اثارت الزيارة التى قام بها رئيس الوزراء التركى أحمد داود أوغلو إلى العاصمة اليونانية خلال الأسبوع الماضى العديد من التساؤلات، وخاصة أن زيارة أوغلو لأثينا جاءت بعد أقل من شهر على استضافة الرئيس عبدالفتاح السيسى لكل من رئيس وزراء اليونان أنتونيس ساماراس ورئيس قبرص نيكوس آناستاسيادس.. وانعقاد قمة ثلاثية بين مصر وقبرص واليونان استضافتها القاهرة خلال شهر نوفمبر الماضى بهدف دعم الجهود المصرية فى مواجهة «الإرهاب»، وبحث استغلال الغاز بمنطقة المتوسط. واقع الحال، ورغم ارتباط زيارة رئيس الوزراء التركى لليونان بموعد انعقاد مجلس التعاون التركى اليونانى رفيع المستوى، وترؤس «أوغلو» مع نظيره اليونانى «ساماراس»، الاجتماع الثالث لمجلس التعاون التركى اليونانى، يشير إلى أن لقاءات القاهرة لم تكن غائبة عن ذهن المسئولين الأتراك وهم بصدد التباحث مع الجانب اليونانى بعد سنوات من توتر العلاقات بين البلدين، بسبب الصراع على الطاقة وبحر «إيجه»، وقضية جزيرة قبرص التى تم تقسيمها إلى شطر جنوبى معترف به دوليا يسيطر عليه القبارصة اليونانيون، وشطر شمالى يسيطر عليه القبارصة الأتراك ولا تعترف به إلا تركيا. وفى هذا السياق، تركزت المباحثات التركية اليونانية التى جرت أثناء لقاءات رئيس الوزراء التركى مع كل من الرئيس اليونانى «كارولوس بابولياس» ورئيس الوزراء اليونانى «أنتونيس ساماراس»، على عدة قضايا شائكة بين البلدين احتلت القضية القبرصية موقع الصدارة منها، حيث تسعى تركيا الآن إلى تكثيف جهودها من أجل استئناف المفاوضات بين شطرى الجزيرة القبرصية، وإبرام اتفاق بشأن قضية استغلال الرواسب الهيدروكربونية فى شرق البحر المتوسط وهى الأزمة التى أدت إلى انهيار محادثات السلام بين القبارصة اليونانيين والأتراك فى شهر أكتوبر الماضى. وفى أعقاب التصريحات التى أدلى بها الرئيس القبرصى «نيكوس آناستاسيادس» أثناء زيارته للقاهرة، حين صرح بأنه ناقش مع السيسى ما أسماه «الاستفزازات» التى تقوم بها تركيا فى المنطقة، وتأكيده أن «الإجراءات التى تتخذها تركيا ضد قبرص غير مقبولة على الإطلاق»، داعيا إلى ضرورة إنهاء تقسيم قبرص عبر إيجاد حل دائم وشامل، جاءت تصريحات «أوغلو» فى أثينا محاولا إظهار تركيا بموقف الساعى إلى السلام فى المنطقة، وقال «سنواصل المحادثات الثنائية.. ونحتاج للتعمق وإيجاد حل..لا نريد توترا سواء فى بحر إيجة أو فى شرق البحر المتوسط..وسنتخذ خطوات لجعل إيجة بحر سلام». وتسعى تركيا إلى الترويج لفكرة قبرص المقسمة إلى دولتين، وهو ما دعا إليه صراحة أحمد داود أوغلو أثناء زيارته لليونان، مشيرا إلى أن جميع الأطراف ستحقق فوائد من احتياطيات النفط والغاز فى شرق البحر المتوسط من خلال التوصل إلى حل لتقسيم جزيرة قبرص. وقال: «فلنحل هذه المشكلة من أجل استغلال مواردنا فى مجال الطاقة وربط مصادر الغاز الطبيعى المحتملة مع اليونان من خلال تركيا». ويقدر احتياطى الغاز الطبيعى بما بين 102 و170 مليار متر مكعب فى منطقة بشرق المتوسط قبالة جزيرة قبرص المقسمة، والتى تعتبرها قبرص اليونانية منطقتها الاقتصادية الحصرية. لكن هذه المساعى التركية تصطدم دائما بعدم التوافق من اليونان وقبرص مع الحل التركى، وفى شهر نوفمبر الماضى، حثت اليونان شريكها التجارى الأكبر تركيا - حجم التجارة البينية يبلغ 5.8 مليارات دولار- على الكف عن استفزاز قبرص، وذلك بعد شكوى القبارصة اليونانيين من إرسال تركيا لسفينة أبحاث لرصد الزلازل وإجراء عمليات مسح للنفط والغاز فى المياه المتنازع عليها قبالة جزيرة قبرص فى الوقت الذى تقوم حكومة نيقوسيا أيضا بعمليات تنقيب فى المنطقة. ويرى محللون أنه لن يكون ممكنا لأطراف الأزمة التوصل لتسوية سلمية فى جزيرة قبرص إذا لم يبرم القبارصة اليونانيون اتفاقا بشأن استغلال الغاز الطبيعى مع الدولة التى تدعمها تركيا فى شمال قبرص.