يقول القس كيرلس تادرس كاهن الكنيسة المعلقة إن المؤرخين اختلفوا حول تاريخ بناء الكنيسة فيرجعها البعض لأواخر القرن الثالث الميلادى وأوائل القرن الرابع، فى حين يرى البعض ببناءها فى القرن الخامس، ويصل الآخرين بالتاريخ إلى القرن السابع، عموماً فقد استغرق بناؤها مراحل طويلة من الزمن.. ويشير القس كيرلس أن الكنيسة التى باسم السيدة العذراء والقديسة دميانة والشهيرة بالمعلقة بنيت على بقايا حصن بابليون الرومانى وبالتحديد على اسطوانتين (برجين) من أبراج الحصن، ارتفاع البرج 13 متر على هيئة حرف U أو حدوة حصان، حيث تم تسقيف البرجين بخشب الشجر وبنيت عليه الكنيسة بهذه الطريقة الفريدة على شكل سفينة نوح.. أما عن الكنيسة من الداخل فيقول القس كيرلس إن الكنيسة مقسمة إلى 3 أجزاء تشمل 7 مذابح، الجزء الجنوبى والمقام على أحد أبراج الحصن يحتوى على مذبح باسم القديس تكلا هيمانوت الحبشى والهيكل مرصع برسم فريسكا للسيد المسيح الجالس على العرش وأسفله الأربع والعشرون قسيساً، كما تحتوى على معمودية أثرية يعود تاريخها للقرن الخامس، ومن هذا الجزء يمكن أيضاً مشاهدة البوابة التاريخية التى دخل منها عمر بن العاص إلى مصر بصورة واضحة.. ويعلو الجزء الجنوبى كنيسة علوية على اسم القديس مارمرقس الرسول مبشر الديار المصرية وهى كنيسه أثرية بها عدد من الإيقونات الأثرية.. الجزء الأوسط للكنيسة المعلقة هو الصحن الرئيسى الذى يحتوى على 3 هياكل، الأوسط منها باسم السيدة العذراء والقديسة دميانة، وهذا هو الهيكل الأساسى للكنيسة المعلقة، أما البحرى فيحمل اسم القديس مارجرجس، والقبلى باسم القديس يوحنا المعمدان، وحامل الإيقونات فى الصحن الرئيسى يرجع تاريخة للعصور الوسطى ما بين القرن العاشر والثانى عشر الميلادى، وهو تحفة فنية فريدة ومصنع من خشب الأرز والأبنوس والعاج وسن الفيل، وحامل الإيقونات بأكمله تم تصنيعه بطريقة العاشق والمعشوق ولا يوجد أى مسامير تربط بين أجزاءه.. انبل الكنيسة (وهو المنبر الذى يعتليه البابا البطريرك أو الكاهن ليلقى منه عظته) منبر أثرى يحتوى على 15 عمود من الرخام ترمز للسيد المسيح وتلاميذه الاثنى عشر والإنجيليين مرقس ولوقا، ومنقوش عليه رسم أثرى يمثل كيفية خلاص الإنسان لكى يربح الملكوت، ويقال ان جسد البابا آبرام بن زرعة مدفون أسفل هذا الأنبل، ولذلك نجد صليباً مرسوماً على الأنبل علامة على استخدامه كمدفن.. وسقف الكنيسة من الخشب على شكل سفينة نوح، والسقف ليس مسلحاً لأنها لا تحتمل الخرسانة المسلحة نظراً لبنائها على برجى الحصن، وارتفاع الكنيسة من الداخل 10 أمتار فوق الحصن المرتفع أصلاً عن الأرض ب 13 مترا، ولذلك سميت «الكنيسة المعلقة».. وأسفل الكنيسة الرئيسية من الناحية القبلية توجد كنيسة صغيرة كانت تستخدم لكى يستكمل الكاهن صلاة القداس إذا حدث هجوم على الكنيسة خلال عصور الاضطهاد، فى حين يمكن للشعب الحاضر القداس الهروب من الكنيسه الرئيسية من خلال