شهدت الأوساط العلمية والثقافية على المستويين المحلى والدولى لغطًا حول قناع الملك توت عنخ آمون الذى تعرض لوعكة فنية بسبب تثبيت الذقن فى جسم القناع، حيث أدلت الأوساط المعنية بأن معالجة الأمر تم بصورة (غير دقيقة!!) أدت إلى تبيان العوار عند تحريك الصندوق الزجاجى بسبب قيام مسئول الصيانة بتغيير إحدى لمبات الإضاءة! ولقد استدعت هذه الحادثة إلى الذاكرة وبحكم الاختصاص اللغط الذى دار منذ عدة عقود حيال ذقن أبوالهول المحفوظة بالمتحف البريطانى الذى تم الرفض على كافة المستويات إعادتها لنا إنقاذا لرأس التمثال آنذاك وقبل أن يخرج علينا أيامها أحد المختصين فى مشروع أبو الهول بفتوى كمهندس معادن مؤداها تثبيت خابور معدنى يصل الرأس بالجسم. ورغم هزلية الطرح لدى الأثريين فى العالم فقد كوفئ فيما بعد ليصبح وزيرًا فى زمن (اللامعيار). ويبدو أن لعنة (الذقن) الأثرية أصبحت أشهر من لعنة الفراعنة المزعومة حيث موضوع قناع الملك توت لا يزال يجد أصداء تؤكد قيمة هذا الأثر ليس من حيث روعة التفرد والإتقان فحسب، بل لكونه يمثل علامة من علامات المتحف المصرى. إذ أنه من المعروف على المستوى المتحفى أن لكل متحف قطعة أو أكثر يعرف بها وتعرف اصطلاحًا بالمستر بيس Master piece، مثلها فى ذلك مثل رأس نفرتيتى بمتحف برلين أو حجر رشيد بالمتحف البريطانى مثالاً لا حصرًا. حيث يأتى الزوار لزيارة المتحف ومشاهدة القطعة الفريدة ضمن المجموعة الأثرية، بما يعنى أنها تمثل عامل جذب خاص لا ترقى إليه بقية قطع المجموعة من تماثيل ولوحات ومجوهرات وأثاث والتى يمكن أى يشاهد مثيلاتها فى أى مجموعة أثرية بمتاحف العالم. ولقد جاء موقف وزارة الآثار من الحدث ليضيف على الموقف مسحة من الأسى فى أسلوب المسئولين حيال معالجة الحدث، إذ لم نكد نخرج من مشكلة ترميم هرم سقارة التى حلها تصريح رئيس الوزارة كمهندس بشهادة تؤكد صحة العمل حتى ظهرت بالقناع مشكلة ترميمية أخرى. ورغم تأكدى من أن دولته لا علاقة له بالآثار هندسيًا إلا أن احترام التخصص حال دون التعقيب، فى حين يأتى موضوع الملك توت فى صميم عمل أهل الاختصاص فى قطاع الترميم. وإذا ما تناولنا بهدوء ما جاء على لسان وزير الآثار فى هذا الشأن فلسوف نجزم بصحة ما نسب لأعلى مستويات القيادة من ضرورة إنشاء معهد لإعداد الوزراء والمحافظين للقيادة فى المرحلة المقبلة. إذ أعلن معاليه - لا فض فوه - أن اختلاف المرممين بالوزارة هو الذى أدى إلى كشف المستور من سوء الأداء فى التعامل مع قطعة لا نظير لها فى مجموعة استثنائية لملك استثنائى فى اكتشافاتنا المعاصرة. بمعنى أن لو لم يختلف ربابنة الترميم لظل الحال على ما هو عليه حتى إشعار أو خلاف آخر. وهنا لا تسل عن قيمة الإتقان فى العمل ولا أسلوب إقراره رسميًا، وأعنى هنا عرض الأمر على خبير استشارى ليحكم بينهم قبل العمل وبعده، أم أن الحكم الأجنبى لم يعد يصلح لدينا إلا لمباريات القمة على تفاهتها؟! والملفت للنظر استمرار معاليه فى الحديث عن مادة (الإيبوكسى) الشهيرة رغم عدم الاختصاص خاصة بعدما أعلن الخبير المستقدم من الخارج فى شكل طوق نجاة أن استخدامها محل خلاف بين المرممين، ومن ثم كان الأولى والحال كذلك قبل تسليم ذقننا نحن هذه المرة لسيادة الخبير أن نأتى بآخر دعمًا لرأيه أو مغايرته. وذلك حتى يصبح التحقيق مع مسئولى الترميم بالوزارة فعليًا لا دعائيًا وبحق وليس بدونه، شريطة أن يتمسك الطرف الآخر بحقه أيضًا فى محاسبة مسئولى الوزارة الذين أنكروا الأمر فى البداية أو هونوا من أمره. إذ لا يكفى ذلك التصريح الذى خرج بعد اجتماع مجلس الوزراء ليؤكد على توجيه دولة الرئيس للوزير المسئول بضرورة التحقيق مع المقصرين، حيث إننا نتساءل أيضًا هل سيحيل الوزير نفسه للتحقيق أم كعادتنا سنبحث عن كبش فداء فى ظل أن قضايا الثقافة فى بر المحروسة ليست من قضايا الرأى العام. ولمَ لم يتم تحديد سبل التأكد من نتائج عمل الخبير المنقذ بعد انتهائه بلجنة دولية تمحى بها الوزارة آثار العدوان المادى والأدبى على القناع، فضلًا عن استعادة مصداقيتنا الدولية فى هذا المجال الحيوى علمياً وسياحيًا. ولعله من الخطورة بمكان تأثير ذلك الحدث على سياحة الآثار بخاصة ذلك أن حجب القناع لعدة أشهر لحين الانتهاء من كافة العمليات الفنية سوف يؤثر دونما شك على حركة السياحة، حيث يمكن للبعض من إعادة النظر فى الحضور لمصر وزيارة المتحف طالما أن أهم قطعة غائبة لأسباب غير مقنعة. الأمر الذى من شأنه إضافة عامل سلبى جديد على تنفس حركة السياحة الأثرية الصعداء، بذات قدر تأثر مصداقيتنا العلمية فى الأوساط الأكاديمية الأثرية التى تابعت التصريحات (المسئولة) ورأت فيها مجافاة للصدق وتغييباً للحقائق. وهو دليل على عدم الدُربة السياسية فى معالجة الشأن الدولى المرتبط بها إذ لا تزال آثارنا غير مستخدمة كورقة رابحة على بساط السياسة الدولية طالما انحصرت رؤية مسئوليها فى معرض هنا أو زيارة هناك، خاصة أن ماكينة الإعلام قادرة على طرح أخبار بشكل شبه يومى عن كشوف أو آثار مستردة أو زيارات ميدانية وتضخيم مردودها لتصبح فتحًا مبينًا فى المجال وإنجازاً غير مسبوق يستحق الإشادة! إن نموذج حادث (القناع) لأكبر دليل على أن مسئولينا لا يزالون يتعاملون بمفردات لم يعد لها من الإعراب محلاً سوى لديهم ظانين أنها من قبيل الحنكة السياسية، وهم لا يدركون أنهم بذلك ما نجحوا لا فى إنقاذ القناع ولا فى طرح مفردات الإقناع، لسبب بسيط جدًا أن مكتسب الشىء قد يعطيه فما بالكم إن كان مفتقدًا له أصلًا.