على مقهى صغير بإحدى قرى مصر، تعالت أصوات بعض الجالسين معترضين على ما يقوله مأمور الضرائب العقارية، الذى يتولى تحصيل ضريبة الأطيان الزراعية منهم منذ فترة ليست بالقليلة، ولأن الشجار لم يكن معهودا بين أبناء القرية من أصحاب الحيازات الزراعية ومأمور الضرائب، كان من الضرورى الاقتراب للتعرف عن هذا التحول النوعى فى هذه العلاقة الممتدة لسنوات بين رجل يمثل سلطة الجباية وأصحاب أملاك لا يرفضون سداد ما عليهم من مستحقات للدولة بكل حب وود. نعم .. الأمر جل خطير، فهناك وافد جديد على العلاقة بين هؤلاء الفلاحين ومأمور الضرائب العقارية، وهو الضرائب على العقارات، الذى طفا على السطح بعد أن بدأت الحكومة فى تطبيق قانون الضريبة على العقارات المبنية رقم 196 لسنة 2008، والمعروف إعلاميا ب «قانون الضريبة العقارية»، فكل المعترضين هم أصحاب محلات تجارية وجدوا أنفسهم-بدون استثناء أو إعفاء- مطالبين بدفع مبالغ مالية كضريبة عقارية على الوحدات العقارية المخصصة لغير أغراض السكنى «محلات تجارية»، وذلك مثبت فى نموذج قاموا باستلامه من مأمور الضرائب. «الضريبة المفروضة على هذه المحلات التجارية فى مختلف القرى»، فى رأى طه يوسف، مأمور الضرائب ببنى سويف، مبالغ بسيطة فى متناول محدودى الدخل، لأنها لا تزيد عن 80 جنيها سنويا للمحل الذى يبلغ ايجاره 1200 جنيه سنويا، وهذا لا يترتب عليه تبعات مالية ملموسة على أصحاب هذه المحلات، خاصة أن الحكومة وعدت بأن يخصص 50% من حصيلة الضريبة للصحة والتعليم وال50% الباقية للمحليات والعشوائيات. وقد انتهت مصلحة الضرائب العقارية من إرسال 1.5 مليون إخطار بالضريبة العقارية المستحقة على الوحدات السكنية وغير السكنية بجميع المحافظات. ولم تستثن المصلحة، بحيث تعاملت مع كل الوحدات العقارية على أنها غير معفاة، وأرسلت مطالبات لكل الممولين، على أنها أعطت لهم الحق فى الطعن على هذه المطالبة خلال 60 يوما من الاستلام، على أن يتم الفصل فى الطعن خلال شهر. والأزمة، فى رأى مأمور الضرائب، لن تتوقف فقط على مطالبة قاطنى الريف بدفع ضرائب عقارية على الوحدات التجارية (المحلات)، وطبيعة الوحدة السكنية فى الريف تختلف عن الحضر، وأن المنازل فى الأرياف تكون فى العادة متعددة الطوابق، لكنها تستغل للسكنى لأسرة واحدة، وغالبا ما يكون بالمنزل المتعدد الطوابق عداد واحد كهرباء وخلافه، وهذا يجعل بدوره تطبيق الضريبة أصعب فى القرى. ليأتى القانون، بما هو معروف عنه من عمومية وتجرد، ليعفى دور واحد من هذا العقار، ويلزم المالك أو المستغل أو المنتفع بسداد ضريبة عقارية على الأدوار الأخري، فالعبرة فى القانون هو إعفاء مسكن خاص للأسرة لا تزيد قيمته على 2 مليون جنيه، فلو تم التعامل مع كلمة مسكن على أنها وحدة فسيجد هؤلاء الناس أنفسهم مطالبين بضريبة على الوحدات المستقلة بالعقار. ويعود الجدل الثائر فى الشارع المصرى حول الضريبة على العقارات المبنية إلى العام 2007، عندما أعلن د. يوسف بطرس غالى، وزير المالية الأسبق، عن مشروع قانون الضريبة على العقارات المبنية، والذى تجاذبته القوى المختلفة فى المجتمع، ليتم إقرار مشروع القانون ويصدر برقم 196 لسنة 2008، لكن تنفيذ القانون فى هذا التوقيت كان أمرا فى منتهى الصعوبة، فتم إرجاؤه لإعادة النظر فى نصوصه مرة تلو الأخرى. قرار بقانون وفى أغسطس 2014، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسى قرارا بقانون يدخل تعديلات على القانون تحاول بدورها علاج كل ما به من قصور، بحيث وضعت التعديلات سقف للزيادة فى القيمة الإيجارية قدره 30% للوحدات السكنية و45% للوحدات فى غير أغراض السكنى عند إعادة التقدير الخمسى، فضلا عن أنها أنشأت فى كل محافظة لجانا للحصر والتقدير، تختص بحصر وتقدير القيمة الإيجارية للعقارات، وأنه للممول الحق فى الطعن فى أعمال هذه اللجنة أمام لجنة الطعن. كما أعفت هذه التعديلات الأخيرة الوحدات الإدارية والتجارية، التى يقل إيجارها السنوى عن 1200 جنيه، وأن الوحدة التى تصل قيمتها السوقية 100 ألف جنيه سيدفع صاحبها ضريبة سنوية تبلغ 240 قرشا فقط. لكن صدور هذا القرار الجمهورى بقانون تعديلات الضريبة على العقارات المبنية لا يكفى للبدء الفورى فى تنفيذ القانون، فالمواطن زكريا الشونى يطالب وزارة المالية ومصلحة الضرائب العقارية بضرورة شرح كيفية التعامل مع هذا الوضع الجديد، خاصة أنه هناك محلات غير سكنية قيمتها الفعلية أقل من 100 ألف جنيه، وعلى الرغم من ذلك وصل ملاكها مطالبات بدفع الضريبة، وهم فى حيرة من أمرهم، لأن تقدمهم بطعن يكلفهم ما يزيد عن القيمة المطالبين به. وتساءل الشوني: من سيحدد قيمة الوحدة السكنية أن كانت تزيد عن 2 مليون جنيه أو تقل عنها؟ خاصة أن المعروف أن هناك من يتلاعب فى قيمة تلك العقارات بشكل معلوم للجميع. المالية تفسر وأمام هذه التخوفات، سارعت وزارة المالية إلى اصدار تفسيراً لقانون الضريبة العقارية يوضح كيفية حساب الضريبة والمبانى السكنية الخاضعة، ف»المسكن الخاص» للأسرة معفى من الضريبة العقارية حتى مليونى جنيه كقيمة سوقية للعقار، وإذا زادت القيمة عن ذلك تخضع قيمة الزيادة فقط للضريبة وبعد خصم نسبة 30% مقابل أعباء الصيانة. وقال هانى قدرى دميان دميان، وزير المالية، إن أى وحدة سكنية أخرى يمتلكها أحد أفراد الأسرة سواء كان الزوج أو الزوجة أو أبناؤهم القصر خاضعة للضريبة، وهى أن تكون وحدة عقارية تامة البناء ومشغولة أو تامة وغير مشغولة أو مشغولة على غير إتمام، وأيا كانت مادة بنائها أو كان الغرض من استخدامها، وأن سعر الضريبة طبقا للقانون الجديد يبلغ 10% فقط من صافى القيمة الإيجارية السنوية مقابل 40% فى السابق. ويبقى القانون على إعفاء العقارات ذات المراكز القانونية المستقرة وهى الإعفاءات المقررة بقانونى رقم 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 فى شأن تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر والقوانين الخاصة بإيجار الأماكن المبنية قبل صدور تلك القوانين، على أن يعاد تقدير القيمة الإيجارية لهذه الوحدات المعفاة فور انقضاء العلاقة الإيجارية بأحد الطرق القانونية. ويتضح من تفسير وزير المالية أنه سكان القرى سيكونون مطالبين بدفع الضريبة عن الوحدات السكنية التى تزيد عن الوحدة المعفاة للأسرة، لأن الإعفاء لوحدة واحدة وما زاد ما دامت تامة البناء ومشغولة أو تامة وغير مشغولة أو مشغولة على غير اتمام، تدفع 10% من القيمة الإيجارية، لكن فى ذات الوقت، وفقا ل»وزير المالية»، تتحمل الخزانة العامة للضريبة العقارية المستحقة