يبدو مثيرًا للدهشة.. وربما للسخرية أيضا.. أن يأتى اهتمام الولاياتالمتحدة بحكم البراءة الصادر من محكمة جنح الأزبكية فى القضية المعروفة إعلاميًا باسم «حمام باب البحر».. أكبر من اهتمامها بحوادث الإرهاب التى شهدتها فرنسا مؤخرًا! بالنسبة لقضية حمام باب البحر فقد أصدرت الخارجية الأمريكية بيانًا رسميًا أعلنت فيه ترحيبها بالحكم.. وعقدت مؤتمرًا صحفيًا حاولت فيه نائبة المتحدث الرسمى باسم الخارجية الإيماء بأن الحكم الصادر يعنى أن مصر بدأت تحترم حقوق الشواذ.. مع أن البراءة جاءت لأسباب قانونية بحتة.. أما بالنسبة لحوادث الإرهاب فيكفى أن الرئيس الأمريكى الذى كان يجب أن يكون أول المشاركين فى المظاهرات المنددة بالإرهاب غاب عن المشهد فى باريسّ! أن عددًا غير قليل من وسائل الإعلام الأمريكية وجّهت انتقادات لاذعة للرئيس الأمريكى بسبب غيابه عن التظاهرة الضخمة التى شهدتها باريس تنديدًا بالهجمات الإرهابية التى تعرضت لها.. والتى حضرها عددًا من قادة العالم وكبار المسئولين وتقدموا التظاهرة الضخمة. على سبيل المثال كتبت صحيفة «نيويوروك ديلى نيوز» على صفحتها الأولى متوجهة بالقول للرئيس أوباما: «لقد خذلت العالم»! وقال مراسل شبكة «سى إن إن» أن مستوى المشاركة الأمريكية فى التظاهرة كان غير لائق.. مشيرًا إلى أن ممثل أمريكا فى التظاهرات مجرد موظف سابق فى الحكومة الأمريكية! وكتبت مجلة «بوليتيكو» مقالًا انتقدت فيه عدم مشاركة الإدارة الأمريكية فى التظاهرة وقالت إنه لم يكن هناك أى حدث مدرج على جدول أعمال الرئيس أوباما ونائبه جو بايدن يمنعهما من الذهاب إلى باريس. ويبدو أن الانتقادات التى وجّهتها وسائل الإعلام الأمريكية لإدارة الرئيس أوباما كانت لاذعة وموجعة، الأمر الذى اضطر جون كيرى وزير الخارجية يصدر بيانًا يؤكد فيه أنه سيزور فرنسا فى وقت لاحق مشيرًا إلى أن العلاقة مع فرنسا ليست مرهونة بيوم أو بلحظة خاصة وإنما هى علاقة متواصلة تمد جذورها عميقًا فى القيم المشتركة! والحقيقة أن انتقادات وسائل الإعلام لم تقتصر على مسألة غياب الرئيس الأمريكى وإدارته عن المشاركة فى تظاهرات باريس وإنما امتدت هذه الانتقادات لموقف الإدارة الأمريكية من الإرهاب! موقع «دايلى بيست» الأمريكى على سبيل المثال قال إن هجمات باريس تثبت فشل حرب أمريكا على الإرهاب وعلى القاعدة على وجه الخصوص. ومضت بعض وسائل الإعلام خطوة أبعد فى انتقادها للرئيس الأمريكى فعقدت مقارنة بينه وبين الرئيس عبد الفتاح السيسى وموقف كل منهما من الإرهاب! صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية على سبيل المثال نشرت مقالًا لكاتب شهير اسمه «شارلى أورتيل» قال فيه إن الرئيس السيسى يخاطر بحياته فى الداخل والخارج لمواجهة الإرهاب بينما يكتفى الرئيس الأمريكى أوباما بتنميق كلامه فى الخطابات الرسمية ويحاول التجمل أمام الجماهير بدعوى الحفاظ على الحريات! وقارن الكاتب بين ما يقوله السيسى وأوباما عن جماعة الإخوان فقال: فى الوقت الذى يؤكد فيه السيسى أن جماعة الإخوان المسلمين ليست جماعة مدنية كما تدعى ولكنها جماعة دينية تستغل الدين لتحقيق مكاسب سياسية.. يزعم أوباما أن جماعة الإخوان جماعة مدنية وليست دينية! ويطرح السؤال نفسه: إلى أى مدى تتأثر جماعة الإخوان بحوادث الإرهاب التى شهدتها فرنسا؟! ??? كثيرون أن الحوادث الإرهابية التى شهدتها فرنسا مؤخرًا سيكون من تداعياتها قيام الدول الأوروبية بإعادة صياغة علاقاتها بدول الشرق الأوسط. ويتوقع الخبراء أن تكون هذه الحوادث الإرهابية سببًا فى لجوء دول الاتحاد الأوروبى إلى فرض إجراءات أمنية مشددة وتضييق فى التنقل والانتقال عبر الحدود الأوروبية.. كما أنه من المتوقع أن تعيد أوروبا النظر فى سياسة الهجرة والمواطنة بالنسبة للجاليات المهاجرة المسلحة.. وبالطبع فإن اليمين المتطرف فى أوروبا سيقود كل هذه الإجراءات المتشددة. غير أن الأهم من ذلك كله أن أوروبا ستراجع موقفها من جماعة الإخوان المسلمين كما يتوقع كثير من الخبراء. والحقيقة أن الحوادث التى تعرضت لها فرنسا مؤخرًا ساهمت إلى حد كبير فى زيادة قناعة العالم بأن الإرهاب لا وطن له وأن جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسى تؤمن باستخدام العنف وتعتبر العالم كله ساحة لنشاطها. وفى هذا الإطار فإنه من المتوقع أن تتأثر التحقيقات التى تجريها بريطانيا حاليًا حول ما إذا كان تواجد عناصر من جماعة الإخوان المسلمين فى بريطانيا يشكل تهديدًا لأمنها أم لا.. وأغلب الظن أن نتائج هذه التحقيقات لن تكون فى صالح جماعة الإخوان أو فى صالح تواجدها داخل الأراضى البريطانية. لا ينفى ذلك أن هناك توقعات كثيرة تؤكد أن الولاياتالمتحدة لن تضحى بجماعة الإخوان وإنما يمكن أن تمارس ضغوطًا على أوروبا لحماية جماعة الإخوان.. لأنها كما يقول الخبراء تعتمد عليها فى تنفيذ مخططاتها فى المنطقة العربية والشرق الأوسط! وربما لهذا السبب تحديدًا يتوقع كثيرون أن يتحول «مؤتمر الإرهاب» الذى دعت إليه مؤخرًا الولاياتالمتحدة.. يتحول إلى شو إعلامى.. لا أكثر ولا أقل!.. فالولاياتالمتحدة نفسها لم تحدد حتى الآن تعريفًا واضحًا ومحددًا لكلمة الإرهاب.. ومن ثم فإنه سيصعب فى هذا المؤتمر - إذا انعقد بالفعل - الاتفاق على إجراءات موحدة لمواجهة الإرهاب.. وفى نفس الوقت فإن موقف الإدارة الأمريكية الداعم لحماية الإخوان سيكون سببًا رئيسيًا فى عدم توحد الجهود الدولية لمواجهة خطى الإرهاب! ??? هناك خلاف على أن العالم كله أصبح يواجه خطر الإرهاب وإذا كانت الولاياتالمتحدة تتصور أنها ستظل فى منأى عن هذا الخطر فهى بالتأكيد تعيش وهمًا كبيرًا. وليس هناك خلاف على أن العالم كله لن ينجح فى مواجهة خطر الإرهاب إلا إذا كان جادًّا فى توحيد جهوده لمواجهة الإرهاب. ليس هناك طريق آخر.