى. وكان تنظيم داعش قد أعلن تبنيه العملية الإرهابية التى وقعت خارج مسجد حى العنود بالدمام وأن الاسم الحركى لمنفذ العملية «أبو جندل الجزراوى». تقسيم المملكة إن المفهوم الاستراتيجى لتنظيم داعش يهدف إلى نقل أنشطته إلى داخل المملكة من خلال تنفيذ عمليات إرهابية الهدف منها إحداث حالة من الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار حتى يسهل عملية توسيع أعماله. هكذا كشفت وزارة الداخلية السعودية عن مخططات لداعش تهدف إلى تقسيم المملكة إلى خمسة قطاعات لتسهيل تحرك عناصره وتنفيذ العمليات فيها. وأكد المتحدث باسم الوزارة اللواء منصور التركى أن الأهداف الآنية للتنظيم تستهدف رجال الأمن وتم إحباط مخطط كان يستهدف اغتيال خمسة من رجال الأمن. ولفت إلى تركيز التنظيم على استدراج الأطفال من خلال شبكات التواصل الاجتماعى فيما يطلق عليه «جيوش الأطفال». وكشف العميد بسام عطية المختص بمكافحة الإرهاب فى الداخلية أن مهمة العمل داخل قطاعات «داعش» فى السعودية تمثلت فى توزيع العناصر البشرية فى كل قطاع وتعيين أمير داعشى لكل منطقة. وكشف العميد عطية عن أن خلية «داعش» التى تم القبض عليها تم تشكيلها قبل 4 أشهر، وأن زعيم الخلية عبد الملك البعادى الذى يبلغ من العمر 20 عامًا جند 23 شخصًا من أصدقاء وأقارب، غالبيتهم لا تتجاوز أعمارهم 16 عامًا. وتواصل البعادى مع شقيقه الموجود فى سوريا ضمن تنظيم «داعش» إلا أن شقيقه منعه من الالتحاق ب «داعش» فى سوريا بقوله «لا تأتى إلينا، فالعمل عندكم، وكن فى مكانك، فالجهاد لديك». لم تكن تفجيرات الدالوة والقديح والدمام المواجهة الأولى للسعودية ضد الإرهاب، فكانت الجولة الأولى فى المعركة ضد الإرهاب عام 2003 عندما استهدفت الجماعات الإرهابية ثلاثة مجمعات سكينة فى مدينة الرياض أوقعت أكثر من 30 قتيلًا، كما استهدفت مقار أمنية فى محاولة لتحقيق مكاسب نوعية وضرب مفاصل الدولة. إلا أن السعودية نجحت فى القضاء على تلك الموجة الإرهابية، ونجح الأمن فى اختراق الخلايا الإرهابية وقبض على رموزهم. الموجة الثانية من الإرهاب جاءت بعد ثورات الربيع العربى، وتطورات الأوضاع الإقليمية، وتحديدًا فى العراق، ثم سوريا، وغياب الاستقرار فى اليمن، واستمرار بؤر التوتر فى أفغانستان والصومال. لم تجد الموجة الإرهابية الجديدة سوى إشعال فتيل الفتنة الطائفية لخلط الأوراق ومحاولة إشعال صراعات مذهبية لا وجود لها فى نسيج الواقع الدينى والاجتماعى للمملكة. فجاءت جريمة الدالوة ثم مسجد القديح ثم مسجد حى العنود، فى محاولة لإدخال المملكة فى حرب طائفية تدخلها فى دائرة من العنف والعنف المضاد. الموقف السعودى من تلك الجرائم الإرهابية كان حاسمًا وحازمًا من قمة الحكم حتى المواطنين المستهدفين بهذه الجرائم، وقد كان لافتًا الموقف الصارم الذى اتخذه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، متعهدًا بمواصلة الجهود لمحاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهاربيين والقضاء على بؤرهم، كما توعد كل ما شارك أو تعاطف مع تلك الجرائم بأنه سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة وسينال عقاب الذى يستحقه. كما أكد ولى العهد ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف أن المملكة واقفة بقوة ضد الإرهاب ولن تزعزعنا مثل هذه الحوادث، مررنا بحوادث أكبر، والحمد لله الوضع تحت السيطرة، وأضاف أنه فى حال حدوث أمر ما سيتم التعامل معه بشكل صارم مصحوب بنوع من الاتزان حتى لا يؤثر فى حياة بقية المجتمع. كما وصف مفتى