عن السكن الخاص لغير القادرين، ممن سيتقدموا بطلبات بذلك لمصلحة الضرائب العقارية تعرض على لجنة خاصة برئاسة أحد مستشارى مجلس الدولة للنظر فيها، و«تقدير القيمة الإيجارية للوحدات العقارية»، يعد اختصاصا أصيلا «للجان الحصر والتقدير»، ويسرى ما تقدره اللجان، بحسب تفسير القانون الصادر عن وزارة المالية، لمدة 5 سنوات يعاد بعدها التقدير مرة أخرى لملاحقة التغييرات الاقتصادية، التى تشهدها السوق العقارية، حتى نتجنب حدوث طفرة كبيرة بين هذه التقييمات والسعر الحقيقى السائد، وكذا المساعدة فى رسم خريطة لمصر توضح أسعار الوحدات العقارية وإيجاراتها السائدة فى السوق بما يسهم فى تهدئة القفزات السعرية، ويضمن توازن السوق على المدى المتوسط والطويل. وأخيرا، شدد قدرى دميان فى تعليماته لقيادات مصلحة الضرائب العقارية ومديرياتها التابعة بالمحافظات لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتسهيل التعامل مع الجمهور وحل أية مشكلات قد تظهر مع تطبيق قانون الضريبة على العقارات المبنية الجديد وتعديلاته، خاصة أن العام الحالى يعد الموسم الأول لتطبيق القانون. جدية التطبيق الأمر تحول من الكلام إلى الالتزام الفعلى بدفع الضريبة، وبالتالى، فإن ملاك الوحدات العقارية غير المتمتعة باعفاء من الضريبة العقارية، وفقا ل «سامية حسين، رئيسة مصلحة الضرائب العقارية، عليهم انتظار وصول المطالبة بالضريبة العقارية على وحداتهم العقارية، وفى حالة عدم وصول الأخطار حتى نهاية العام، عليهم الاستعلام بمأمورية الضرائب التابع لها وحداتهم العقارية عن قيمة الضريبة المستحقة. وتستهدف وزارة المالية من تطبيق قانون الضريبة العقارية تحقيق حصيلة قدرها 3.5 مليار جنيه سنويا، علما بأن الضريبة تستحق من 1/7/2013 وسيتم حسابها هذا العام فقط حتى 31/12/2014 بقيمة عام ونصف على أن يتم حسابها سنويا اعتبارا من أول يناير 2015. وتتم عمليات السداد بمقر مأمورية الضرائب العقارية الواقع بدائرتها العقار، علما بأن الوحدة العقارية المستغلة كسكن للأسرة حتى مليونى جنيه معفاة تماماً من الضريبة، وفى حالة استلام المالك لإخطار بربط ضريبة عليها فعليه التوجه لمامورية الضرائب العقارية لملء نموذج طلب إعفاء الوحدة لإلغاء الربط، على مسكن الأسرة فقط، وكذا يحق له الطعن على قيمة الربط لو وجد فيه مغالاة، وسداد 50 جنيها كتأمين يسترد فى حال قبول الطعن. ومالكى الوحدات العقارية المتعددة، فى رأى سامية حسين، مطالبون بضرورة الإسراع إلى ملء نموذج 6 مكرر الموجود بالمأموريات لتحديد الوحدات الأخرى، التى يمتلكها وتحديد قيمة الضريبة العقارية المستحقة عليها، وأن مالك الوحدة هو المكلف بأداء الضريبة، ومن ثم على مالكى الوحدات العقارية، أن يخطروا مأمورية الضرائب العقارية بعمليات البيع أو التنازل، وألا يقلقوا من إخطارات الضريبة المرسلة إليهم، لأنه يحق لهم الطعن عليها. معايير محددة ووفقا ل «أشرف عبد الغنى، رئيس جمعية خبراء الضرائب»، فإنه على الرغم من صدور القانون فى 2008، إلا أنه لم تطبيقه بسبب عدم وضع معايير محددة للتقييم الخاصة بالوحدات غير السكنية، واستمر العمل بالقانون القديم 56 لسنة 1954، حتى صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 103 لسنة 2012 ببدء