سرداب داخلى.. كما تمتاز الكنيسة بوجود مجموعة من المقصورات تضم عددا كبير من رفات القديسين والشهداء من عصور مختلفة مثل رفات القديس مارجرجس، والقديس أبو سيفين، والقديس ابسخيرون القلينى والقديسة دميانة، وهو ما يضفى على الكنيسة طابعاً قدسياً ويجعلها مزاراً لكثير من السياح من مختلف أنحاء العالم.. وتضم الكنيسة 110 إيقونات أثرية تمثل ثروة تاريخية لا تقدر بمال، سواء لقيمتها الروحية أو لتاريخها الأثرى، ومن أشهر الإيقونات إيقونة للسيدة العذراء تنظر لجمهور الزائرين من جميع الاتجاهات لذلك سميت «عذراء الموناليزا»، كما يوجد على العمود الخامس فى الكنيسة القبلية صورة للسيدة العذراء يؤكد البعض أنها الصورة التى تحدثت من خلالها العذراء إلى البابا آبرام بن زرعه أثناء معجزة نقل جبل المقطم.. ويستكمل القس كيرلس حديثة بالقول إن الكنيسة كانت فى أحد المراحل التاريخية مقراً للبابا البطريرك، حيث كانت أول مقر باباوى بعد الإسكندرية، وذلك فى القرن الحادى عشر الميلادى عندما نقل البابا خريستوزولس البابا ال 66 من أعداد باباوات الإسكندرية المقر من موطنه الأصلى بالإسكندرية إلى الكنيسة المعلقة بالفسطاط ليكون بالقرب من مقر الحكم السياسى، مع احتفاظه بلقبه كبابا للإسكندرية، واستمرت الكنيسة تستعمل كمقر للكرسى الباباوى إلى عهد البابا يوحنا البطريرك ال 80، وتنقل بعدها المقر إلى حارة الروم ومنها إلى عدة أماكن أخرى حتى وصل إلى مقره الحالى بالأنبا رويس.. أما عن التجديد الحالى– والكلام مازال على لسان القس كيرلس– فقد بدأ سنة 1998 وشمل تجديد أساسات الكنيسة كاملة وتدعيمها بخوازيق خرسان، وقبلها تم شفط المياه الجوفية وتمت بطريقة فنية، كما ذكر المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء والذى أشرف بنفسه على التجديد منذ أن كان رئيساً لشركة المقاولون العرب بالتعاون مع شركة أوراسكوم، حيث تم عمل انحدارات لتسريب المياه الجوفيه وتجميعها فى آبار خارج المنطقة لمنع عودتها مرة أخرى، وحماية أساس الكنيسه من التآكل، كما تم تجديد الإيقونات والفريسكات والرسوم الجدارية من خلال خبراء مصريين وأجانب من جنسيات متنوعه شملت روس وبلغاريين وإيطاليين.. n لماذا استغرقت عمليات الترميم والتجديد 16 عاماً كامله؟ rr الكنيسة تأثرت بشدة بزلزال 1992، وتم وقتها صلب الكنيسة من أسفلها من خلال حصن بابليون بغابة من العروق الخشبية لإنقاذها حيث كانت فى حاله يرثى لها.. وكان يوجد أسفل الكنيسة مياه جوفية متراكمة بارتفاع ما يقرب من 3.5 متر، وكان لابد من معالجة هذه المياه وعدم عودتها مرة أخرى، وتمت الاستعانة وقتها بوزارة الصحة للتخلص من المياه التى تراكمت بالطحالب والأوبئة والأمراض، بعد ذلك تم عمل مشروع خاص لمعالجة عدم تدفق هذه المياه مرة أخرى وسمى (مشروع 102)، حيث تم سحب المياة بطريقة الانحدار إلى أن تصب فى أماكن مخصصة خارج المنطقة الأثرية بالكامل لحمايتها من اضرار