عام السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ استهداف المصلين بأنه جريمة عظيمة وذنب كبير يدل على أن فاعله ليس بمؤمن وإنما هو من أعداء الإسلام. وقال د. فهد الماجد الأمين العام لهيئة كبار العلماء إن الدين الإسلامى حرم التعرض لدور العبادة حتى فى الحروب المشروعة، فكيف باستهداف المساجد فى المجتمع المسلم وفى دولة إسلامية تحكم بالشريعة وتخدم الحرمين الشريفين. محاولة للفهم عقب تفجير القديح بالقطيف ارتفعت دعوات من ناشطين سعوديين لإصدار قوانين لمكافحة وتجريم الكراهية والتحريض الطائفى باعتبارهما ضرورة لحفظ الأمن وضمان استقرار المجتمع والتعايش الداخلى. وكان مجلس الشورى قد ناقش فى نوفمبر الماضى سن مشروع تجريم الطائفية والعنصرية والقبائلية والمناطقية، وكانت مناسبة طرح الاقتراح لمناقشة العمل الإرهابى فى الدالوة بالأحساء. ويرى ناشطون أن موجة عالية من التحريض الطائفى سبقت جريمة القديح، وأن عددًا من الدعاة مازالوا يمارسون تحريضًا ويطلقون دعوات للعنف والكراهية، وبالتالى فالحاجة ماسة لقانون يكافح كل أشكال إثارة الكراهية ويحمى الوحدة الوطنية. ويجب أن نعترف بوجود متطرفين هنا وهناك ودعاة للفتنة هنا وهناك، وأنه لا حل سوى العيش تحت مظلة مدنية تضمن لكلا الطرفين ممارسة عباداته وشعائره بالشكل الذى يعتقده، بعيدًا عن الاحتكاك والمقارنة بين المذهبين فيجب التوقف عن دعوات التقارب ونستبدلها بدعوات التعايش. بصمات إيرانية وهناك الكثير من المراقبين يقولون إن إيران قد تكون هى المخطط لهذه الأعمال الإرهابية، وهذا أمر وارد لكن إلقاء المسئولية على إيران ليس حلاً، فالإرهابى الانتحارى يحمل موقفًا عقائديا يتعارض مع الأيديولوجية الإيرانية، وبالتالى فهناك خطر داخلى تكون علىمدى سنوات طويلة وتم استخدامه فى اللحظة المطلوبة. من يقف وراء الإرهاب لا يهمه إن كان الضحايا شيعة أو سنة، المهم هو الهدف الكبير المتمثل فى إسقاط هيبة الدولة ومن ثم إسقاط الدولة. فالمملكة الآن هى حائط الصد الأول أمام سياسات إيران التوسعية، فالمملكة لها دور استراتيجى فى محاربة الإرهاب، والمملكة هى التى تصدت للأطماع الإيرانية فى البحرين فى فبراير 2011، وتشكيل التحالف العربى لإنقاذ اليمن من العصابات الحوثية، ووقوفها إلى جانب الشعب السورى. ومن قراءة الأحداث فى المنطقة ندرك أن المستهدف الأول من خطاب التطرف ولغة الإرهاب والأكاذيب الإعلامية سواء كان مصدره «داعش» أو «القاعدة» أو كان مصدره الميليشيات التى ترعاها إيران فى لبنان واليمن والعراق هو المملكة العربية السعودية. وتعمل إيران بطريقتين، الأولى دعم بعض متطرفى الشيعة للقيام بعمليات تخريبية مثل تفجيرات الخبر عام 1996، والثانية دعم حركات الإرهاب السنية تنظيم «القاعدة» لخلق الفتنة الطائفية كما تم فى العراق، وكما يتم اليوم مع تنظيم «داعش» وكما دعمت لسنوات طويلة تنظيم «القاعدة» فى حربه ضد السعودية. تفجيرات الدالوة وتفجيرات القديح وحى العنود ومحاولة تهريب متفجرات من البحرين للسعودية، كلها تؤكد على استمرار النهج الإيرانى المتحالف مع «داعش» لضرب السعودية. والرهان الحقيقى الآن على صلابة الجبهة الداخلية وتماسك الشعب السعودى حتى تتجاوز هذه الموجة الإرهابية العاتية، واستعير كلمات الكاتب السعودى الدكتور توفيق السيف: «إن هذا الهجوم البربرى جرح قلوب السعوديين جميعًا من القمة إلى القاعدة، وهذه الجريمة كشفت أن التكفيريين ودعاة الكراهية إقلية معزولة، وأن السعوديين جميعًا يد واحدة وروح متساوية فوق المناطق والمذاهب».