التطبيق اعتباراً من 1/7/2013 بعد إجراء عده تعديلات. وأهم التعديلات التى أدخلت على القانون، بحسب عبد الغنى، عدم اشتراط شهر حق الملكية بالنسبة للمكلف بأداء الضريبة (المالك)، فكانت العقود الابتدائية أو أى سند ملكية غير مشهر لا يعول عليه عند المحاسبة، لأنه من المتعارف عليه أن معظم سندات الملكية فى مصر غير مشهرة، علاوة على السماح للممول بسداد الضريبة على قسطين متساوين كل 6 أشهر. فيما جاء التعديل الخاص بحد الإعفاء فى غير صالح الممول، فالتعديل أقر إعفاء وحدة واحدة كمسكن خاص فيما لا يزيد عن 2 مليون جنيه، بعد ان كانت خمسمائة ألف جنيه لكل وحدة سكنية يملكها المكلف بأداء الضريبة، بحيث كان الممول قبل التعديل يتمتع بإعفاء لجميع وحداته فى حال كون هذه الوحدات أقل من 500 ألف جنيه، لكن التعديل أقر أن الإعفاء يقتصر على وحدة واحدة فقط، وهى السكن الخاص. وبحسب رئيس خبراء الضرائب، تواجه المصلحة معضلة هامة تتمثل فى وضع المعايير التى يتم بناء عليها تقييم المنشآت الصناعية والسياحية والبترولية والمطارات والموانى والمناجم ذات الطبيعة الخاصة، حيث سبق، وتم، قبل عام، تحديد مدة 3 شهور لوضع هذه المعايير، لكن مرور سنة كاملة لم يكف لإنجاز هذه المعايير، مما اضطر الحكومة للمطالبة بمد المهلة 3 شهور عقب صدور القرار بقانون رقم 117 لسنة 2014، تبدأ من صدور القانون فى 17 أغسطس 2014. ومن الضرورى، فى رأى عبد الغنى، أن تراعى مصلحة الضرائب العقارية، فى سعيها لوضع هذه المعايير، الظروف التى تمر بها هذه الجهات منذ قيام الثورة فى 25 يناير، وأن يتم ربط الضريبة العقارية بنسبة الأشغال الخاصة بهذه المنشآت، وأن يتم إعلام الممولين بما يتم التوافق عليه من أسس تقدير القيمة الإيجارية للأشطة المختلفة، لأنه لوحظ أنه فى الفترة الأخيرة، تم إصدار عدة مطالبات لبعض العملاء فى القطاع الصناعى غير محدد فيها سنوات المحاسبة وأسس تقدير القيمة الإيجارية. «القطاع الصناعى» فى رأى المهندس جلال عبد الفتاح، رئيس الاتحاد العربى لتنمية للصادرات الصناعية، أكثر القطاعات الاقتصادية حساسية لتطبيق هذا القانون، لأن المنشآت الصناعية سوف تكون مطالبة بدفع ضريبة سنوية، مما يترتب عليها زيادة فى تكلفة الإنتاج، وربما تراجع القدرة التنافسية لبعض المنتجات المصرية. وتقوم وزارة المالية على إعادة تقدير الضريبة العقارية على المصانع، وذلك بعد الدراسة التى قامت بها هيئة التنمية الصناعية، التى رفعت بدورها قيمة سعر متر الأرض بالمبانى الصناعية، لتتراوح بين 1200 و1700جنيه للمتر، مما يعنى أن الحصيلة المستهدفة من الضريبة بعد التعديل ستبلغ 1.2 مليار جنيه. ويعد الإعفاء الممنوح، وفقا لتعديلات القانون الأخيرة، للعقارات المستعملة فى أغراض تجارية، أو صناعية أو إدارية، أو مهنية، والتى يقل صافى قيمتها الإيجارية عن 1200 جنيه، بمثابة الدعم والحافز القوى للمشروعات الصغيرة، وهذا ما يطالب به الخبراء منذ سنوات. إلا أنه بعد صدور التعديلات الأخيرة فى أغسطس الماضي، ينتظر أن تصدر عن وزارة المالية قواعد جديدة يتم بناء عليها تحديد القيمة الإيجارية للمنشآت الصناعية، وبالفعل يترقب الصناع هذه القواعد، ويطالبون فى ذات الوقت الحكومة بأن تترفق بهم وتضع فى اعتبارها حساسية هذا القطاع.