المياة الجوفية.. خلال هذه الفترة كانت تجرى الدراسات عن طريق مركز الدراسات بهندسة القاهرة لوضع الترتيبات اللازمة للعمل لترميم الكنيسة، وبدأ العمل الفعلى فى الترميم فى فبراير 1998 بمشاركة ما بين شركتى المقاولون العرب وأوراسكوم، وما أدى إلى طول فترة الترميم أيضاً أنه كان يكتشف أحياناً بعض الأضرار التى تستدعى الدراسة المتأنية من أجل أن يتم العمل على أكمل وجه.. وقد تكلف المشروع بأكمله 101 مليون جنيه للمنطقة كلها التى تشمل الكنيسة والمتحف والحصن والمدرجات خلف الكنيسه ومشروع المياه الجوفية والتنسيق العام للمنطقة وكل هذه المجهودات تستحق أن تستغرق بالفعل كل هذه الفترة الزمنية وهذه التكلفة.. بوابة عمرو بن العاص n ما هى أبرز ملامح الترميم الحالى؟ rr الترميم المعمارى عن طريق حقن الحوائط أسفل الكنيسة لتقوية الأساسات والجدران، كذلك تم تغيير أرضية الكنيسة بالكامل، هناك أيضاً ترميم دقيق لمعظم الإيقونات الأثرية التى تحتويها الكنيسة من خلال خبراء روس، وأيضاً حامل الإيقونات والرسوم الجدارية، وفى مرحلة لاحقة تم تركيب تكييف مركزى للكنيسة بخبرة إيطالية، وكذلك تركيب أسانسير لحالات كبار السن وأصحاب القدرات الخاصة، وكل ذلك استغرق وقتاً طويلاً.. ويذكر أنه عند تغيير أرضية الكنيسة بالكامل تم اكتشاف «مزلاج» بوابة عمر بن العاص التى دخل منها أثناء الفتح العربى، وتم وضع زجاج فى هذا الجزء من أرضية الكنيسة لكى يراه زوار الكنيسة، وهو ما يؤكد سماحة المسيحية التى تتفق مع سماحة الإسلام، أن يفتح عمر بن العاص مصر من بوابة أسفل الكنيسة، ولذلك أوصى بأقباط مصر خيراً.. n هل كان هذا هو الترميم الأول للكنيسة؟ rr الكنيسة خضعت للعديد من عمليات التجديد سواء فى العصور القديمة أو العصر الحديث.. كان أولها فى العصر العباسى وبالتحديد فى عصر هارون الرشيد، حيث تم تجديد جميع كنائس المنطقة بناء على طلب البابا مرقس من الوالى، ثم لحقه تجديد آخر فى عهد العزيز بالله الفاطمى الذى سمح بتجديد كافة كنائس مصر وإصلاح المتهدم منها، ثم تم تجديدها مرة ثالثة فى عهد الظاهر المعز لدين الله، أما فى العصر الحديث، فقد جددت الكنيسة فى عام 1983، وأخيراً التجديد الأخير الذى بدأ عام 98 نتيجة تأثر الكنيسة وأساساتها بزلزال 1992.. n لماذا سميت الكنيسة بالمعلقة؟ rr لأنها بنيت فوق حصن بابليون وملحقاته بارتفاع 13 مترا عن سطح الأرض، ولهذا سميت بالمعلقة، والمعلومات تقول إنها كمبنى يرجع تاريخه لما قبل الميلاد بحوالى 150 سنة حيث بناها الامبراطور تراجان، وكانت فى البداية معبد رومانى، وتحولت إلى كنيسة فى القرن الرابع أو الخامس الميلادى، والكنيسة مبنية على الطراز البازليكى الذى يأخذ شكل فلك نوح، فكما كان الفلك وسيله لخلاص نوح وأولاده من الطوفات هكذا الكنيسة مكان راحة لكل التعابى، حيث يجدون راحة نفسية خلال تواجدهم فى الكنيسة.. والكنيسة تنفرد بأنها الكنيسة الوحيدة فى العالم التى بنيت فوق سطح الأرض بهذه الوسيلة الفريدة على أبراج وملحقات أحد الحصون القديمة وهو حصن بابليون.. زيارة العائلة المقدسة n ماذا تمثل المنطقة بالنسبة لمصر؟ rr تمثل قيمة تاريخية ومكانا مميزا لما تحتويه المنطقة من دور عبادة للأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام، ولذلك تسمى المنطقة «مجمع الأديان» وتكاد تكون المنطقة الوحيدة فى العالم التى تتجمع فيها كل الأديان فى أقل من كيلو متر مربع واحد. ومما يزيد من قيمة المنطقة أنها تشرفت بزيارة العائلة المقدسة لها خلال هروبها إلى مصر، حيث مكثت بها فترة من الزمن فى مغارة أسفل كنيسة أبى سرجة التى تسمى (كنيسة المغارة) والقريبة من الكنيسة المعلقة، والمنطقة كلها تباركت بوجود العائلة المقدسة بها.. n كم يبلغ عدد زوار الكنيسة يوميا؟ rr حسب أحوال السياحة، ولا يقل عن المئات يومياً. n هل يتم فرض رسوم على زيارة الكنيسة؟ rr نحن نرفض تماماّ هذا المبدأ بالنسبة لزيارة دور العبادة، لأن كثيرا من الزوار يزورون الكنيسة للصلاة حتى بالنسبة للأفواج الأجنبية.. بيوت الله مفتوحة للجميع دون رسوم.. وأؤكد أن مبدأ دفع رسوم لزيارة الكنائس مبدأ مرفوض وغير مستحب ومكتوب على باب الكنيسة آية تقول « أسألوا تعطوا.. اطلبوا تجدوا.. اقرعوا يفتح لكم».. ولذلك لا يمكن دفع رسم لعبادة الله.. n ما الرسالة التى توجهها لكل من شاركوا فى إنجاز هذا العمل الضخم؟ rr نشكر مجهودات الدولة فيما قامت به من أعمال جليلة نتيجتها إظهار الكنيسة بهذه الروعة والجمال، وكما ذكر فى الاحتفالية بأنها أصبحت إيقونة جميلة، ونشكر كل اللذين تعبوا فى إتمام هذا العمل، وسعداء أن الكنيسة عادت لوضعها الطبيعى بعد تأثرها الشديد من زلزال 92، وكما قال المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء فى الاحتفال بانتهاء عمليات الترميم أن من يحب أن يتعرف على مصر الحقيقية فليأتى لزيارة هذه الكنيسة التى عمل فيها كل المصريين وغالبيتهم من الإخوة المسلمين، وكما جاء فى مقولة قداسة البابا تواضروس الثانى فى كلمته التى ألقاها فى الاحتفالية وقدم من خلالها 3 رسائل أولا رسالة وفاء لأجدادنا وأباؤنا الذين تعبوا فى بناء هذه الكنائس وأننا بالفعل نحافظ عليها، والرسالة الثانية رسالة وعى لتقدير قيمة التراث من أجل المحافظة عليه واستمراريته، والرسالة الثالثة رسالة سلام لأن المسيحية أتت لنشر السلام فى العالم كله حسب إنشودة الملائكة وقت ميلاد السيد المسيح حينما ترنمت «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام».. والكنيسة وإنجاز هذا العمل دليل على عبقرية ومعدن الإنسان المصرى الأصيل فى المحافظة على وحدته وتراثه وتاريخه.. وتبقى الكنيسة المعلقة ليس فقط مزاراً تاريخيا يؤمه السياح من مختلف أنحاء العالم ولكنها شاهده على تاريخ مصر فى الماضى والحاضر، ورمزاً للتسامح والحب والسلام الذى ساد الشعب المصرى بمسلميه ومسيحيه منذ 1400 عام حتى الآن.